العدد 860 - الأربعاء 12 يناير 2005م الموافق 01 ذي الحجة 1425هـ

إصلاح الماضي وإصلاح الحاضر

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لعل الزعيم السياسي الكبير نيلسون مانديلا أفضل من طبق مقولة الإمام علي "ع": "لا سؤدد مع انتقام".

فالسؤدد من "السيادة"، والإمام علي يشير إلى أن أية فئة أو أي شخص يسعى إلى سيادة نفوذه أو فكره فإن عليه ألا ينطلق من مبدأ الانتقام من الآخر.

مانديلا رزح في السجن قرابة ثلاثة عقود نال خلالها صنوف الأذى والعذاب، ولكنه خرج من السجن ليحكم بلاده من دون أن ينتقم من الفئة التي تسببت في إيذائه وإيذاء شعبه. وبدلا من الانتقام، شجع مانديلا على تأسيس "هيئة الحقيقة والمصالحة"، وهي جهة تكونت من شخصيات مستقلة ولها اعتبارها وقامت بالاستماع إلى شهادات الذين نكلوا بالناس وشهادات الضحايا، وبعد أن يعتذر المذنب يصفح عنه. ومن خلال هذه الهيئة تمكنت جنوب إفريقيا من الخروج من عهد ظالم اعتمد مبادئ العنصرية البشعة من دون حمامات دم.

بعد ذلك، قامت عدة بلدان باتباع الخطوات نفسها، ووصلت الموجة أخيرا إلى المغرب الذي انتهج أسلوبا قريبا من أسلوب مانديلا بهدف طي صفحة الماضي وإجراء المصالحة النفسية بين أطراف الوطن الواحد.

إننا نأمل أن نتمكن في البحرين من تأسيس هيئة للحقيقة والمصالحة ضمن ظروفنا وبحسب توقيت مستقبلي يناسبنا لكي نطوي وإلى الأبد صفحة من صفحات الماضي.

فمن دون شك أن المشروع الإصلاحي الذي دشنه جلالة الملك نقل بلادنا نقلة نوعية، وعلى رغم كل المشكلات التي مرت خلال السنوات الثلاث الماضية، فإن البحريني يشعر بكرامته في بلاده، بصورة لم يشعر بها من قبل، وعلى هذا الأساس فإن قوى المجتمع وقفت مع الإصلاح وعملت من أجل مستقبل أفضل.

وأعتقد أننا بحاجة إلى اصلاح آخر في بلادنا أيضا. فنظرا إلى صغر حجم مساحة ما لدينا من أراض وقلة الثروات الطبيعية التي بدأت تنضب، فاننا بحاجة الى إصلاح "استملاك الأراضي" وهو أمر قامت به حكومات عدة عبر التاريخ "ولازالت سياسية يتم تنفيذها في بلدان تسعى للاصلاح" لإعادة التوازن. والاصلاح يتطلب بالضرورة عودة اراضي "استملكت مجانا" الى الدولة من دون دفع اية تعويضات.

لقد رجعت توا من أبوظبي بعد أن حضرت مؤتمر "الإعلام العربي في عصر المعلومات" الذي جمع نخبة من العقول العربية بين 9 و11 يناير/ كانون الثاني الجاري. وأثناء الحوار مع أحد الإعلاميين سألني "أنتم في البحرين لديكم أكثر من 30 جزيرة، فكيف تتمكنون من توزيع صحيفتكم؟ وما هي وسائل النقل التي تستخدمونها بين الجزر؟". وفي الحقيقة لم اتمالك نفسي من الضحك لأن السائل كان جادا ويسأل سؤالا فنيا ولم يتوقع أن أسخر من سؤاله. ولكنه فهم بعد ذلك سبب ضحكي عندما قلت له: "البحرينيون مسموح لهم الوصول إلى اربعة جزر فقط مرتبطة بجسور، وأن أكثرية الشعب يعيشون في جزء يسير، ربما 20 في المئة من الأراضي... أما البقية فنقرأ عنها في الكتب ونسمع عن وجودها ولكنها مناطق محرمة علينا".

إنني لست من الماركسيين الذين يرون حتمية الصراع بين من يملكون ومن لا يملكون، ولكني من المؤمنين بضرورة إصلاح الأمور في مختلف الجوانب، بحيث يكون الوطن للجميع وأن توزع الثروة بصورة أكثر عدالة... وفي ذلك "سؤدد" للعدالة مع هناء لمن لديه الخير، وكرامة لمن لديه فرصة للحصول على الخير مع الجد والاجتهاد

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 860 - الأربعاء 12 يناير 2005م الموافق 01 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً