جاء الاتفاق الأوروبي الأميركي ببدء مفاوضات لنزع فتيل الحرب التجارية المشتعلة بسبب الخلاف بشأن الدعم المقدم لعملاقي صناعة الطائرات في العالم "بوينج الأميركية وايرباص الأوروبية" ليعكس حرص الطرفين على إزالة جميع العقبات التي تعكر صفو العلاقات التجارية في ضوء الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الطرفين.
وتعكس المرونة التي أبدتها واشنطن تجاه عملية التفاوض لإنهاء الخلافات التجارية حرصها على إعادة بناء علاقتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي التي تضررت بشدة من جراء تجاهل الولايات المتحدة لقضايا الدولار الضعيف والعجز المتزايد في موازنتها.
ويرى محللون اقتصاديون أن اتفاق الطرفين يعني الاحجام عن تسوية النزاع التجاري بشأن الدعم المقدم لبوينج الأميركية التي تتخذ من شيكاغو مقرا لها وايرباص التي تتخذ من تولوز الفرنسية مقرا لها في أروقة منظمة التجارة العالمية. وأوضح المحلل الاقتصادي الأميركي روبرت مانور أن الخلاف بشأن الدعم هدد بتسميم التبادل التجاري بين الطرفين الذي يبلغ حجمه 400 مليار دولار، منوها أن زيارة الرئيس بوش المقبلة للكثير من الدول الاوروبية الشهر المقبل ستسهم في إزالة جانب كبير من الخلافات السياسية والتجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا .
وأشار المفوض التجاري الأميركي روبرت زوليك إلى ان الطرفين سيجمدان الدعم الممنوح لعملاقي صناعة الطائرات خلال فترة التفاوض، كما انهما سيحجمان عن مواصلة التقاضي من خلال منظمة التجارة العالمية.
وأعلنت "ايرباص" و"بوينج" أن الاحجام عن تلقي أموال حكومية خلال فترة التفاوض بين الطرفين لن تنعكس سلبا على أعمالهما ومشروعاتهما المستقبلية. وتتهم واشنطن دول الاتحاد الأوروبي بمنح "ايرباص" مساعدات مالية بلغ حجمها نحو 15 مليار دولار، وقررت إحالة النزاع إلى منظمة التجارة العالمية العام ،2004 وفي المقابل اتهم الجانب الأوروبي "بوينج" بالحصول على مساعدات مالية حكومية باجمإلى قيمة 23 مليار دولار . ويرى الاتحاد الأوروبي ان الدعم الذي حصلت عليه بوينج اتخذ شكل مساعدات للبحوث العسكرية وإعفاءات ضريبية.
وأشار المحلل الاقتصادي جان ميشيل بوليت إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيناقشان خلال الاشهر الثلاثة الأولى كيفية إلغاء جميع أشكال الدعم المقدم لـ "بوينج" و"ايرباص" وهو ما أدى إلى ارتياح في الشركتين. وتشدد واشنطن على ضرورة إلغاء اتفاق العام 1992 الذي ينص على الدعم المالي لشركات صناعة الطائرات لأن ايرباص أصبحت منافسا قويا لبوينج، بل تجاوزتها في الكثير من القطاعات في سوق الطائرات الدولية ولم تعد في حاجة إلى الدعم المالي.
وتوضح بوينج انها لم تستفد من اتفاق العام 1992 بينما حصلت ايرباص على دعم مباشر من الاتحاد الأوروبي بمقتضى ذلك الاتفاق الذي يضر بالمنافسة الحرة ويوفر ميزات تنافسية لعملاق صناعة الطائرات الأوروبية. إلا ان الجانب الأوروبي يرى ان بوينج تحصل على دعم مالي ومادي يقدر بمليارات الدولارات من واشنطن ويتخذ ذلك صورة عقود تتعلق بالجانب العسكري والفضاء ونفقات البحوث والتطوير وتخفيضات ضريبية.
وينص اتفاق العام 1992 الموقع بين الولايات المتحدة والجانب الأوروبي على حصول عملاقي صناعة الطائرات ايرباص وبوينج على ثلث تكاليف التطوير من الأموال العامة. وأقرضت الحكومات الأوروبية مليارات من اليورو لإيرباص لتطوير طائرتها من طراز "ايه 380".
وأوضح الناطق باسم بوينج ديك دلتمان ان الشركة تؤيد مساعي واشنطن لإنهاء "تشوهات" الدعم الذي يضر بالمنافسة الحرة في مجال صناعة الطائرات.
