العدد 2875 - الثلثاء 20 يوليو 2010م الموافق 07 شعبان 1431هـ

من عبادة الأوثان إلى عبادة الأفراد؟

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

هل أنت مسلم؟

أنت تؤمن - من دون نقاش - بدينك، بإسلامك، لكنك ربما تفاجأ أنك -بمقاييس بعض «المؤدلجين» من المنتسبين إلى تيارات «الإسلام السياسي»- لست بمسلم!

هناك، من بني جلدتنا، من يُفصل الدين على مزاجه، وفقاً لقناعاته ورؤيته هو. بمعنى آخر: إما أن تؤمن بالإسلام تماماً كما يؤمن به البعض وإلا فأنت خارج عن الملة ولست بمسلم!

قليلاً ما أخصص مقالة للرد على ردود الأفعال تجاه ما أكتب، فأنا أؤمن بأن من حق الجميع موافقتي أو الاختلاف معي. وأنا، ككاتب، لا أحمل في يدي سوطاً أهدد به الناس أن تقرأ مقالي وإلا سقط السوط فوق رأسها. ولا أفرض على الناس أن تتفق معي وإلا هوى سوطي على ظهرها. والكاتب مثلي لا يملك منبراً دينياً يكفر عبره من يختلف معه أو يُشهَر بمن لا يؤيد رأيه! كل ما يملكه الكاتب مساحة محدودة يعبر فيها عن رأيه بقدر الممكن من الاستقلالية والجرأة وللناس كامل الحق في قراءة ما يكتب وفي الاتفاق والاختلاف مع ما يكتب. غير أنني -هذه المرة - اعلَق سريعاً على بعض ردود الفعل التي تلقيتها على مقال الأسبوع الماضي بعنوان «اخوان الشيطان». والتعليق هنا فقط لإبراز خطورة أحادية التفكير في كثير من خطاباتنا خاصة الديني منها.

لقد وصلتني عشرات من الرسائل في كثير منها ترسيخ لفكرة إقصائية يبدو أنها تأسست جيداً في عقول بعض شبابنا ومفادها «إما أن تكون مسلماً مثلي وإلا فأنت لست بمسلم»!

كنت، في مقالي، أعبر عن خجلي كمسلم اغتاض من تلك الصورة المخجلة لدينه بفعل فتاوى غريبة تخرج من ديارنا وتعطي ذريعة لمزيد من التشويه للإسلام والمسلمين خاصة في الإعلام الدولي.

فعلاً، تلك الفتاوي الغريبة تضر كثيراً بنا وبديننا داخل وخارج حدودنا. ومسلسل الفتاوى الغريبة الطريفة المضحكة المبكية مستمر. فمن فتوى جواز إرضاع الكبير إلى فتوى عدم جواز كشف المرأة لشعرها أمام بنات جنسها وقبلها فتاوى وجوب قتل الفئران وملاك القنوات الفضائية وحرمة الجلوس على الكراسي والقائمة تطول.

وما زلت أتساءل: ألا يقرأ هؤلاء المفتون و»حاشيتهم» ما يكتب عن الإسلام والمسلمين في الصحافة الدولية تعليقاً على تلك الفتاوى؟

وهل يعقل أن نترك الإعلام الدولي يتساءل إن كان العالم الإسلامي كله يفتقد أصواتاً مختلفة تملك من الجرأة ما يكفي للرد على هؤلاء الذين يمارسون تشويها للأمة كلها وتعكس حقيقة ان المسلمين ليسوا لوناً واحداً؟

من أطرف الردود التي وصلتني كانت مجموعة من الرسائل تتساءل: وما علاقتك بالإسلام حتى تخجل من هذه الفتاوى؟ وأخرى: «من أنت حتى تزعم الدفاع عن الدين. أنظر إلى صورتك أولاً».

ووفقاً للبعض ممن يُفصلون الإسلام حسب معتقداتهم التي تركز على الشكل لا على الجوهر، فعدد المسلمين اليوم ليس – كما نعرف – فوق المليار بل لا يتجاوز المليون!

نعم، بهكذا رؤية المسلمون اليوم مليون مسلم فقط (إن لم يكن أقل)! فإذا كان المسلم – كما يرى البعض بيننا – هو من يرتدي الثوب القصير، وكلما قصر الثوب زاد الإيمان، ومن يلبس «الغترة» بلا عقال ولا يجادل في مثل فتاوى إرضاع الكبير فإن المسلمين اليوم مهددون بالانقراض!

هؤلاء يظنون أن بإمكانهم احتكار الإسلام لهم فقط دون سائر المسلمين فهم وحدهم من يمنح صكوك الغفران وهم وحدهم من يدخلك الدين ويخرجك منه وهم وحدهم «حماة» الدين ومن سواهم – حتى من بني جلدتهم – ليسوا سوى «دخلاء» على الدين أو «عملاء» يريدون إسقاط البيت على أهله. تلك هي الإقصائية، في أبشع صورها، رسخها في عقول بعض شبابنا خطاب ديني تقليدي لا يقوى على الاختلاف أو الجدل!

هذا الخطاب أسس لمفهوم غريب لكنه متداول كثيراً في محيطنا، خطاب يخلط بين نقد «خطاب الوعظ» ونقد الدين.

فكيف يصبح نقد «رجال الدين» نقد للدين؟

وكيف يفهم البعض أن الاختلاف مع «مفتي» – لم نشكك في زهده وورعة – هو محاربة للدين؟

ومن أضفى هذه القداسة على الفرد حتى لو كان مشهوداً له بالورع والتقوى والزهد؟

وإذا كان الدين قد حرر الإنسان من تقديس الأوثان فكيف نقبل بتقديس الأفراد؟

في كثير من مجالسنا اليوم، يدخل شباب متدين شديد الحماسة لـ «الدعوة»، يحدث الناس في شئون دينهم كما لو أنه يدعوهم لدخول دين جديد!

تقول له: «قال الله وقال رسوله» فيقول لك «قال فلان وقال ابن فلان». تحدثه عن رؤية النبي الكريم المتسامحة والمنفتحة على الآخر من قبل 1400 سنة فيرد عليك بما قاله الواعظ فلان والمفتي ابن فلان قبل 20 سنة!

وكلما زاد إصرارك على السؤال وكثر إلحاحك على سماع آراء علماء آخرين من خارج حدودنا الضيقة كلما زاد تصنيفك في دوائر «الأعداء» من المغضوب عليهم والظالين!

ما الفرق إذاً بين تقديس الأوثان وتقديس الأفراد؟

وهؤلاء الذين يلعنون «الغرب الكافر»، ومن يواليه، ليل نهار، هم أنفسهم من يستخدم - بحيوية - أحدث منتجاته لتكفير من يكشف عن «عبدة الأفراد» ولتصنيف الناس وإقصاء الرأي الآخر وتكفير المخالف وتشويه الدين.

إذاً كما نجح الدين العظيم في تحرير الإنسان من عبادة الأوثان فلابد أن يأتي - قريباً - اليوم الذي يتحرر فيه الناس من تقديس الأفراد والأفكار باسم الدين... وما ذلك على الله ببعيد.

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 2875 - الثلثاء 20 يوليو 2010م الموافق 07 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 22 | 1:05 م

      بمعنى الكلمة

      رحم الله والديك كاتب محترم

    • زائر 21 | 12:25 م

      يله تعال فجج احنه الشعوب الضحيه رصيدنه حده باجله

      بعد ابا عبد الله صرنا مردويسه الكل يلعب فينه ** والمناكر والخذلان في زياده والحق منبطه عينه **
      كان علم الاسلام واحد و بكلمة قائده الواحد ** لين قال حرب او سلم الكل من أمة الاسلام طايعينه .
      اليوم صرنه في يد الاجانب والكفار خوش لعبه **
      على كل شي امريكا وبنتها اسرائيل متلاعبه **
      والعرب منشقين في اختلافات وناسين مصالحهم ** خوفي انا من الزمن يخليهم في ظروف زود صعبه .

    • زائر 19 | 6:34 ص

      نعم ؟؟

      الكثير من العرب لم يدخلوا الدين الاسلامي المحمدي الاصيل.
      -
      بل انتقلوا من الوثنية الاولى الى الوثنية الثانية.
      وهذ المرة بقيادة ما يسمى بالمؤسسات الدينية والتي أسست لهذا الغرض.
      -
      النتيجة هي شباب ملوث الفكر.
      -
      لذلك ليس غريبا أن يكون العرب هم أكبر المسيئي للدين الاسلامي الحنيف ونبيننا محمد (ص).
      -
      هل يعقل أن تمثل الدول العربية الاسلام وفيها من المناكر ما يذهل العقول.

    • زائر 18 | 6:21 ص

      دعاء

      لقد ابتلانا الله بهذه الفئة التي كما ابتلانا من قبل بالخوارج
      اللهم ارحنا منها كما ارحتنا من الخوارج فانك قادر على ما تشاء

    • زائر 17 | 5:27 ص

      مضبوط حجيك

      مضبوط حجيك يا دكتور سليمان ولا ألف مره لكن وين العقول إلي تستوعب هذا الكلام العقلاني مع الأسف هذي النوعية موجوده في كل المذاهب الأسلامية ولها من يروجها و يتفاعل معها .

    • Ebrahim Ganusan | 4:46 ص

      الا تعود على الجلوس في في ظلمة الكهوف مايحب نور الشمس

      جماعة تعيش في الخرافات وجماعة تصدر البدع والترهات وجماعة تفخخ المسلمين بالمفخخات وجماعة تظلم الناس وبعدين تقول صلوات ,,,, الأسلام مخطوف تحت جبب البعض ولايستطيع المرور من تحت الثوب القصير والعمامة المغبرة,,,, وهكذا حال المسلمين مخطوف الى حيث الخرافة والتسطيح والتقديس الاعمى ,,,, الأستقلالية في التفكير والثقافة البعيده عن مكابس الوصايا البطرياكية محاكمة كل ما يقرا وأخضاعة للتأمل والتفكر والتجريد من اي اعتبارات شخصية هي الحل للوصل لشاطىء الاسلام الوسطي المتسامح والصافي , أضاءة جميلة من الكاتب

    • زائر 15 | 4:40 ص

      الى زائر 9

      انت تمثل تماما الفئه التي انتقدها الكاتب, الفئه المتعصبة لما يؤمن هو به والذي يعتبر اي احد له راي اخر غير رايه كافر
      الرجاء استخدام نعمة العقل التي اعطاك الله اياها بدلا من هذا التعنت والتعصب والتخلف
      الله يكفي الامة الاسلاميه شر امثالك

    • زائر 14 | 4:26 ص

      نكتة عراقية أيام الحرب مع ايران :)

      من أن كلبا إيرانيا أراد أن يعبر الحدود الإيرانية مهاجرا إلى العراق، فالتقى كلبا عراقيا يريد أن يعبر الحدود إلى إيران أيضاً ، فالتقيا
      - الكلب العراقي: لماذا تريد الهجرة من إيران؟.
      - الكلب الإيراني: لأني لا أشبع، ثم أن الملالي يمنعوننا من التجوال ,و يقال: أن عندكم ماءأ كثيرا ونخلا مثمرا، ، سأله الكلب الإيراني، لماذا تريد الهجرة من العراق؟
      - الكلب العراقي : كل شيء موجود في العراق،الماء والتمر والولائم، ولكني لا أستطيع أن... أنبـــــــــح !!؟؟؟؟
      " f " الريــــاض

    • زائر 13 | 4:08 ص

      الى الزائر رقم 9

      السلام عليكم، الدين ليس مختطف من أحد كما تدعي وإن كنت صادقاً فعليك أن تقدم الدليل الصحيح وأقول الدليل الصحيح

    • زائر 12 | 3:57 ص

      Abu Zinab

      The people want shakh say like this not shake want ...if the shake talking not in them priane the shakh come not good.

