العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ

... في انتظار موسكو

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لماذا لا تعود روسيا إلى ممارسة دورها الدولي في منطقة ما يسمى "الشرق الأوسط"؟ سؤال طرح مرارا منذ صدمة انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي. وحتى الآن لا جواب محددا على الموضوع.

هناك الكثير من الدعوات العربية لموسكو لتجديد دورها أو استعادته وحتى الآن لايزال الكرملين يتردد بين خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. فالدعوات العربية جادة حتى من قبل تلك الدول التي كانت لديها تحفظات ايديولوجية على سياسات الاتحاد السوفياتي السابق. الآن وبعد أكثر من عقد على سقوط الحاجز الايديولوجي بين بعض الدول العربية والكرملين لاتزال التحفظات السابقة موجودة وهي تحفظات غير مبررة وتقوم على هواجس أمنية أو مخاوف لم يعد لها من معالم على الأرض.

تردد بعض الدول العربية غير مفهوم، كذلك تردد روسيا غير مبرر، وبالتالي هناك فرصة تاريخية لإعادة بحث المسألة من منظار مختلف يقوم على فكرة المصلحة لا الايديولوجيا. فالظروف التي تمر بها روسيا والمخاطر التي تتعرض لها المنطقة العربية تدفعان نحو البحث عن صيغة معاصرة لتجديد تلك الصلة. وهذه الصلة يجب أن تنطلق من فكرة المصلحة. فمن مصلحة روسيا التقدم باتجاه الدول العربية ومد جسور التعاون بينها وبين المنطقة العربية. كذلك من مصلحة المنطقة العربية أن تقدم المبادرات الإيجابية لموسكو وتشجعها على لعب دور خاص ومميز انطلاقا من تجاوز تلك الحواجز الايديولوجية التي شكلت ذريعة لبعض الدول العربية في الابتعاد عن القطب "السوفياتي" والاقتراب من القطب الأميركي.

القطب الأميركي أعلن حربه على المنطقة العربية منذ أكثر من عقد من الزمن مستفيدا من غياب روسيا وتهميش دورها وصولا إلى تطويقها ومنعها من التحرك في إطار الحزام السياسي - الجغرافي الذي يحيط بها من غرب الصين إلى شرق أوروبا "أوكرانيا أخيرا" وجنوبها "دول بحر قزوين".

تطويق روسيا بهذا الحزام السياسي - الجغرافي من دول كانت تنتمي سابقا إلى منظومة الاتحاد السوفياتي مسألة تضعف موسكو وتمنع عليها من لعب دورها الخاص والمميز في المنطقة العربية وتحديدا من البوابة الفلسطينية. وهذا الموضوع طرحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في زيارته الأخيرة للكرملين حين التقى الرئيس فلاديمير بوتين. والموضوع نفسه طرحه أيضا الرئيس السوري بشار الأسد في زيارته الأخيرة لموسكو وخلال اللقاءات التي عقدها مع القيادة الروسية. الدعوتان السورية والفلسطينية تصبان في سياق واحد، وهو: لماذا لا تعود روسيا إلى ممارسة دورها المغيب في منطقة "الشرق الأوسط"؟

هناك فعلا حاجة عربية "إسلامية" لموقع موسكو ودورها الخاص في معادلات المنطقة بعد أن استباحت واشنطن كل المحرمات الدولية. كذلك هناك حاجة روسية إلى موقع إقليمي في الدائرة العربية - الإسلامية إذا أرادت فعلا استعادة بعض ما خسرته من دور دولي يوازن القطب الأميركي.

والسؤال لماذا لم تستجب روسيا أو تحاول الاستفادة من هذه الحاجة وإعادة توظيفها لفك طوق الحزام الجغرافي - السياسي الذي ضربته واشنطن حولها؟

هناك إجابات كثيرة منها ربما عدم نجاح موسكو في النهوض من صدمة انهيار الاتحاد السوفياتي. وربما أيضا عدم وضوح هوية الدولة وتحديد سياستها الدولية وبالتالي ضياعها بين التوجه نحو أوروبا أو الذهاب نحو آسيا أو الاكتفاء بموقعها الجغرافي وتلك الدول المحيطة بها.

ربما تكون هذه جوانب تفسر المأزق "التردد" الروسي، وربما تكون هناك عوامل نفسية لها صلة بفقدان الرغبة في استعادة مكانة مفقودة. فالضغوط كثيرة ولم توفر واشنطن ناحية إلا ودخلت منها مستغلة مجموعة عوامل أبرزها حاجة موسكو إلى السوق الدولية وتفكك منظومتها السابقة وعدم نجاحها في تشكيل بدائل تعيد تنظيم موقعها ودورها. هذا الإرباك الذي بدأ مع دخول روسيا في مرحلة انتقالية "ارتدادية" من اشتراكية الدولة إلى رأسمالية الدولة أسهم في فتح ثغرات في جدران الكرملين وأعطى فرصة لواشنطن لتنظيم هجوم معاكس وصل أخيرا إلى أوكرانيا.

ما حصل في روسيا منذ تسعينات القرن الماضي يشبه إلى حد كبير تلك الزلازل التي تضرب نقطة معينة وتعقبها هزات ارتدادية إلى فترة غير معلومة. فموسكو حتى الآن لاتزال تعاني من ذاك الزلزال السياسي الذي هدم صروح الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي، وأسفر عن وقوع سلسلة لا تنتهي من الهزات الارتدادية التي تطوق موسكو من كل الجهات.

مع ذلك، يبقى السؤال ينتظر الجواب المتعلق بهوية موسكو والمدى الزمني الذي ستبقى عليه مترددة بين سقوط فترة الايديولوجيا وتبلور رؤية بديلة تتشكل من منظومة علاقات دولية وإقليمية تقوم على فكرة المصلحة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً