العدد 855 - الجمعة 07 يناير 2005م الموافق 26 ذي القعدة 1425هـ

التعامل الواقعي مع الملف العراقي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتهى اجتماع "دول جوار العراق" في العاصمة الأردنية إلى صيغ توافقية. فالصيغ في مجموعها عاقلة فهي حاولت التعامل مع تداعيات الأزمة الناجمة عن الاحتلال بواقعية سياسية ترى الحوادث كما هي لا كما تريدها الأطراف المعنية.

اجتماع دول الجوار اعترف مبدئيا بالفيدرالية كصيغة معقولة للاحتفاظ بوحدة العراق، وجدد التزامه بالانتخابات المقررة في نهاية الشهر الجاري وحث مختلف الأطياف على المشاركة بها لانتفاء وجود مخارج سياسية بديلة عنها. فالاجتماع عموما ثبت في "بيانه الختامي" مجموعة صيغ كررتها سابقا الدول المعنية في تصريحات ومواقف معلنة، وهو بهذا أكد أن المخرج الواقعي "العقلاني" هو الاعتراف بما انتهى إليه القرار الذي صدر عن مجلس الأمن في يونيو/ حزيران .2004 فالقرار 1546 ألغى مبدئيا صفة الاحتلال عن القوات الأميركية واطلق على الجيوش المحتلة تسمية "القوات المتعددة الجنسية". ولكنه مقابل هذا الاعتراف الضمني بالحرب ونتائجها وضع سلسلة مواقيت تمهد للانسحاب بشرط أن يتم ترتيب البيت الداخلي وانتخاب الشعب العراقي مجلسه الوطني والاتفاق على صيغة موحدة للدستور الجديد.

هذه المواقيت تعتبر الزامية لقوات الاحتلال وهي اضطرت لها آنذاك لأن "البيت الأبيض" كان يستعد لحملة الانتخابات الرئاسية وكان الرئيس المرشح يتخوف من سقوطه. ونتيجة تلك المخاوف سارع جورج بوش إلى اتخاذ سلسلة ترتيبات لتطويق مختلف الاحتمالات ومنها ابداء الاستعداد للانسحاب بغطاء دولي يخفف عنه الانتقادات التي تضعف قدرته على الاستمرار في المنافسة.

أسهمت ظروف الانتخابات في تشكيل قوة ضغط على الرئيس "المرشح آنذاك" فاضطر إلى تقديم مجموعة تنازلات ليضمن فوزه. كذلك قام بسلسلة ترتيبات ليضمن مستقبل حزبه في حال سقط. ومن ضمن تلك الخطوات الشكلية كانت موافقته على القرار الذي صدر عن مجلس الأمن.

وتحت سقف القرار الدولي لجأ بوش "المرشح" إلى اتخاذ تدابير عسكرية قضت بتجميع قواته في قواعد ومراكز وبعيدا عن الشارع وضربات المقاومة حتى يخفف من الخسائر اليومية. كذلك لجأ إلى سياسة تجميع الأوراق من خلال التعاون مع الدول الكبرى في مجلس الأمن ونجح في إصدار قرار دولي يتعلق باقليم دارفور في السودان، والحقه بقرار آخر يتعلق بالشأن اللبناني. وحتى يضمن توجهاته من كل النواحي أوعز بإعطاء حليفه ارييل شارون أحدث الأسلحة والقذائف والصواريخ المتقدمة لضمان أمن "إسرائيل" في حال سقط في الانتخابات واضطرت أميركا إلى سحب جيشها من العراق.

كل هذه الخطوات أقدم عليها بوش قبل الانتخابات الرئاسية تحسبا لاحتمال سقوطه. ولكنه لم يسقط ونجح بفارق نسبي اعطاه التغطية لأفعاله المشينة وما يشبه ورقة تفويض للاستمرار بما بدأه في ولايته الأولى.

بعد فوزه عاد بوش إلى سيرته السابقة فاقتحمت قواته الفلوجة وارتكبت مجزرة ضد المدنيين. وأقدم على استبدال "المعتدلين" في طاقمه وزاد من نسبة المتطرفين، واتجه نحو التصعيد في محاولة منه للتملص من التزاماته الدولية السابقة وتحديدا تلك الوعود التي اضطر لها بشأن ترتيب البيت العراقي واحتمال الانسحاب.

معنى هذا الكلام أن من مصلحة بوش الآن انهيار الوضع الأمني وتقاتل الأطياف الأهلية واختراع الذرائع للتملص من كل الالتزامات والوعود السابقة حتى يستمر من دون قيود دولية في مشروعه الهجومي "التقويضي". ولاشك أن انتخابات نهاية يناير/ كانون الثاني الجاري واحدة من المحطات التي يتمنى قطار بوش العسكري عدم المرور بها أو تجاوزها... تاركا الاضطرابات السياسية في مهب الرياح الأمنية.

اجتماع "دول الجوار" في عمان جدد ثقته بالقرار الدولي معتبرا اياه محطة معقولة للخروج من المأزق وخطوة واقعية لابد من التعامل معها بتواضع ومن دون أوهام. فالانتخابات وسيلة وليست هدفا وهي الإطار الذي يمكن الاستفادة منه لتشكيل قوة ضغط عراقية بشرط ان تتوافق كل الأطياف على ضرورتها وأهميتها المرحلية. لذلك تخوفت "دول الجوار" من تأجيلها لأنها إذا فعلت واشنطن ذلك مرة فإنها ستستفيد من المسألة وتتملص من القرار الدولي وستعيد الكرة مرات مستخدمة الذرائع نفسها.

التوافق الذي توصلت إليه "دول الجوار"، اتسم بالعقلانية في التعامل مع تداعيات الحرب على العراق... إلا أن فائدته ستبقى محدودة إذا لم تسارع الأطياف الأهلية وتتفق على صيغ موضوعية تضمن وحدة العراق وتحفظ مستقبله من الضياع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 855 - الجمعة 07 يناير 2005م الموافق 26 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً