العدد 829 - الأحد 12 ديسمبر 2004م الموافق 29 شوال 1425هـ

فلسطين في مشهد الانتخابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تستعد المنطقة إلى انتخابات رئاسية في فلسطين وهي الأولى التي تحصل بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات. وتبدو صورة المشهد الفلسطيني مهشمة أو على الأقل منقسمة بين تيارين يشدان أوراق الاقتراع نحو تعارض يهدد الصناديق بالانكسار.

في المشهد الفلسطيني يلاحظ أن الإجماع المبدئي الذي اتخذ على مستوى السلطة وقضى بترشيح محمود عباس (أبومازن) لمنصب الرئاسة شابه الغموض بعد اقدام مروان البرغوثي على ترشيح نفسه منافساً رئيسياً لمرشح السلطة. تردد البرغوثي في خوض المعركة ثم عزمه على خوضها ثم انسحابه قبل بدء المنافسة خطوات كلها تشير إلى وجود قلق يساور قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني وتحديداً جيل الشباب وتلك المجموعات المرتبطة سياسياً ونفسياً بالانتفاضة.

هذا التردد يشير إلى وجود شبهات سياسية تتعلق بمسألة الإجماع على ترشيح عباس، مضافاً إليها سلسلة مخاوف من احتمال وجود صفقة دولية - إقليمية تتخطى تلك الثوابت الفلسطينية التي تمسّك بها عرفات على رغم التنازلات الكثيرة التي قدّمها في اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقات جرى توقيعها في واشنطن والقاهرة وشرم الشيخ. فالرئيس الفلسطيني اكتشف أن تلك التنازلات ليست كافية وانه عليه أن يقدم المزيد منها مقابل وعود بالضمانات لم تنفذ. فهو لاحظ في السنوات الأخيرة من حياته أن كل التنازلات لم تقنع «إسرائيل» بالسلام أو حتى القبول بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. وبسبب تلك الوقائع قرر عرفات التوقف عن تقديم التنازلات حين لمس أن المطلوب في النهاية إسقاط القضية من الحسابات السياسية مقابل الاعتراف به رئيساً على جالية محاصرة في أرضها.

توقف عرفات عن التنازل حين وجد أن المطلوب ليس عقد اتفاق سلام وانما الاستسلام للعدو بكل ما يريده. ولهذا قرر دعم الانتفاضة لتحصين الثوابت الفلسطينية ومنع القضية من الانزلاق نحو الهاوية.

وعند هذه الحدود ارتسمت سياسة ميدانية تميز بدقة بين ما هو قابل للتفاوض وبين ثوابت من الصعب التفريط بها لأنها تعني في النهاية إنهاء العدالة ليس في الجانب الفلسطيني ولكن في مختلف الجوانب التي تمس حقوق الناس في المنطقة العربية. فالانتصار الصهيوني على عدالة القضية هو رسالة واضحة لكل الدول العربية ومفادها أن الحق تفرضه القوة العسكرية والقوي يملي شروطه على الضعيف.

توقف عرفات عن التنازل مسألة مهمة وهي المنطلق الذي يجب البدء منه لإعادة قراءة سياسة التفاوض مع «إسرائيل» التي تخالف كل المواثيق والمعاهدات والاتفاقات. فعرفات قدم الكثير وتنازل أكثر مما يجب واعطى أكثر مما هو مطلوب وأخيراً انتهى به المطاف إلى التعرض إلى حصار ظالم فرض عليه الإقامة الجبرية في مقرة إلى أن رحل عن الدنيا.

المثال العرفاتي يجب ألا يغيب عن المشهد الفلسطيني وسياسة التفاوض مع العدو. فالمثال ليس شخصاً بل هو صورة عن واقع انتهى إلى مأساة. وهذا كما يبدو يقلق القطاع الواسع من الشعب الفلسطيني.

ترشيح البرغوثي أثار اللغط وبعض الانتقادات وصل عند البعض إلى حد توجيه الاتهامات والغمز من قناة «كتائب شهداء الأقصى» والتقول على المرشح المسجون بذرائع شتى من نوع شق الشارع الفلسطيني ومخالفة إرادة حركة فتح... وغيرها من كلام.

هذا النوع من الملاحظات ليس دقيقاً حتى لو ظهر شكل الصورة بانه محاولة لشرذمة مشاعر الناس. إلا أن الجانب الخفي من المشهد يكشف عن وجود قلق حقيقي في الشارع يتخوف من انحراف القيادة عن الثوابت الفلسطينية والذهاب بعيداً في التنازلات وإنهاء ما تبقى منها مقابل وعود وهمية سيتبين لاحقاً أنها محاولة لكسب الوقت والتفرغ إلى جبهات عربية أخرى.

ترشيح البرغوثي يجب النظر إليه من زاوية تأكيد الحرص على الثوابت الفلسطينية وعدم الانجرار نحو وعود دولية بعقد مؤتمرات للتسوية في لندن أو القاهرة أو في أي مكان آخر بعد انتهاء الانتخابات والتوهم بانها ستؤدي إلى النجاح بعد رحيل الختيار.

مثال عرفات هو عبرة وليس تقديساً لشخص. فهذا الرجل شاخ ورحل قبل أن يتحقق الوعد ببناء دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وهو فعل المستحيل لتحقيق حلمه وقدم الكثير من التنازلات للوصول إلى هدفه وانتهى أمره بالحصار والموت قريباً من المسجد الأقصى.

العبرة من مثال عرفات هو ألا تنخدع القيادة الفلسطينية بالأضواء والكاميرات والبروتوكولات وحفلات الاستقبال والتوديع والمراسم في المطارات... بل إعادة اكتشاف التجربة والتأكيد مجدداً على حقوق لا يلغيها مبدأ القوة. فالعدالة في النهاية هي الأقوى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 829 - الأحد 12 ديسمبر 2004م الموافق 29 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً