العدد 837 - الإثنين 20 ديسمبر 2004م الموافق 08 ذي القعدة 1425هـ

العراق هو الهدف

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف يمكن قراءة الاعتداءات التي استهدفت في اليومين الماضيين مواقع دينية في النجف وكربلاء ومسجد الإمام ابن تيمية في بغداد؟ فهل الطرف الذي يقف وراء تلك الهجمات ينتمي إلى جهة سياسية واحدة؟ وهل الموضوع يمكن وضعه في السياق السياسي لتداعيات الحرب على العراق أم انه نتاج انقسام أهلي متوارث يستفيد منه المحتل لتبرير وجوده؟

المسألة متشعبة وهي ذات أصول ومنابت متباينة في جذورها السياسية والأهلية وخصوصاً إذا ربطنا الاعتداءات الأخيرة بتلك التي وقعت ضد الكنائس. الواقع يؤكد وجود شبهات طائفية ومذهبية تريد اثارة أجواء الفتنة والاضطراب تحد من إمكانات تقدم العراقيين نحو صيغة وطنية مشتركة تعيد انتاج دولة واحدة ومستقرة. إلا أن الواقع المنهار لا يمكن عزله عن استراتيجية سياسية للاحتلال. المسألة إذاً معقدة وهذا التعقيد في قراءة المسألة يعزز احتمال وجود جهات مشبوهة لا مصلحة لها في استقرار العراق وضمان وحدته الجغرافية - التاريخية من خلال الاتفاق على برنامج يحدد سلم أولويات تبدأ بطرد الاحتلال وتوحد العراقيين في دولة متصالحة مع محيطها العربي - الإسلامي.

التفجيرات الأخيرة تفرض قراءة الواقع من خلال النظر إلى النتائج التي تسفر عنها مثل هذه الاعتداءات. فالأهداف أحياناً تساعد على فهم الأسباب. فهل الدوافع سياسية أم مذهبية أم هي مشتركة في أهدافها السياسية والمذهبية؟

لنفترض أن الجهة التي تقف وراء تلك الهجمات في كربلاء والنجف طائفية ومذهبية، فما هي الفائدة السياسية من الاعتداءات؟ ولنفترض ان الجهة المسئولة سياسية فما هي الفائدة الطائفية والمذهبية من تلك الهجمات؟

في الجانبين يصعب اكتشاف فوائد مباشرة أو غير مباشرة لمختلف الجهات السياسية والمذهبية والطائفية. الفائدة الوحيدة هي اثارة القلق والرعب ودفع البلاد نحو مزيد من التفكك والانقسام ومنع نشوء قاعدة اجتماعية مشتركة تعيد تأسيس دولة عراقية واحدة وممتدة على كامل تراب بلاد الرافدين.

والسؤال: من له مصلحة في تفتيت العراق والغاء دولته الوطنية المشتركة والدفع نحو الاضطراب الأهلي لتبرير قيام دويلات طوائف ومذاهب تديرها حكومة مركزية لا تستطيع التحرك من دون تنسيق مع الاحتلال؟

هذا النوع من الأفعال لا وظيفة له سوى إضعاف العراق وإلهاء طوائفه ومذاهبه في حروب صغيرة تنهك مختلف القوى وتعطل عليها لعب دورها السياسي على امتداد الساحة العراقية. وهذا يعني في المحصلة النهائية بقاء الاحتلال الأميركي بصفته القوة الوحيدة القادرة على ضبط الأمن ومنع العراقيين من الانزلاق نحو الحروب الأهلية الصغيرة. وبالتالي يتحول الاحتلال إلى مطلب أهلي تنادي به مختلف الاطياف بذريعة انه الطرف الوحيد القادر على تأمين الحماية السياسية والأمنية لكل الطوائف والمناطق والمذاهب والاديان.

قراءة الاعتداءات على المساجد والكنائس والمراكز الدينية يجب ان تبدأ من الأهداف المرجوة لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تدفع المشبوهين إلى ارتكاب مثل تلك الهجمات. فمعرفة الأهداف تساعد على رؤية مركبة تربط الأسباب بالنتائج والنتائج بالأسباب بغض النظر عن الاسم الذي يعلن مسئوليته عن الجرائم وتنشر بياناته في شبكات الانترنت. فالمسألة كبيرة ومعقدة وتتجاوز حدود المكان الذي حصلت فيه الجريمة؛ لأن القوة المهيمنة على الأرض تخطط لما هو أبعد من الدائرة الصغيرة التي ارتكبت في إطارها الاعتداءات. الهجمات على المواقع الدينية والمساجد والكنائس مخيفة في ابعادها السياسية، فهي لا تستهدف الجهة التي تتعرض للضربة مباشرة فقط وإنما ترمي إلى توجيه رسالة كبيرة للعالمين العربي والإسلامي وربما أيضاً إلى العالم الذي ينظر إلى العراق وكأنه منطقة غير مؤهلة للسكن والتعايش. والرسالة في هذا المعنى مفهومة إقليمياً ودولياً وهي ان العراق دولة غير موجودة وهو غير قادر على تحمل مسئولياته وبالتالي يحتاج إلى حماية دولية أو انتداب (أميركي) مؤقت لإعادة تأهيل شعبه وتدريبه على كيفية الحكم وإدارة الدولة وحفظ أمن المواطنين من دون تمييز بين طوائفه ومذاهبه وأديانه ومناطقه. هذه الرسالة الكبيرة تكشف حقائق غير واضحة تقف وراء تلك الجهات المشبوهة التي ترتكب الجرائم وتستهدف امكنة العبادة. فالأهداف الحقيقية أكبر من تلك التي يعلن عنها كعناوين واسماء صغيرة تظهر على شبكات الانترنت.

قراءة الاعتداءات من زاوية الأهداف الكبيرة تعطي فكرة واضحة عن الطرف المستفيد منها وتعين الجهة التي تسهّل ارتكاب مثل هذه الجرائم وما هي الرسالة التي تريد ان تقولها للعالم. فالمستهدف في النهاية هو العراق وشعبه حتى لو كان الهدف المصاب مباشرة يطال هذه الكنيسة أو ذاك المسجد. فالمسألة أكبر من أن تكون مختصرة في مذهب أو طائفة أو منطقة وهي ابعد بكثير من الانتخابات وصناديق الاقتراع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 837 - الإثنين 20 ديسمبر 2004م الموافق 08 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً