العدد 860 - الأربعاء 12 يناير 2005م الموافق 01 ذي الحجة 1425هـ

إشارات... للتشويش

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من جديد تعود الولايات المتحدة إلى المناورة في سياستها العراقية. فهي ترسل إشارات يومية متعارضة تتعلق بموضوع موعد الانتخابات أو بشأن انسحابها/ احتلالها للعراق.

ظاهريا تعلن واشنطن أنها متمسكة بموعد الانتخابات، ولكنها لا تتردد في الإيعاز لأصحابها من مستفيدين أو متعاملين معها للمطالبة بتأجيل الموعد حتى تستقر الأوضاع الأمنية وتسوى مدن بلاد الرافدين وقصباتها بالأرض "التهديد باجتياح الموصل مثلا". وظاهريا تدعي المسكنة وبأن مشروعها "الديمقراطي" في العراق على قاب قوسين من الانهيار وبأنها "تدرس" احتمال الانسحاب وترك البلاد مشرعة على ما لا نهاية من الاضطرابات الأهلية.

هذه الإشارات المتضاربة تتطلب قراءة لمعانيها. وحتى يقف الكلام على أرض صلبة لابد من إعادة طرح السؤال الممل: ماذا جاءت تفعل أميركا في العراق؟

الاتفاق على جواب يسهل الكثير من الأمور ويساعد المتابع على فرز الألوان وتحديد الصحيح من الخطأ والكذب من الصواب.

"ماذا جاءت تفعل" له صلة مباشرة بمشروع الولايات المتحدة الحقيقي في العراق ودول الجوار. هل جاءت من أجل "الديمقراطية" أم من أجل "الهلال الشيعي" أم من أجل تأمين مصالحها الاستراتيجية؟ المصالح الاستراتيجية حددتها واشنطن بنقاط ثلاث: أمن النفط، وأمن "إسرائيل"، وتغيير خريطة "الشرق الأوسط" لتتناسب سياسيا مع "النظام الدولي الجديد".

الاتفاق على جواب يساعد على توضيح الرؤية وعدم الضياع في تفصيلات يومية تتعمد واشنطن إرسال إشاراتها المتعارضة حتى تربك الدول العربية وتثير العصبيات الأهلية في العراق وتدفع القوى السياسية إلى الاقتتال الداخلي.

الوضوح في الرؤية يسعف المتابع على قراءة دقيقة للاستراتيجية الأميركية المعلنة أو الخفية وبالتالي يتوصل إلى التمييز بين الصدق والكذب. أميركا تورطت في مسألة الانتخابات وهي لا تريدها إذا كانت نتائجها لا تتوافق مع مصالح الفئات المستفيدة أو المتعاملة معها. فأميركا تدفع يوميا أكثر من 200 مليون دولار لتغطية نفقات الاحتلال "6 مليارات شهريا" وأكثر من 100 قتيل وألف جريح شهريا، وهي كادت أن تضحي بصدقيتها الدولية وعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ليس من أجل "الديمقراطية" أو "الهلال الشيعي". المسألة أكبر وأعقد من هذا التبسيط المضحك.

كذلك أميركا لم تفعل ما فعلته لتأخذ الدولة من صدام حسين وتعطيها إلى جماعات سياسية لا تثق بها أو على الأقل تتخوف منها آنيا وفي المستقبل. فالولايات المتحدة أسقطت صدام حتى تنصب "صدامها" وقوضت دولة صدام لتقيم دولتها لا دولة يختارها الشعب العراقي وتكون على صورة الناس ومثالهم.

إدارة واشنطن ليست جمعية خيرية تعنى بحقوق الإنسان وتبحث عن لقمة العيش لتشبع بها الفقير. المسألة أكبر وأعقد من هذا التصور الساذج. وفي هذا المعنى يمكن التكهن بأن الولايات المتحدة لن تسحب جيشها في القريب العاجل، ومن يراهن على هذا الأمر فعليه مراجعة حساباته.

أميركا "تدرس" الانسحاب. والدراسة لا تحتمل أكثر من تفسير. فهي يمكن أن تنتهي بسنة أو سنتين أو ثلاث. فالدراسة شيء وأخذ قرار الانسحاب مسألة أخرى. حتى قرار الانسحاب يحتاج إلى دراسة وقراءة وربما تطلب الأمر أكثر من مراجعة، وهذا لا يتم في أسابيع وأشهر وإنما في سنوات وقبل موعد انتهاء الولاية الثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني .2008

أمامنا إذا أربع سنوات عجاف، يرجح أن تشهد خلالها المنطقة الكثير من الصعاب الصغيرة "وربما الكبيرة" أو على الأقل المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار حتى يتخلخل "النظام الإقليمي" العربي وغير العربي وترتاح "إسرائيل" وتنام باطمئنان وكذلك تطمئن أميركا وترتاح إلى تركيز وجودها العسكري بالقرب من حقول النفط وخطوط إمداد الطاقة.

يوميا ترسل الولايات المتحدة إشارات متضاربة بشأن سياستها المتعلقة حاليا بالانتخابات أو الانسحابات إلا أن مجمل تلك الإشارات تستهدف في النهاية تعطيل الرؤية وتشويش القدرة على اكتشاف أو تحديد الأهداف الحقيقية للاستراتيجية الأميركية في المنطقة. فالأهداف كثيرة إلا أن الأساسي منها ثلاثة: أمن النفط، وأمن "إسرائيل"، وخريطة سياسية جديدة للشرق الأوسط تتناسب مع مصالح واشنطن وطموحها إلى تثبيت زعامتها العالمية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 860 - الأربعاء 12 يناير 2005م الموافق 01 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً