العدد 2837 - السبت 12 يونيو 2010م الموافق 29 جمادى الآخرة 1431هـ

تكاليف حرب العراق عشرة أضعاف ما أنفِق على حرب الخليج الأولى وفيتنام (2)

حرب الثلاثة تريليونات دولار

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الحلقة الثانية من قراءتنا لنفقات الحرب على العراق، يتّضح أن هذا الوجع الاقتصادي داخل هيكل الدولة الأميركية لا يُمكن التخلّص منه إلاّ بمشروع مارشال جديد، ولكن هذه المرّة «لإنقاذ الولايات المتحدة» نفسها وليس أوروبا. فما جرى وما تمّ إنفاقه يتجاوز أيّ استيعاب بشري يُمكن أن يقارب توقّعاته حول ذلك الأمر. فالقضية مُزدوجة. وتتعلّق بالبلد المُحتَل والدولة الغازية التي تتحمّل تبعات إجرائها العسكري دولياً. خصوصاً وأن تلك الأعباء قد زادت بشكل هائل بعد سقوط بغداد بأشهر.

لذا فإن ما تلى ذلك هو عين الحرب الحقيقية. بعد أن تعثّر مشروع الإعمار في العراق، وهَوَى البلد صوب اقتتال اجتماعي/ أهلي ألقى بظلاله على عُموم المنطقة، أصبح ذلك بمثابة المنظار الحقيقي للحرب ونتائجها ومُبرّراتها، والأهم للولايات المتحدة نفسها. فمشروع (بيو) لرصد المواقف على مدار الكرة الأرضية (PGAP) بات يُشير إلى أن الولايات المتحدة أصبحت في العديد من الأماكن الخطر الأكبر. وبات 78 في المئة من العراقيين يودّون رحيلها عن بلَدهم.

وبالعودة إلى صُلب السؤال، فإن أيّ أميركي يُمكنه أن يتساءل: لماذا أنفقنا ضعفي ما أنفقناه في الحرب العالمية الأولى (بحساب الدولار الآن)؟ ولماذا أنفقنا عشرة أضعاف ما أنفقناه في حرب الخليج الأولى؟ وأكثر مما أنفقناه في حرب فيتنام بثلث التكلفة؟ ولماذا زادت الوحدة الواحدة من الجُند عن أيام الحرب العالمية الثانية ثلاثة أضعاف؟ ولماذا يتوجّب علينا أن ننفق في معركة ببغداد لا تتجاوز مدّتها الأربعة أشهر 11 مليار دولار (دون احتساب نفقات العلاج الخاصة بالجنود)؟

كيف ارتفعت الكُلفة؟

ثمّة عوامل ثلاثة زادت من عمليات الإنفاق في حرب العراق. الأول: ارتفاع أسعار العناصر البشرية (المقاتلون + المتعهّدون). فالعلاوة المُعطاة جرّاء معاودة التطوع هي 150 ألف دولار. وإذا كان البنتاغون قد أسند للشركات الأمنية الخاصة مهمّة حماية الدبلوماسيين فإنه بالتأكيد سيكون مُلزَماً بدفع أربعة مليارات دولار على حُرّاس الأمن فقط في بحر عام واحد. لك أن تتخيّل بأن النفقات الأمنية الخاصة بحراسة بول بريمر الحاكم المدني لسلطة الائتلاف كانت 27 مليون دولار. ثم ارتفع المبلغ إلى 100 مليون دولار. ثم ارتفع المبلغ إلى مليار و200 مليون دولار.

لقد وصل الأمر بأن يتقاضى حارس أمن واحد ألف و222 دولاراً في اليوم الواحد! وهو ما بيّن لاحقاً بأن فساداً هائلاً بات يعتري الاستراتيجية الدفاعية والإعمارية الأميركية في العراق. لقد ضاعت 10 مليارات من الدولارات بعد بدء المعارك وبداية «ما كان يُسمّى بالإعمار». بعدها اختفت ثمانية مليارات و800 مليون دولار. وربما يُربَط ذلك بحجم التعقيد في المصالح ما بين مسار التصنيع والسياسة في الولايات

المتحدة.

فحين تدفع شركة هاليبورتون مليار و146 مليون و248 دولار لحملات الحزب الجمهوري يظهر أن ذلك وجهٌ غير بعيد عما يجري في حالات الفساد المريعة في العراق والتي مارسها الأميركيون. وربما يتّصل ذلك بحصول الشركة على عقود بقيمة 19.3 مليار دولار كوجبة واحدة. وأن يرتفع سهمها العائد بنسبة 229 في المئة. وربما تظهر خارطة المصالح جيداً حين يتم ربط اسم ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي بهذه الشركة والذي كان يرأس مجلس إدارتها حتى العالم 2000.

لقد اضطر الأميركيون وبسبب المشكلة البشرية بالسماح للمدانين قضائياً في الولايات المتحدة بالالتحاق في صفوف القوات العسكرية. وبات 73 في المئة فقط من المتطوعين من خريجي الثانوية العامة. واللجوء إلى «الفئة الرابعة» التي لا تتمتع بمقاييس ومهارات مقبولة للدخول إلى صفوف الجيش. وأخذت تُغرِي اللاتينيين بمنحهم الجنسية للدخول إلى الجيش، أو منح المتطوع أكثر من 40 ألف دولار، ومنح أصحاب الخبرة علاوة تصل إلى 150 ألف دولار للبقاء في الجيش. لقد تبيّن أن التراجع من خريجي أكاديمية وست بوينت وصل إلى 20 في المئة. وهو ما جعل تقديرات القادة تفيد بأن الجيش الأميركي سيكون مفتقراً لـ 3000 ضابط.

وكانت تلك الإجراءات في عمومها تختلط ما بين المعالجات الطارئة والعاجلة للجيش الأميركي وبين الفساد الذي يصل أبطاله ما بين ضفّتي السياسة والقطاع الخاص والتصنيع العسكري والأمني خيط غير مرئي من العلاقات المُغيّبة تحت ربطات العنق الأنيقة، واجتماعات ما بعد منتصف الليل في أرقى شوارع نيويورك وتكساس، أو في مزارع الأرياف.

السبب الثاني: هو زيادة أسعار الوقود. فحين يرتفع سعر البرميل مع بداية الحرب من 25 دولاراً إلى 100 دولار ثم إلى 140 دولار فهو داعٍ أساس كي يُؤثّر وبشكل مباشر على النفقات الأميركية في الحرب. فإذا كانت دولة مُنتجة للنفط مثل إيران تربح ملياراً و460 مليون دولار سنوياً كلما زاد سعر البرميل دولاراً واحداً فإن الأمر مثار للتعجّب حين نعكس الحالة على دولة مُستهلِكة وداخلة في حرب طاحنة كالولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا.

لك أن تتخيّل أن 106 دولارات كزيادة فعلية على سعر البرميل الواقع تحت سعر 40 دولاراً سيعني أن هناك 532 ملياراً و900 مليون دولار ستكون مبالغ إضافية. وفي حال نُظِرَ إلى المبلغ من الجهة المقابلة، فإن من سيدفع لشراء النفط بتلك الكميّة عليه أن يدفع ذات المبلغ الفائض لدى الدول المُنتِجة. وهي معادلة خطيرة ومُهلكة للاقتصاد الأميركي وعلى نفقاتها المرتفعة في العمليات العسكرية في العراق.

السبب الثالث: هو العتاد الحربي. فحين استبدل البنتاغون عربات الـ «هامفي»بالمركبات المُصفّحة (MRAP) كان عليه استبدال 18 ألف عربة «هامفي». بعد أن خَسِرَ 1500 قتيل بسبب العبوات الناسفة (IED). كما توجد عناك 2000 دبّابة أبرامز، ومركبات سترايكر وبرادلي، و43000 عربة، و700 طائرة، و 140000 طن متري من المعدات العسكرية التي تحتاج إلى تصليح.

وفي موضوع ذي صلة يتعلّق بالتدريب، فإن إنفاق 30 مليار دولار على التدريب كانت بداية لا تُبشّر إلاّ بوجود خلل بنيوي في قيادة وقطاعات الجيش الأميركي. وقد بيّنت الدراسة أن القوات المسلحة ستكون بحاجة إلى 250 – 375 مليار دولار ولفترة لا تقل عن 15 سنة لإعادة بناء فروعها جميعاً سواء بالنسبة للحرس الوطني أو مشاة البحرية أو سلاح الجو.

يُضاف إلى ذلك، فإن الدراسات بيّنت بأن استهلاك المعدات الحربية خلال الحرب هو أكثر بست إلى عشر مرات من استهلاكها في السّلم. رغم أن قوات المارينز استخدمت ما بين 40 و 50 في المئة من معداتها الحربية مناوبة ما بين العراق وأفغانستان. وهو ما يدعم التصريحات الأخيرة للقادة العسكريين والسياسيين الأميركيين من أنهم بصدد شحن أكثر من ثلاثة ملايين قطعة سلاح من العراق إلى أفغانستان.

الغريب أن هذا الداعي، ورغم سببيته الوجيه، إلاّ أننا نقرأ عن حجم تدهور في جاهزية الجيش الأميركي. فدرجة الجاهزية لأهم عشرين نوع من أنواع المعدات الحربية كالدبابات ومركبات القتال المصفحة والشاحنات والطوافات والطائرات قد شهدت تدهوراً منذ العام 1999. وكان الاعتماد على برامج التصليح المؤقت خلال المعارك أكثر من غيره، وهو ما جعل أقلّ من 7 في المئة من المعدات الرئيسية قادرة على تأدية مهماتها في المعارك. (وللحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2837 - السبت 12 يونيو 2010م الموافق 29 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:16 ص

      تكاليف العرب

      يستحيل أن تقوم امريكا بدفع هذه التكاليف ستجعل العراقيين والعرب ان يتحملوا مسؤوليتها

    • زائر 4 | 2:28 ص

      حرب العراق لحمية البوابة الشرقية من التشيع

      بعد ان اجتمع رئيس الامن القومي سنة 1980 المكلف من كارتر مع الملك حسين بشن حرب ضد ايران وتم الاتفاق مابين الملك الحسين وصدام حتى لا يتم تصدير الثورة الى الشعوب العربية وخوف وهلع الحكام من هدة الثورة ومن صاحب الثورة العجوز الدي لايملك الا سبحتة -ووقف الزحف الشيعي والتشيع الى المنطقة او البوابة الشرقية ولكن انفتحت البوابة الغربية على يد العراقيين المطلومين من نطام صدام في الغرب والدول الغربية-وبعد دلك المال الدي صرف لحرب ايران هو نفسة الدي سخر لحرب او غزو الكويت من جيوب النفط الخلجيية

    • زائر 3 | 1:01 ص

      سقوط الدول العظمى يبدا هكذا.

      تحليلاتك جميله يا محمد.
      امريكا كما اسرائيل بعد الحرب....سقطت هيبتها وقوتها المزعومه.
      سبب الضعف بالاساس...هوالخوف و عدم ايمان الجنود بمبدا الحرب... يتجلى هذا بالتخبط الامني وكثره الضحايا العراقيين.

    • زائر 2 | 12:06 ص

      احسنت

      تسلم يا بوعبد الله

    • زائر 1 | 11:18 م

      لاتذهب نفسك حسرة ولا تتأسف

      تكاليف حرب العراق عشرة أضعاف ما أنفِق على حرب الخليج الأولى وفيتنام . لاتذهب نفسك حسرة ولا تتأسف هذه التكاليف مدفوعة الاجر او لنقل اكثرها من ثروات الشعوب المغلوب على امرها وخصوصا الدول العربية ولنقرب اكثر الدول الخليجية والا لمقامات هذه الحروب كل عقد من الزمان وتتكرر وهكذا دواليك .

اقرأ ايضاً