وأشار رئيس بوينج هارى ستونسيفر إلى ان القروض الحكومية لإيرباص بمقتضى قانون العام 1992 وفرت لها زخما قويا لزيادة نصيبها في سوق الطائرات التجارية، منوها ان ايرباص وقعت صفقات لبيع طائرات تجارية أكثر من بوينج العامي 2003 و.2004 وترى بوينج وواشنطن ان معدل الفائدة المتدني والقروض الميسرة التي تحصل عليها ايرباص مكنتها من انتاج طائرات تجارية بأدنى مستوى للمخاطرة لمنافسة بوينج في سوق الطائرات التجارية.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة بوينج هاري ستونسيفر ان ارتياحا عاما ساد في شركته بسبب الاتفاق الأميركي الأوروبي لبحث كيفية إلغاء الدعم وتحقيق التوازن في سوق الطائرات التجارية العالمية. ومن جانبه أشار المسئول التجاري في ايرباص جون ليهي إلى ان الحروب التجارية لا يمكن ان تخدم أي طرف يسعى إلى زيادة مبيعاته في السوق الدولية.
ويرى محللون اقتصاديون ان ايرباص ستعتبر الطرف الأكثر تضررا حال اتفاق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إلغاء الدعم الحكومي المقدم إلى عملاقي صناعة الطائرات.
وأوضح المحلل الاقتصادي روبرت فريدمان ان ايرباص انفقت أموالا طائلة لإنتاج طرازها الجديد "ايه 380 سوبر جامبو"، كما انها تحتاج إلى المزيد من الأموال لتطوير طائرتها من طراز "ايه 350" التي تنافس طائرة بوينج "سفن أي سفن". وأضاف ان الطائرة بوينج "سفن أي سفن" ستباع بسعر أرخص من طائرة ايرباص "ايه 350" في الأسواق الدولية حال إلغاء الدعم الحكومي الذي تحصل عليه الشركتان، مشيرا إلى ان بوينج سفن أي سفن ستحتكر سوق الطائرات المتوسطة الحجم في تلك الحالة.
وتخشى الولايات المتحدة أن تجهض خطط ايرباص لتسويق الطائرة "ايه 350" مساعي بوينج الرامية إلى تحقيق أرباح طائلة من وراء صناعة طائرتها الجديدة "سفن أي سفن" المقرر طرحها في الأسواق بحلول العام .2008 وستتنافس الطائرتان "ايه 350 وسفن أي سفن" على عقود في سوق الطائرات التجارية المتوسطة الحجم تصل قيمتها نحو 400 مليار دولار.
وتشير الاحصاءات إلى أن بوينج وقعت عقودا مع شركات دولية لبيع 52 طائرة من طراز "سفن أي سفن" من إجمالي 200 طائرة استهدفت الشركة بيعها العام .2004 وتسعى ايرباص إلى إبرام عقود لبيع 50 في المئة من إجمالي انتاجها من الطائرة الجديدة. ومن المتوقع أن يصل إجمالي الانتاج 3100 طائرة التي تتسع لنحو 250 - 300 مقعد.
ويرى رئيس ادارة التسويق في ايرباص جون ليهي ان الحملات التسويقية التي تركز على الطائرة الجديدة "ايه 350" ستسهم في دفع العملاء إلى شراء ذلك الطراز والتحول عن الطائرة "سفن أي سفن" التي تنتجها بوينج. ونجحت ايرباص في إزاحة بوينج - التي احتلت المرتبة الأولى في قائمة مصنعي الطائرات في العالم لسنوات طويلة - من قمة سوق الطائرات التجارية العام 2004 للعام الثاني على التوالي.
وتشير الاحصاءات إلى ان ايرباص تمكنت من بيع 320 طائرات العام ،2004 كما أنها أعلنت عزمها توريد ما بين 350 و 360 طائرة العام ،2005 زيادة 10 في المئة عن مبيعات العام الماضي. وتسعى ايرباص التي رحبت بالاتفاق الأميركي الأوروبي لتدشين مفاوضات بشأن الدعم الحكومي إلى الحصول على إعانة حكومية لإنتاج طائراتها "ايه 350". ويبلغ نصيب ايرباص التي تمتلك مجموعة "إيدذ" 80 في المئة من أسهمها بينما تمتلك مؤسسة "بي ايه اي سيستمز"20 في المئة من أسهمها "نحو 53 في المئة في سوق الطائرات العالمية". وستكلف إنتاج وتطوير الطائرة "ايه 350" نحو أربعة مليارات يورو "5,3 مليارات دولار".
وتسعى ايرباص إلى تغطية ثلث كلفة تطوير وانتاج الطائرة "ايه 350" عن طريق الحصول على مساعدات من حكومات ألمانيا، فرنسا، بريطانيا وإسبانيا بمقتضى قانون العام 1992 وهو ما تعارضه بوينج وتعتبره إخلالا بمبدأ المنافسة الحرة. وفي المقابل احتلت بوينج المرتبة الثانية في سوق الطائرات العالمية بعد ايرباص للعام الثاني على التوالي، إذ باعت نحو 285 طائرة العام .200
العدد 868 - الخميس 20 يناير 2005م الموافق 09 ذي الحجة 1425هـ