العدد 848 - الجمعة 31 ديسمبر 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1425هـ

التنجيم السياسي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

نجح المنجمون في اكتساب العقول والقلوب نظرا إلى حاجة الإنسان إلى نوع من التفكير في تاريخ المستقبل.

التنجيم كما يبدو حاجة نفسية تعتمد على لعبة التكذيب والتصديق في آن. وتحول مع الأيام إلى مهنة تجيد اللعب على تناقضات الإنسان الداخلية وشخصياته التي تتضارب بين عقل يكذب وغريزة تميل إلى التصديق.

تحول التنجيم إلى نوع من التسلية وتطورت مدارسه وتقدمت مع تقدم العلوم والمعرفة. سابقا كان الاعتقاد أن التنجيم سيتراجع مع تقدم التقنيات العلمية وسيتحول مع التطور إلى نوع من التخريف الذي لا يقبله عقل الإنسان المعاصر. إلا أن هذا الاعتقاد ثبت بالملموس فشله إذ ازدادت فعالية المنجمين مع تقدم التطور التقني.

المنجمون هذه الأيام يستخدمون العلم لقراءة المستقبل. فالكمبيوتر هو وسيلة الاكتشاف لا النار مثلا. والكواكب تقرر مسار البشر والحجر على الأرض. وحركات الكواكب ترصدها الأقمار الاصطناعية التي تدور مع دوران الأرض.

تحول التنجيم إلى نوع من العلم ونجح في استخدام التقنيات المعاصرة لتجديد مهنة قديمة اعتقد سابقا أنها ستسقط مع تطور الإنسان. وهذا لم يحصل.

نصدق المنجمين أو نكذبهم. ليس هذا هو السؤال. فالمسألة تجاوزت حدود الخرافة بل تحولت هي إلى نوع من الخرافة المعاصرة التي تعتمد تقنيات متطورة بدلا من "التعويذات" التي اعتمدت قديما من السحرة.

المنجمون اليوم ليسوا سحرة ولا يدعون المعرفة. هم مجرد وسيلة نقل تعتمد العلوم والتقنيات لدراسة حركة الكواكب والنجوم وثم قراءة رموزها "شيفراتها" ومحاولة التعرف على دلالاتها وتأثيراتها على حركة الأرض وتاريخ البشر.

أعطى التطور العلمي وسائل جديدة للتنجيم. فلم يعد المنجم يقتصر دوره على قراءة الكف والفنجان ومعرفة حظ الفرد بل أخذ يوسع دائرة توقعاته. فمع العولمة تعولم التنجيم وتحول من صلة خاصة بين المنجم والفرد إلى علاقة عامة بين المنجم والعالم. فالتنجيم تحول إلى قراءة عالمية لحركة الكون والإنسان. فهذا على الأقل بدأ يدعيه الكثير من المنجمين الذين يطلقون على أنفسهم صفات جديدة ويصنفون قراءاتهم في دائرة علمية مثل علم الفلك.

علماء الفلك هؤلاء ازدادوا كثيرا في العالم في العقود الأخيرة واحتلوا مواقعهم المميزة في محطات التلفزة والفضائيات ودور النشر. وأخذت كتبهم تحتل المرتبة الأولى في المبيعات كما حصل حديثا في معرض بيروت للكتاب.

كتب التنجيم كانت الأكثر مبيعا من كل الأصناف والأنواع وذلك لسبب بسيط وهو أنها أخذت تتحدث عن السياسة وتاريخ البشر والكوارث في السنة المقبلة انطلاقا من علم الفلك. فالعلم تحول الآن إلى سلاح فلكي يستخدمه المنجمون لقراءة المستقبل. وبسبب توافر التقنيات والحاسوب الآلي "الكمبيوتر" بدأ المنجمون يحددون بدقة تواريخ حوادث الأيام المقبلة. فالتنجيم تحول من العام إلى الخاص وأخذ يسجل الساعات والأيام التي ستقع فيها هذه الكارثة أو تلك.

آخر تقليعات التنجيم السياسي أو الطبيعي أن المنجمين والمنجمات في لبنان يظهرون في الفضائيات ويحددون تواريخ الكوارث المقبلة. مثلا احداهن قالت إن كارثة طبيعية شبيهة بزلزال سومطرة ستقع في 3 يناير/ كانون الثاني أي بعد غد. وقالت أيضا إن منطقة الشرق الأوسط "الكبير كما يبدو" ستشهد سلسلة مواجهات عسكرية وإسقاط طائرات وضرب سفن وناقلات وتحطيم بنى تحتية "كررتها أكثر من مرة وموضع" وتدمير وحرق في فبراير/ شباط ومارس/ آذار. وحددت بالاسم موسكو وطهران وإندونيسيا وكاليفورنيا والمكسيك وفنزويلا والمغرب والصومال بأنها البلدان المرشحة للكثير من الاضطرابات والاغتيالات والانقلابات والهزات الأرضية المدمرة. وذكر غيرها أيضا أن بابا الفاتيكان سيموت ومحمود عباس "أبومازن" سيغتال، وأيضا جورج بوش... وغيرها من كوارث ومصائب وهزات وزلازل وسقوط طائرات وغرق سفن واغتيال شخصيات عالمية فنية وسياسية وغيرها من غزوات واحتلالات أرضية وغارات جوية تدمر النبى التحتية.

إنه علم إذا دخل العولمة من باب السياسة. فالحيل والألاعيب القديمة تعولمت وتحولت مع التقدم العلمي إلى تاريخ يقرأ المستقبل ويذاع على الناس في نهاية كل سنة أو في مطلع السنة. وحتى نتأكد لابد من الانتظار، والصحيح يبدأ من عنوانه. فأول كارثة في العام الجديد ستقع في 3 يناير أي بعد يومين... فلننتظر. ولا حول ولا قوة إلا بالله

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 848 - الجمعة 31 ديسمبر 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً