العدد 2845 - الأحد 20 يونيو 2010م الموافق 07 رجب 1431هـ

«إسرائيل» والصراع الذاتي على الهوية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تجدد الخلاف في «إسرائيل» بين مجموعات الاشكناز (يهود من أوروبا) ومجموعات السفارديم (يهود من الدول العربية) وتدخلت الحريديم (مجموعات دينية متشددة) لمصلحة الاشكناز، أعاد طرح مسألة الهوية وطبيعة هذا الكيان الذي تأسس عنوة في فلسطين.

سؤال الهوية الذي تعاني منه الكثير من البلدان في أوروبا والعالم الثالث يختلف في أجوبته عن ذلك الموجود في «إسرائيل». فالدول في العالم تواجه مشكلة نمو هويات صغيرة في إطار تحولات بنيوية ناتجة عن تعاظم «عولمة» أخذت تضغط على مجموعات دينية أو قومية أو طائفية أو لونية أو لغوية أو عرقية كما هو حاصل في أفغانستان وقرغيزستان والعراق والسودان ولبنان وأذربيجان وأرمينيا وصولاً إلى أسبانياً وفرنسا وبلجيكا وأوكرانيا. فهذه البلدان تواجه أزمة علاقات أهلية ناتجه عن طبيعة النظام وعدم قدرة السلطة على احتواء تنوع التضاريس السكانية في بيئة جغرافية واحدة أو في دائرة سياسية رسمت الدول الكبرى حدودها العشوائية بعد الحرب العالمية الأولى.

أزمة الهوية في «إسرائيل» مختلفة في مصادرها ومنابتها. الخلاف الذي يتجدد دائماً بين المجموعات الأهلية لا يظهر بين تجمعات تاريخية تكونت تقليدياً في تضاعيف جغرافية (جبال وديان هضاب) كما هو أمر الأقليات في العالم. فالخلاف في الكيان الإسرائيلي يتمظهر بين مجموعات متنوعة هاجرت من بلدان مختلفة في تكوينها القومي والثقافي واللغوي وحطت رحالها في أرض فلسطين في موجات متتالية بدءاً من مطلع القرن الماضي ولاتزال تأتي إلى الآن. فهناك يهود من روسيا وأوكرانيا وبولندا والمجر وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا. وهناك يهود من أميركا اللاتينية وكندا والولايات المتحدة. وهناك يهود عرب من المغرب والعراق واليمن وبلاد الشام. وهناك يهود من إفريقيا وآسيا الوسطى وشرق أوروبا وتركيا وإيران.

هذا التنوع في المصادر والمنابت جاء على دفعات متباعدة وموجات زمنية متفاوتة. بعض اليهود نزح في أيام السلطنة العثمانية. البعض رحل بعد سقوط القدس واحتلال بريطانيا فلسطين في العام 1918. البعض اضطر إلى اللجوء هرباً من ملاحقة النازية والفاشية في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأوروبا الشرقية في فترة الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945). وهناك يهود ساهموا في تأسيس مستوطنات في ظل الانتداب البريطاني إلى أن أعلنت الأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين في 1947 وما أعقبه من حرب أدت إلى النكبة وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه.

بعد النكبة تواصل نزوح المجموعات اليهودية على دفعات من أوروبا الشرقية (الاشتراكية) والبلدان العربية بسبب التوترات الأهلية أو الانقلابات العسكرية مترافقاً مع تصاعد الهجرات إلى فلسطين من كل حدب وصوب في الخمسينات والستينات والسبعينات إلى أن بلغت أوجها في الثمانينات حين نزح مئات الآلاف من دول المعسكر الاشتراكي.

هذا التنوع في الروافد السكانية للكيان العبري ساهم في تأزيم الجنسية المشتركة التي تشكلت على امتداد قرن من 80 قومية و100 لغة وثقافة. وتفاقمت المشكلة بسبب اختلاف طبيعة الموجات النازحة. فالجيل الأول حمل معه من أوروبا الغربية الأفكار العلمانية والقومية ومن أوروبا الشرقية الأفكار الاشتراكية. والجيل الثاني جلب معه تشكيلة من المعارف تراوحت بين الليبرالية والعرقية والدينية. والجيل الثالث تغلبت عليه أفكار السوق والملكية الخاصة ورفض نظريات المركزية الاقتصادية والملكيات العامة وتدخل الدولة في إدارة القطاعات المنتجة.


صراع أجيال

اختلاف طبيعة الأجيال ساهم في توسيع الخلاف بين النازحين على موجات توزعت على فترات زمنية. وأدى الاختلاف في التعامل مع القضايا المشتركة في توليد نزعات دينية متطرفة تعتبر فلسطين دولة خاصة لليهود نص عليها وعد إلهي لا يجوز التفريط به أو مقاسمته مع أطراف دينية أخرى. وبسبب ادعاء هذا النص الإلهي نجحت القوى المتدينة في فرض شروطها على السلطة وأخذت ما تريده في اعتبار أن مبرر قيام الدولة لا يمكن رده إلى اعتبارات جغرافية أو تاريخية.

حضور النص الديني شكل قوة إضافية أعطت صلاحيات للتيار الديني المتشدد بالنمو والسيطرة على الكثير من مفاصل الدولة. وقوة الدين مسألة لا تقتصر على جماعة أهلية واحدة. فالنص التلمودي الذي تعتمده الصهيونية لتبرير أسباب دعوتها لإنشاء دولة لا يختلف في الجوهر عن ذلك الذي تقول به جماعة الحريديم. فالعلماني الصهيوني ديني في تكوينه الثقافي. والاشتراكي الصهيوني يعتمد الدين قاعدة لتفسير هجرته إلى فلسطين والإقامة فيها. والشرقي ديني كذلك الغربي سواء الذي جاء من أوروبا أو من أميركا الشمالية.

النص الديني شكَّل تقليدياً الجامع الإيديولوجي المشترك للهوية الإسرائيلية ما ساهم في تخفيف التوتر بين العلمانية والاشتراكية والقومية والعرقية. فالعلماني ديني. وبسبب هذه العلمانية المتدينة نجحت الدولة في تأسيس مصالحة تاريخية بين مجموعات أهلية متفرقة المزاج في توجهاتها الثقافية واللغوية ومتنوعة المنابت في عاداتها وتقاليدها المتوارثة أو المتأثرة بالفضاءات التي جاءت منها أساساً.

هذه المصالحة التاريخية بدأت تواجه أزمة متصاعدة منذ بدء نمو دور الجيل الرابع الذي عاش في كنف دولة مزدوجة الولاء في تكوينها العلماني وهويتها الدينية الأمر الذي أفضى إلى ظهور انقسامات عمودية ناتجة عن اختلاف اللون بين يهودي أوروبي (أبيض) ويهودي عربي (أسمر) ويهود أفارقة. وساهم هذا الافتراق اللوني في تشكيل نزعات عنصرية تميز بين يهودي وآخر وخصومات دينية تفرق بين يهودي ملتزم وآخر لا يحترم الفرائض في الإجازات والأعياد.

ظهور الانقسامات على سطح الدولة الإسرائيلية في طور نمو دور الجيل الرابع يعتبر مسألة بديهية في مجال التطور التاريخي بين زمن الجيل المؤسس في مطلع القرن الماضي والجيل المستقر في مطلع القرن الجاري. وبسبب هذا التفاوت الزمني (بين 60 و100 سنة) بدأت الهوية تتأرجح بين الديني العلماني والديني المتشدد معتمدة على الفرز العرقي (شرقي – غربي) والتفرقة اللونية (أوروبي – عربي – إفريقي – آسيوي) ما ينذر بنمو تيارات متزمتة قد تشكل في المستقبل ذلك الخطر السياسي على المجموعات الفلسطينية الموجودة في أراضي العام 1948.

مضى على تأسيس الحركة الصهيونية أكثر من 113 عاماً وإقامة دولة «إسرائيل» أكثر من 62 سنة وحتى الآن لاتزال هوية الكيان غامضة وحدوده السياسية غير واضحة. فهل الدولة قومية أو علمانية أو دينية أو عرقية ولونية أو هي مزيج من خليط بشري هاجر على دفعات وموجات على امتداد حقبات زمنية امتدت أكثر من قرن من الزمن؟ حتى الآن لا جواب على السؤال. وبسبب عدم وضوح الهوية وتردد «إسرائيل» في صوغ جواب نهائي محدد كما هو الحال مع الحدود السياسية يرجح أن تدخل الدولة في صراع ذاتي بين قانون تأسست عليه الهوية في أربعينات القرن الماضي وبين التيار الديني الذي يطمح بإعادة التأسيس انطلاقاً من هواجس ومخاوف الجيل الرابع الذي يختلف في تكوينه الزمني والثقافي عن الجيل الأول (المؤسِّس).

تجدد الخلاف الذاتي بين الاشكناز والسفارديم والحريديم والعلمانية المتدينة (التدين العلماني) يكشف عن طبيعة سياسية لكيان غير واضح الهوية يتخبط في محيط جغرافي مغاير في تكوينه التاريخي عن ثقافة مجموعات هاجرت تباعاً من أقاصي العالم لتستقر في أرض طرد شعبها من دائرتها. وهذا النوع من الاختلاف الذاتي يرجح أن يتطور حين ينجح الجيل الرابع في الهيمنة على كيان فشل حتى الآن في التكيف مع متغيرات دولية وإقليمية وعربية. وعدم القدرة على التكيف مع تحول الفضاءات سيؤدي إلى الانزلاق نحو المزيد من الانغلاق (التزمت الديني) بحثاً عن ملاذ آمن لهوية قلقة تخاف من الانفتاح وتفضل الانعزال على قبول مسارات الحوار والتسامح والاندماج.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2845 - الأحد 20 يونيو 2010م الموافق 07 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:16 ص

      السؤال هو

      كيف استطاعت هكذا دوله هزميه 22 دوله عربيه ... وكيف استطاع حزب من اربعه قرعان ان يهزموا دوله هزمه 22 عشرون دوله والله من غرائب الزمن لا والدوله هذه منقسمه من الداخل وقال الله عنهم تحسبه جمعا وقلوبهم شتى ههههه أرجو من الكاتب العزيز كتابه موضوع عن اسباب الهزيمه وأسباب انتصار نصر الله . انا اعتقد انك ما تقول بأن نصر الله انتصر بس على ا لاقل تكتب موضوع عن المعركه التي لم يستطع الكيان الصهيوني الدخول الى الجنوب كما كان في السابق . وال استطاع الدخول الى غزه كما كان كلك في السابق ، بس خلك واعى لا تنا

اقرأ ايضاً