    • زائر 11 | 3:55 ص

      الأسلام السياسي مصنع لتصدير التكفير والتقديس والتشدد

      أرضاع الكبير وتكفير بقية المسلمين
      الشيخ محمد مصباح اليزدي يقول من لايعتقد بولاية الفقيه كافر
      وأحمدي نجاد يقول في ايران بس حزب ولاية الفقيه يعني مانعترف بأي فقيه مو مع ولاية الفقيه

    • زائر 10 | 3:52 ص

      مقال رائع في الصميم

      ولد المحرق و14 نور المقال فيه دروس ليكم تتعلمون منها أدب الحوار وترك الاصنان البشرية

    • زائر 9 | 3:46 ص

      إلى زائر رقم 5

      و أنتم كذلك الدين لديكم مختطف من قبل الفرس المجوس و فتوى تفخيذ الرضيعه موجده في كتبه عليه من الله ما يستحق (أتمنى من الرقابه نشر هذا الرد لأن إذا كانت تؤمن بحريه الرأي و لكني بصراحه لا أتوقع هذا الشيء)

    • زائر 8 | 3:35 ص

      إنه عصر الجاهلية الثانية ؟؟

      كان الناس قبل الاسلام تعيش ظلمات الجاهلية "البريئة".
      --
      فجاء الدين ليخرهم من الظلامات الى النور.
      --
      فأسسوا في عهد النبي والصحابة دورلة إسلامية عادلة وقوية.
      --
      الآن المسلمون يعيشون الجاهلية الثانية، لكنها غير "بريئة".
      --
      أبطالها، دويلات ظالمة ومستبدة، تستغل الدين لتشريع ظلمها وسلبها وإهانتها للانسان.
      --
      ورجال الدين هم جزءا من هذا الظلم.
      --
      لذلك يفتون في أمور تافهة ويتجاهلون، قصدا، الامور المهمة.
      --
      وبعض الشباب يتبعهم بعماء.

    • زائر 7 | 2:46 ص

      ايكفرون معظم الأمة اشلون ما بيكفرون كاتب

      هؤلاء يكفرون معظم الأمة ، الشيعة كفره ، الزيدية كفرة ، الأباضية كفره ، القرضاوي كافر ، من بقى ، وعندهم تقديس أعمى لما يعتقدون والمشكلة إنهم يعيبون على الشيعة تقديس مراجعهم وعمليا هم يقدسون فتاواهم وبعض الصحابة أكثر مما يفعل غيرهم

    • زائر 6 | 1:45 ص

      كلامك يا اخي منطقي

      والكلام المنطقي تقف الى صاحبه وتحترمه في افكاره , اكيد احين انت بالنسبه لهم شيطان اكبر !!!

    • زائر 5 | 1:42 ص

      تحياتي للكاتب

      يااخي الدين الاسلامي وخصوصا لديكم في السعودية مختطف من قبل التيار السلفي فتوى ارضاع الكبير موجود في الكتب وهو مكذوب على الرسول

    • زائر 4 | 1:28 ص

      صح لسانك

      مقالاتك في قمة الروعة فدع قافلتك تسير ونحن معك ....تنبح. كثر الله من أمثالك.

    • زائر 3 | 1:14 ص

      كلام مضبوط 100%

      كلام مضبوط 100%

    • زائر 2 | 12:50 ص

      علينا تقديرهم و احترامهم لا تقديسهم .. كلام في قمة الروعة

      مشكلتنا الأزلية يا دكتور إن (رجال الدين) يعتبرون انفسهم اوصياء على الدين و تعاليمه و نشره .. لذلك هم في مابينهم من يساعدون بتشر ثقافة التقديس خوفآ على مراكزهم الدينية و الأجتماعية. فالويل لمن ينتقد المشايخ فأنهم مقدسون .. و كلامهم صواب لا يحتمل الخطأ.!!

    • زائر 1 | 11:29 م

      صدقت اخي الكاتب المحترم ..

      لقد اصبح الغرب ينظر الينا علي اننا اضحوكه العالم ويتوازعون في ما بينهم بالنكات علينا ليل نهار لتسليه انفسهم ليس الأ ... هذا كله من سياسه الأفتاء وما تخرج منه من اشكالات وفتاوي وبدع مضحكه ومخجله .. ولعل هجومهم عليك ليس الأ من باب الحقد لأنك كشفتهم للعالم ووقفت ضدهم في ما لا يرضون وكلامهم مقدس حسب ضنهم وهم لا يعلمون مدي ضحك العالم عليهم .. سلمت يداك ....

اقرأ ايضاً