العدد 868 - الخميس 20 يناير 2005م الموافق 09 ذي الحجة 1425هـ

صراع دولي للسيطرة على ممرات النفط والغاز في آسيا

طيلة السنوات الـ 13 الماضية، أي منذ أن بدأت شركتا شيفرون وب. ب التنقيب عن النفط في حوض بحر قزوين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أصبح تعبير "اللعبة العظمى الجديدة" شعبيا ويستعمل لوصف الصراع السري القائم بين موسكو والغرب حيال الكميات الهائلة من مخزون النفط والغاز الطبيعي الموجود في المنطقة التي فتحت أمام الاستثمارات الغربية.

والغالب في الصراع انه يدور بشأن أنابيب النقل التي تسعى الدول الغربية الى السيطرة عليه بدلا من روسيا، لأن النفط والغاز الطبيعي الموجود في كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان يتدفق من خلاله إلى الأسواق الغربية.

فالطريق الأسهل من دون منازع لنقل النفط من بحر قزوين إلى الغرب هو عبر إيران التي تملك نظام أنابيب اقل تعقيدا يمر إلى منطقة بحر قزوين وباقي منشآت تحميل النفط في الخليج الفارسي. لكن السياسة الأميركية منعت تطبيق مثل هذا الحل المنطقي. وفاز الغرب أخيرا عبر تحويل أنابيب النقل من بحر قزوين لتمر عبر دولة جورجيا.

وهذه النسخة الحديثة من اللعبة العظمى يجب بالتالي أن تعرف باللعبة الصغرى لأنها تميل إلى التفاهة مقارنة مع اللعبة العظمى الأخرى التي بدأت تتكشف في آسيا مع بدء الصين والهند بالمنافسة على مصادر الطاقة التي يحتاجانها لتلبية مطالبهما المتزايدة في النمو.

وأعلن رئيس الشركة الوطنية للنفط والغاز الطبيعي الهندي سوبير راها حديثا أن بلاده ستشتري خمس إنتاج حقل يادافاران العملاق للنفط في إيران، وانها دخلت السوق لشراء بعض أصول شركة يوكوس للنفط الروسية العملاقة التي سحبت روسيا ملكيتها من الملياردير الروسي المسجون ميخائيل خودوركوفسكي. واستثمرت الشركة الهندية لغاية اليوم مبلغ ملياري دولار لشراء 20 في المئة من حقل ساخالين في سيبيريا والذي تديره شركة أكسون - موبيل.

وقال راها إن الهند ستنفق مبلغ 10 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة بغرض التنقيب عن النفط وتأمين حاجاتها من الطاقة. وتستورد الهند ثلثي حاجاتها من الطاقة على رغم أن مجموعة كارنز البريطانية أعلنت اكتشاف حقل جديد للنفط في راجستان في الأسبوع الجاري.

وكانت الهند وقعت في الأسبوع الماضي اتفاق بقيمة 40 مليار دولار مع إيران لشراء الغاز الطبيعي السائل، وللمشاركة في تطوير ثلاثة حقول نفط إيرانية. وستقوم شركة النفط والغاز الطبيعي في الهند التي هي أكبر مصفاة نفط في البلاد ببناء مصنع غاز سائل بالاشتراك مع شركة بتروبارس وهي وحدة تابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية، وقادرة على إنتاج كمية 9 ملايين طن من الغاز سنويا.

كما قامت شركة نفط هندية أخرى هي "إنديان أويل أند غايل"، وهي شركة غاز، بتوقيع عقد لاستيراد 7,5 ملايين طن سنويا من الغاز السائل من إيران لمدة 25 عاما.

وجاء الإعلان من نيودلهي بمثابة الصاعقة على رأس الصينيين الذين كانوا ينوون تقديم عرض بقيمة 13 مليار دولار لشراء شركة يونيكال الأميركية التي كانت أجرت مفاوضات أثناء حكم طالبان السابق في أفغانستان بشأن احتمال تمديد شبكة أنابيب نقل النفط من آسيا إلى الصين.

واليابان دخلت في السباق نفسه للحصول على الطاقة في آسيا. وفي الواقع فإن هذه اللعبة العظمى هي التي سرعت موت خودوركوفسكي، إضافة إلى أن طموحاته السياسية هي التي عجلت بقرار الكرملين التحرك ضده. وكان الكرملين قد قرر بناء خط أنابيب للنفط ينقل بموجبه النفط السيبيري إلى اليابان، في الوقت الذي كانت فيه شركة يوكوس تريد تمديد هذا الخط ليصل إلى الصين. لكن خوفا من إعطاء الصين إمكان الوصول إلى أصوله في سيبيريا، قرر الكرملين أن اليابان هي الزبون الأكثر إفادة له.

كما دخلت الصين سوق المنافسة لشراء أصول أو بعض أصول شركة يوكوس، سواء إذا كانت معروضة للبيع مباشرة أو فيما إذا كانت الطريقة الوحيدة لهذه الصفقة هي عبر شراء أسهم في شركة سيبنفت التي يبدو أن الكرملين يفضلها لبيع احتياطات شركة يوكوس. ومهما كان مصير شركة يوكوس، فعلى الكرملين أن يكون مغتبطا حيال التسابق الهندي الصيني على شراء كميات النفط الروسي.

وفي الوقت الحالي، هناك كميات كافية من النفط والغاز متوافرة في الأسواق، غير أنه مع انفتاح شهية الصين والهند، وارتفاع معدل الازدهار، فإن ذلك يعني المزيد من السيارات التي تحتاج إلى البنزين، فالضغوط على الطاقة والمنافسة ستزداد حدة.

وتعطي الجغرافية الطبيعية أفضلية للهند وتترك الصين أمام مشكلة. فكل واردات الصين تأتي حاليا من خلال البحر وتحديدا من الخليج الفارسي، ما يعني أن عليها عبور المحيط الهندي الذي يخضع لسيطرة الهند. وخطة الصين لتمديد شبكة أنابيب أرضية من آسيا الوسطى "بكلفة تبلغ نحو 12 مليار دولار" تعطي الصين أمانا محدودا. ففي خضم أزمة أو صراع حقيقي، فالأنابيب الأرضية معرضة للتخريب أو الهجمات الجوية أو الهجمات بالصواريخ.

وواحدة من المبادئ التاريخية لدبلوماسية القرن العشرين بين القوتين العظميين كانت تحمل عنوان "الصراع من أجل الإتقان في أوروبا". أما في القرن الحادي والعشرين فيبدو أن "الصراع من أجل الإتقان في آسيا" بدأ يأخذ مجراه

العدد 868 - الخميس 20 يناير 2005م الموافق 09 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً