العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ

سليم رسول*

حديث الجلاء

في ما بعد حديث الانتخابات طفق الى السطح حديث آخر بدأ يأخذ حيزا من الانشغال السياسي والإعلامي وحديث الندوات والجلسات الفكرية والثقافية.

متى تنسحب القوات المتعددة الجنسيات من العراق؟ هذا هو السؤال، وصار الجميع من معنيين وغير معنيين يدلون بدلوهم في الإجابة عن السؤال وتحديد الفترات التخمينية التي يعتقدون أنها تصل الى حد اليقين، فمنهم من صرح بأن القوات الأجنبية يحتاجها العراق لمدة ثمانية عشر شهرا، فيما رأى آخر أن ليس هناك وقت بالإمكان تحديده طالما لم تجهز بعد أجهزة الدولة التي تستطيع حفظ الأمن وحماية البلاد من جيش وشرطة ولواحقهما من الأجهزة الأخرى، وزعم آخر أن من الممكن أن تنسحب بعض الوحدات الأجنبية لعدم الحاجة إليها أثناء العام الحالي في تمهيد لانسحاب آخر جندي من تلك القوات.

وبالتأكيد هناك من يرى ضرورة البقاء لهذه القوات وليس مناسبا أن يفتح حديث الجلاء في هذا الوقت طالما لم تتم مقدمات الموضوع ولذلك ليس هناك من مبررات منطقية للخوض بهذا الحديث، وهناك أيضا من يرى أن لا مجال أبدا من المطالبة برحيل القوات الأجنبية بغض النظر عن مبررات وجودها ويعزو هذا البعض كل ما يجري في العراق من تدهور أمني الى وجود هذه القوات ولذلك فهو يعتبر أن لا مشروعية لأي نشاط سياسي ما دامت تلك القوات موجودة، وعلى هذا الأساس قاطع هذا البعض العملية الانتخابية ولم يعترف بها.

من بين هذه الآراء المختلفة، هل يمكن تشخيص مصلحة الشعب أين تكمن ووفق أي طرح يمكن أن تتحقق مصلحة الشعب والبلد؟

إذا أردنا أن نشخص المصلحة العراقية الحقيقية، لابد لنا من قراءة الواقع قراءة موضوعية لا تشوبها شعارات بعيدة كل البعد عن أرض الواقع، فالمشهد العراقي الذي نراه كلنا يتحدث عن أزمات متفاقمة، وفي مقدمة هذه الأزمات تقف أزمة الملف الأمني، والذي تترتب على تأزمه أزمات أخرى، يكمن حلها في حل الملف الأمني، ومفردات الملف الأمني لم تزل بعد طرية غير صلبة ومؤسساتها لم تشهد تكاملا لحد الآن، والتحديات الإرهابية ربما تبرز في أحيان كثيرة بحجم أكبر من قدرة المؤسسة العسكرية والأمنية، ولذلك ينتج الإرباك الأمني وتنتج الخسائر مع العلم أن هذا الذي يحدث مع وجود الآلة العسكرية الأجنبية التي تتلخص مهماتها على إعانة المؤسسة الأمنية العراقية في ضبط الأمن بما لديها من إمكانات تكنولوجية متطورة، فهل لنا أن نتصور المشهد بعد عزل تلك القوات من المشهد؟!

المنطق يقول إن هناك مجازر إرهابية سوف ترتكب إن لم نقل إن البلد ينحدر فيها نحو الهاوية ونحو التقسيم ونحو الحرب الأهلية، يخطئ من يظن خلاف ذلك إذ إن هناك تكافؤا ومعادلا نوعيا لكل ما في البلد من تلوينات وهناك مصالح متضادة ومبدأ الحوار ليس بذلك النمو الذي يتحول فيه الى صمام أمان، ثم ان هناك العامل الإقليمي الذي لابد أن يتخل لصالح هذا الفريق أو ذاك حسب ما يراه من مصلحة لنفسه، ويمكن للقارئ أن يسترسل في تصور خلو الساحة من قوة كبرى، تجمع أطياف البلد ويمارسون في ظلها العملية السياسية، حتى يشتد عود البلد، ويتمكن من حكم نفسه وحفظ أمنه.

ربما يتهمني البعض أني من دعاة بقاء الاحتلال، ومن دعاة تسليم البلد الى الأجنبي، وغير ذلك، ولكني أقول مادام الوضع الأمني هو هذا الذي نراه في سوئه وترديه مع أننا وصلنا الى حكومة منتخبة، فمن يستطيع إعطاء الضمانات بأن العملية السياسية ستستمر وتتحرك في إطارها الذي أراده الشعب، وأن الملف الأمني سيشهد تحسنا كبيرا مع غياب القوات المتعددة الجنسيات؟، من يستطيع إعطاء تلك الضمانات فأنا أول من يضم صوته إليه ويتبع دعوته في جلاء القوات الأجنبية.

* كاتب عراقي

العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً