العدد 856 - السبت 08 يناير 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1425هـ

"كونغراكل" في دائرة الخطر...!

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

الزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الاميركي ارميتاج، كانت عراقية بامتياز، وكان هذا واضحا من خلال مؤتمراته الصحافية ومباحثاته مع الدول التي قام بزيارتها، إلا أن اللافت في هذه الزيارة أيضا هو تغيير في الخطاب الاميركي تجاه تركيا، ولعل ذلك ما نجده في دعوته الى عقد مؤتمر بين العراق وتركيا واميركا بشأن وجود عناصر حزب العمل الكردستاني في كردستان. وبدا أن أرميتاج حريص على ان يطوي ملف حزب العمال الكردستاني مع تركيا على خلاف ما يريد الاكراد بل كما يريد الاتراك. وواشنطن تعرف ان المسائل لا تحل هكذا، وخصوصا مسألة معقدة مثل المسألة الكردية، فهي المشكلة المزمنة في تركيا، التي حركتها وأثارتها عشرات الثورات والانتفاضات، كان آخرها ثورة حزب العمال الكردستاني في العام 1984 منذ سقوط الدولة العثمانية، هذا إن لم نقل بوجود الحركة السياسية الكردية المعارضة حتى في ظل الدولة العثمانية.

ومن المقرر أن يعقد المؤتمر أواسط الشهر الجاري، لكن ما يثير الاستغرلب أنه سيعقد من دون إرسال دعوة لحزب العمال الكردستاني، وهو الطرف الرئيسي في المسألة، بل لم يبلغ الأكراد حتى الاكراد الحلفاء و"المسالمين" بحسب الرؤية الاميركية. فمن المنطقي أن يتم توجيه الدعوة الى الحزب والتباحث بخصوص القضايا المعقدة معه، لأنه الوحيد المخول بتقرير مصيره وتحديد مستقبله. وكان من المفترض أن يدعو ارميتاج تركيا إلى الكف عن تدخلها في شئون العراق الداخلية، أو أن يدعو الأطراف الى عقد مؤتمر لبحث قضية التدخلات في الشئون الداخلية هذه، لأهمية هذا الأمر. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف تطلب تركيا من العراق طرد حزب العمال الكردستاني من العراق أو تستأصله من الجذور، بينما هي تدعم علنا ومن دون تردد "الجبهة التركمانية" وتدعمها على كل الاصعدة؟

من دون شك أن واشنطن تعرف أين يستقر حزب العمال الكردستاني، ومن المعروف أن لقاءات حصلت بين الطرفين مع دخول الاميركان إلى العراق، إذ التقى مسئولون كبار عددا من القياديين العسكريين لهذا الحزب، وربما ساهم هذا اللقاء، بشكل مباشر أو غير مباشر، في شق الحزب المذكور، وبرز على السطح الآن الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة اوصمان اوجلان، إذ طلب هذا من السلطات التركية، السماح له بالنشاط السلمي الديمقراطي، وهذا ما يعرفه الاتراك بوضوح لأنه سبق أن أجرت اكثر من وسيلة اعلامية تركية لقاءات مع اوصمان اوجلان، والحزب الام المعروف باسم "كونغراكل". هذا الحزب أيضا يمتلك مشروعا سلميا منذ اكثر من ستة أعوام، بالمقابل تفتقر تركيا حتى الآن إلى أي مشروع أو حتى خطة لحل المسألة الكردية، إلا أن هذا الحزب يأخذ في الاعتبار أيضا الكفاح المسلح كإحدى وسائل الدفاع.

وفي الحقيقة فإن دعوة ارميتاج أثارت الكثير من الاستغراب، ولعل مرد ذلك يعود الى أن حزب العمال الكردستاني التجأ إلى العراق بناء على بادرة حسن النية في إطار مشروعه السلمي وإعلان الهدنة من طرف واحد. بمعنى آخر فإن سبب وجود عناصر حزب العمال الكردستاني هو رغبة الحزب بترك جبهة القتال تمهيدا لإلقاء السلاح وانتظار إصدار عفو شامل من جانب الحكومة التركية، وتحول الحزب ومؤسساته الى مؤسسات سياسية وديمقراطية سلمية ومدنية تكافح من أجل شعبه من خلال آلية الانتخابات والحراك السياسي البحت.

من دون شك، لقد بدا أن تركيا وواشنطن غير مستوعبتين حتى هذه اللحظة دلالات الخطاب الجديد للحزب المذكور. قد لا يختلف أحد في أن زيارة ارميتاج لتركيا هي زيارة تصالح، وهذا من حقه، لكن ما لا تدركه الاطراف أن إلغاء وجود عناصر حزب العمال بحاجة الى أجندة وأولويات، في مقدمتها إصدار عفو شامل من جانب تركيا، وتحديد موعد لاجراء المفاوضات لأجل حل المسألة الكردية، وتدشين التنمية في المناطق الكردية... إلخ

ولا نستغرب أن الولايات المتحدة ولأجل وجودها في المنطقة، بحاجة الى تركيا، ونكون من السذاجة ألا نعرف سبب الاهتمام الاميركي بتركيا، إذ عقد ارميتاج عدة لقاءات مع المسئولين الاتراك، ولعل لقاءه رئيس البرلمان التركي بولنت اريج هو محاولة منه لفتح صفحة لاستعادة العلاقة بين انقرة وواشنطن الى وضعها السابق، والتي تضررت نتيجة رفض البرلمان التركي نشر القوات الاميركية في تركيا قبيل الحرب على العراق، وكذلك لقاؤه رئيس الاركان حلمي اوزكوك، وهو أيضا محاولة منه لرأب الصدع بين واشنطن والعسكر التركي بعد أن تفاقمت الامور بين الطرفين، عندما نقلت القوات الاميركية 11 فردا من المخابرات التركية في السليمانية وألبستهم أكياس النايلون في الرابع من يوليو/ تموز 2003 والذي اعتبره العسكر في ذلك الوقت إهانة كبرى من واشنطن للجيش التركي.

في الحقيقة ان هذه الاتفاقات ليست جديدة على الحزب المذكور، فقد سبق أن وقع اتفاق امني بين النظام السابق والحكومة التركية لملاحقة عناصر أكراد تركيا في عمق الداخل العراقي بمسافة 25 كم. ومما لاشك فيه أن المؤتمر المقبل سيضع "كونغراكل" على المحك ويجعله في مأزق لوجستي، وخصوصا أن تركيا وقعت اكثر من اتفاق امني مع الدول الاقليمية "دمشق وطهران". والخوف أن يتعامل حزب العمال مع هذا الوضع بالطريقة القديمة المتخلفة، فيما يحتاج الحزب إلى خلق آلية جديدة للبقاء

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 856 - السبت 08 يناير 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً