العدد 839 - الأربعاء 22 ديسمبر 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1425هـ

الجزائر... بوتفليقة وآفاق 2005

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

مستفيداً من العائدات الاستثنائية من الهيدروكربورات التي تعززت في العام 2004، كذلك من خفض الدين العام، انطلق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في سباق مع الوقت لتأكيد سلطته بشكل نهائي. فعلى الصعيد الوطني، سيحاول تطويع الخريطة السياسية بحيث تتأقلم مع استراتيجيته. أما على الصعيد الخارجي، يبقى الموضوع الذي يشغله بشكل كبير قائماً، ويتلخص بما يمكن عمله لجذب المستثمرين الذين لا يتجاوبون مع الفرص التي تقدمها بلاده.

يتساءل الجزائريون عشية نهاية العام عن المفاجأة التي يعدها لهم رئيس الدولة. فالبعض يؤكد أنه ليس في وارد صنع الجديد بأدوات قديمة. الدليل على ذلك، إعلانه في مطلع الشهر الجاري أمام «المنظمة الوطنية للمجاهدين» نهاية حقبة «الشرعية التاريخية».

أما البعض الآخر، فيعتبر أن هذه الطروحات لا تخرج عن إطار تسجيل النقاط، مشيراً إلى أن الأمر لن يتجاوز تعديل وزاري سيحافظ خلاله المقربون من الرئيس، من أمثال وزير الداخلية يزيد زرهوني، ووزير الطاقة والمناجم شكيب خليل، ووزير المالية عبداللطيف أشنهو على مراكزهم. على ذلك، يعلق مسئول تم إبعاده حديثاً بتهكم: «إن هؤلاء سيبقون معه، كذلك شقيقه ومستشاره الرئيسي، سعيد بوتفليقة». على أية حال، فبالنسبة إلى غالبية الجزائريين، فإن رئيس الدولة قد قدم هديته سلفاً عبر زيادة سعر الماء بنسبة 65 في المئة...

ويرى المحللون السياسيون، الأكثر تنوراً أنه لن تحصل تغييرات مؤثرة في المدى القصير. ذلك، لأن الذي يهم الرئيس بالدرجة الأولى هو «إحكام السيطرة على النظام» باسم الانفتاح السياسي والتحرر الاقتصادي. ففيما يتعلق بالشق الأول، يمكن القول إن رئيس الجمهورية قد نجح جزئياً في شل قدرات خصومه. كذا، بإقناع الغرب نسبياً بأنه يسير في هذا الطريق عبر الإظهار بأنه أبعد الجيش عن مراكز القرار، وأنه مستعد لإلزام الجزائر بالدخول في دائرة التنسيق ضمن قيادة العمليات التي تقوم بها منظمة شمال حلف الأطلسي وشركاؤها في إطار «الحوار المتوسطي».

وفيما يخص الشق الثاني، الاقتصادي، لم يحرز الرئيس بوتفليقة أي تقدم على رغم الوعود المتكررة لناحية تصحيح أوضاع القطاع المصرفي، والحرص على إقلاع بورصة الجزائر، وتحقيق برنامج الخصخصة، ومكافحة الرشوة وتبييض الأموال، وأيضاً التصدي بحزم للسوق الموازية التي تمثل بين 35 و40 في المئة من ناتج الدخل القومي.

من جهة أخرى، ينبغي الإشارة إلى أن غالبية الزيارات الخارجية التي قام بها رئيس الدولة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك تلك التي أوصلته الأسبوع الماضي إلى اليابان، أظهرت أن هذه البلدان ومستثمريها لا يهتمون سوى بقطاع واحد في الجزائر، أي الهيدروكربورات. ذلك، كون هذا المجال يبقى الأكبر لبوتفليقة طالما لم يتمكن من تمرير مشروع القرار المتعلق بفتح القطاع أمام الاستثمار الأجنبي؛ وبالتالي، الإثبات للأميركيين أنه الرئيس الأوحد للبلاد، والذي لا يمكن الالتفاف عليه، والذي يمسك بكامل السلطة بين يديه.

العوائق السياسية...

إذا كانت المظاهر تدعو إلى الاعتقاد بأن رجل الجزائر الأول قد وصل إلى مرحلة تدجين النظام لمصلحته، فإن الكثيرين يرون، في المقابل، أن المعوقات الموجودة تمنعه من تحقيق هدفه المنشود. فالدعوة «العفو العام» الذي يعتبره الرئيس الجزائري من صلاحيات الشعب الجزائري، يشكل اليوم مشكلة رئيسية. ذلك، حتى لو أعاد التذكير من وقت إلى آخر، بمخاطر التطرف الإسلامي والإرهاب. وتجدر الإشارة في الواقع، إلى أن جزءاً لا يُستهان به من المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي تطالب بتعددية فعلية، كذلك جناح نافذ في الجيش، يعارضون على الدوام فكرة «المصالحة مع القتلة». هذه الفكرة التي يدافع عنها بشدة الرئيس بوتفليقة من وقت إلى آخر. ويخشى هذا الأخير، الذي يراهن على هذه الورقة لتعزيز مواقعه، أن يجد نفسه بمواجهة تكتل يقطع الطريق على طموحاته. وبالتالي، يسقط مشروعه من أساسه.

وفي سياق التحديات عينها يبقى الرئيس الجزائري - حتى ولو قال العكس من ذلك - بعيداً من قبول التعددية خارج إطار سيطرته، «سأحترم حرية الفكر، والخيار الحر والرأي الآخر». هذا ما أكده خلال خطابه بمناسبة الذكرى الخمسين لانطلاقة الثورة. لكن هذه الجملة لم تقنع المراقبين المحليين أكثر، وخصوصاً بعدما كثف عن جانب مهم بقوله: «إنه ليست هنالك حظوظ لإعادة النظر في الخريطة السياسية، وإنه من المستحيل المساس بها في ظل الظرف الراهن».

وعلى الصعيد الإقليمي، سيواجه الرئيس بوتفليقة، عاجلاً أم آجلاً، الحقائق على الأرض. فلم يعد باستطاعته بعد الآن، المحافظة على نظرية «القوة الإقليمية الرائدة» التي كانت تبرر في السابق استفزاز جيرانه في كل مرة كانت المشكلات الداخلية تشهد انحساراً؛ أو عندما كانت العائدات من النفط والغاز والاحتياطات من العملات الأجنبية تتزايد بشكل ملحوظ، كما هو الحال منذ أربع سنوات. وإذا كانت بعض الأوساط المغربية رحبت بحرارة بالتوجه الأخير الذي أعلنه الرئيس الجزائري من خلال قوله: «نحن نتلهف للتلاقي مجدداً مع إخوتنا، كما نتلهف لإلغاء التأشيرات، ونتلهف أيضاً لإعادة فتح الحدود»، فإن بوتفليقة نفسه قد أضاف مع ذلك أن الموقف الجزائري من نزاع الصحراء الغربية لايزال هو نفسه، وأننا «سنبقى إلى جانب جبهة البوليساريو حتى ولو اقتضى الأمر أن نبقى لوحدنا في العالم».

فالرئيس الجزائري، الذي يدرك أكثر من أي كان أنه يجب أن يضاعف من جهوده إذا ما شاء إحكام سيطرته على النظام، قد وجد نفسه مضطراً إلى فتح عدة جبهات في آن واحد. خَطَر يعتقد بأنه قادر على إبعاده عبر استخدام العائدات كأداة أساسية، وعبر إعطاء ضمانات ذات طابع جغرا-استراتيجي أكبر لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وبزيادة عمليات الهروب إلى الأمام على الصعيد الإقليمي. يبقى أن نعرف، والحالات هذه، إذا كان جهازه الخاص، قادراً على متابعة هذه العملية الدقيقة والمعقدة. على ذلك، يجيب مسئول رفيع المستوى، مؤكداً أن هذا النوع من المبادرات لا يلزم إلا صاحبه وليس الجزائر؛ مضيفاً أن لعبة التوازن هذه لن تدوم طويلاً. من هنا يمكن الاستنتاج بوجود بداية تباين بين بوتفليقة وحلفائه من المستشارين العسكريين في القصر الرئاسي. وبالتالي يجب وضع الاستقالة أو الإقالة المفاجئة منذ أقل من أسبوع للفريق محمد تواتي، المعروف باسم «المخ».

ومن المؤشرات الأخرى لوجود عوائق سياسية، التأجيل المتتالي لانعقاد المؤتمر الثامن لحزب «جبهة التحرير الوطني الجزائرية». فعلى رغم المعركة التي ربحها رئيس البلاد بمواجهة رئيس وزرائه السابق، والأمين العام للحزب المذكور قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة علي بن فليس، فإن الإدارة الجديدة له، والمؤلفة من رجال بوتفليقة، لم يتمكنوا حتى اللحظة من فرض وجهات نظرهم على أعضاء اللجنة المركزية، ما يؤكد أن هموم رئيس الدولة لم تصل إلى نهايتها.

... والتحديات الاقتصادية

خلال الندوة التي حملت عنوان «الشراكة الاقتصادية الفرنسية - الجزائرية الجديدة»، التي عقدت في 14 من الشهر الجاري بمبادرة من «يونيفرانس» (الوكالة الفرنسية للتنمية العالمية للشركات) بالتعاون مع القسم الاقتصادي بالسفارة الفرنسية بالجزائر، خرج وزير المالية عبداللطيف بن أشنهو عن الموضوع بشكل لا يخلو من «الأسى» والغيرة. إذ لم يتمالك هذا المسئول المقرب جداً من بوتفليقة نفسه، عندما أشار إلى إمكانات بلاده. لقد توجه هذا الأخير إلى المشاركين بقوله: «لقد فوجئت بأن الجهود المبذولة للاستثمار في المغرب وتونس ودولة جنوب إفريقيا تتزايد، في حين يبقى الاستثمار غير كافٍ في الجزائر». لكنه عاد بعد ثلاث دقائق للتناقض، مشيراً إلى أن الإرادة التي لا تنقص الجزائر بل القدرة على صنعها. إزاء ذلك، علّق مصرفي فرنسي بارز كان من بين الحضور على هذه الإطروحات بالسؤال: «كيف يمكننا العمل أو فتح فروع لشركاتنا في بلد لايزال فيه القطاع المصرفي مشوباً بالغموض، في حين تتالى الإفلاسات، وحين تكون الرشوة سيدة الموقف، وبارونات «الترابيندو» (السوق السوداء) يسيطرون على الكثير من مكونات السوق؟». ومن التحديات الأخرى المفروضة، تنفيذ الجزء الثاني من خطة النهوض بالاقتصاد التي أطلقها بوتفليقة منذ نحو ثلاث سنوات. ففي تقريره الأخير عن الظرفية، اعتبر «المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي» أن السياسات الاقتصادية تتجه أكثر فأكثر نحو المدى القصير. ذلك، في إشارة إلى خطابات الرئيس التي تنوه جميعها بالإنجازات الاقتصادية وبالاحتياطات من العملات الأجنبية. لكن «المواطن يبقى فقيراً»، هذا ما يشير إليه التقرير. ويعتبر هذا الأخير أن السياسة المعتمدة تقلل بعد الرؤية في المدى المتوسط وتعوق الآفاق الاستراتيجية. من ناحية أخرى، فإن مشاركة القطاع المنتج في ناتج الدخل القومي، غير الكافي يشكل تحولاً مقلقاً. فالبنيات الاقتصادية تعاني بدورها من مشكلة التسيير في ظل هيمنة للأنظمة الريعية التي تعوق أية انطلاقة في ظل تنامي الشبكات التي وصفها بوتفليقة يوماً بـ «المافياوية».

باختصار، يمكن الاستنتاج بأنه يجب على هذا الأخير الإجابة من دون تأخر على التحدي الكبير المتمثل في الوضع الاجتماعي الصعب. فتدهور القوة الشرائية على النحو الحاصل لا يمكن أن تساعده على إحكام سيطرته على الحكم؛ وخصوصاً بعد أن بدأت حكومة أويحيى بزيادة أسعار المواد الأساسية مثل الخبز، والخدمات كالماء والكهرباء والوقود، بهدف تمويل المشروعات الاجتماعية، كذلك من أجل تحديث البنيات التحتية. فهذه اللعبة على حافة الهاوية، كما يلاحظ المراقبون في بلد كالجزائر، لا تخلو من المخاطر الجدية. وبالتالي لم يعد يكفي أن يردد الرئيس بأن: «الاشتراكية هي فلسفة الملائكة»، أو إعادة يقصد ما يقصد، حتى تستقيم الأمور ويتجاوب الشعب بسهولة

العدد 839 - الأربعاء 22 ديسمبر 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً