العدد 907 - الإثنين 28 فبراير 2005م الموافق 19 محرم 1426هـ

أنظمة الكوتا لا تتعارض والمبادئ الدستورية السامية

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

على رغم اتفاق القانونيين على عدم جواز مخالفة الدستور من قبل أية سلطة كانت، قضائية أو تنفيذية أو تشريعية بما فيها المحكمة الدستورية، انطلاقا من مبدأ سمو الدستور بوصفه أبا للقوانين، فإنهم اختلفوا في قراءاتهم الواقعية لحال المساواة على الأرض بين المرأة والرجل، ومن ثم اختلفوا في تبنيهم لفكرة التدابير الخاصة المؤقتة، المسماة بتدابير العمل الايجابي، لاسيما فيما يتعلق بتعزيز مشاركة المرأة في العمل السياسي.

من وجهة نظرنا فإن نظام الحصة المحفوظة "الكوتا"، الذي يدور حوله الجدل حاليا بين معارض ومؤيد، لا يخالف مبدأ المساواة المبين في الدستور البحريني، وفي إطار المدافعة عن موقفنا أوردنا فيما يأتي تجارب بعض الدول العربية والأجنبية التي سبقتنا جدلا وتنفيذا، حتى يشترك المهتمون والمهتمات في مناصرة هذا الرأي أو ذاك ببعض من الهدى، كما نطرح بعض الأسئلة المهمة علها تكشف التناقضات فيما يجري حولنا في بلدنا الحبيب.

المساواة وانتهاكات توزيع الدوائر

ينص الدستور البحريني على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في مواد متعددة أهمها المادة "18" بشأن مساواة المواطنين لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، والمادة "4" بشأن أساسات ودعائم الحكم كالعدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وغيرها، وكذلك المادة "1" الفقرة "ه" بشأن حق المواطنين، رجالا ونساء، في المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح.

ولكننا عندما نراجع ما حدث عند تقسيم الدوائر الانتخابية للانتخابات التشريعية العام 2002م ، وفقا للمرسوم رقم "92" لسنة 2002م بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها، نكتشف نقضا حقيقيا لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، المنصوص عليهما دستوريا، إذ التفاوت الفاحش في قيمة الصوت الانتخابي للمواطن من محافظة لمحافظة وفق رؤية اعتمدت المنظور الطائفي، المتناقض ومبدأ المواطنة والممارسات في البلدان الديمقراطية. فعلى سبيل المثال تمت معادلة صوت ناخب واحد في الدائرة السادسة في المحافظة الجنوبية وأصوات نحو 33 ناخبا في الدائرة الأولى في المحافظة الشمالية "أي بفارق قدره نحو 3334 في المئة بين الدائرتين"، وأصوات نحو 21 ناخبا في الدائرة الرابعة في محافظة المحرق "أي بفارق 2011 في المئة بين الدائرتين". كما انتهك مبدأ المساواة في القوة التمثيلية للمواطنين في المحافظة الواحدة، فعلى سبيل المثال تمت معادلة صوت ناخب واحد في الدائرة الرابعة في المحافظة الشمالية بما يفوق أصوات خمسة ناخبين في الدائرة الأولى في المحافظة نفسها، أي بفارق 400 في المئة بين الدائرتين.

وللمزيد من الأمثلة والتوضيحات يمكن الرجوع إلى تقرير اللجنة الأهلية للرقابة على الانتخابات النيابية للعام 2002م، وإلى الورقة القيمة لجلال فيروز عن الأسس الدستورية للدوائر الانتخابية في البحرين على ضوء المعايير والتطبيقات الدولية، التي قدمها في المؤتمر الدستوري في العاشر من فبراير/ شباط 2005م.

إن تلك الحقائق وغيرها المذكورة في المصادر السابقة تهشم المبررات المسوغة لعدم اعتماد نظام الكوتا رسميا بحجة تعارضها والدستور والانحياز لصالح المرأة، فاحترام مبدأ المساواة لابد أن يكون منهجا يمارس باتساق واستدامة لا بصفة جزئية وانتقائية. ثم إن اعتماد نظام الحصة النسائية المؤقتة، أصبح مطلبا عالميا مشروعا، عبر الاتفاقات الدولية التي تحث على إدماجه في التشريع الوطني، وتحاسب الدول الأطراف عند تقاعسها عنه، وجدير بالمملكة حذو باقي الدول العربية والغربية في تنقيح القوانين وتعديلها بما يتناسب وروح هذه الاتفاقات والشرعة الدولية لحقوق الإنسان ومن منظور الواقع الاجتماعي بعيدا عن الشعارات الصماء.

خطة عمل بكين واستحقاقات سيداو

لقد انضمت البحرين في العام 2002 إلى اتفاق الأمم المتحدة لحظر جميع إشكال التمييز ضد المرأة الصادرة في العام 1979م "سيداو"، وبذلك أصبح الاتفاق جزءا من التشريع البحريني، ووفقا للاتفاق يجب على البحرين انتهاج سياسات تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة باعتماد تدابير خاصة ومؤقتة من شأنها معالجة أوجه عدم المساواة بين المرأة والرجل، إلى أن يتحقق التكافؤ بينهما في الفرص والحماية، وهذه التدابير قد تكون تشريعية، كتغيير القوانين والأنظمة، أو غير تشريعية أو جزائية لكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام.

إن الواجبات الملزمة للمملكة وغيرها من الدول الأطراف في اتفاق "سيداو" في مجال تعزيز المشاركة السياسية للمرأة مذكورة بصراحة في المادة "7"، إذ جاء فيها ضرورة اتخاذ الدولة جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، وبوجه خاص في "أ" التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام، وفي "ب" المشاركة في صوغ سياسة الحكومة وتنفيذها، وفي شغل الوظائف العامة على جميع المستويات الحكومية، وفي "ج" المشاركة في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية للبلد.

وبحسب المادة "4" من اتفاق "سيداو"، "لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل في المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذي يأخذ به الاتفاق، ولكنه يجب ألا يستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة".

ولقد طالبت خطة بكين الصادرة عن مؤتمر المرأة العالمي الرابع 1995 الحكومات في العالم بالعمل على زيادة مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار لتصل في الحد الأدنى إلى 30 في المئة، إذ ورد في الفقرة "190" بند "د": "إن المطلوب من جانب الحكومات مراجعة التأثير المتغير للنظم الانتخابية على التمثيل السياسي للمرأة في الهيئات المنتخبة، والنظر عند الاقتضاء في تعديل هذه النظم وإصلاحها". وتشير تقارير الكثير من الدول إلى التقدم المحرز والمتسارع في أوضاع المرأة فيها بينما مازلنا نحن في مرحلة التنظير.

المحكمة الدستورية في مصر

تتجه الأحكام الحديثة للمحكمة الدستورية في مصر، إلى تبلور مفهوم جديد للمساواة يشجع على أخذ الظروف الواقعية والمراكز الاجتماعية غير المتوازنة بين الرجل والمرأة في المجتمع في الحسبان عند إصدار التشريعات العصرية، وعليه يصبح اللجوء إلى صور من التمييز المؤقت، لجوءا مبررا ومتصديا للصيحات القاصرة بعدم دستورية تخصيص مقاعد أو حصة للمرأة في المجالس النيابية والمحلية.

ويتبنى أحد كبار المحامين بمحكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا في مصر وآخرون، الرأي القائل "إن النصوص القانونية التي لا تأخذ في الاعتبار ظروف الاختلاف بين المرأة والرجل، لا تؤدي بطبيعتها إلى إلغاء التمييز والتخفيف من حدته بل إنها بحيادها قد تساعد على استمراريته". ويدفع المحامي بفكرة مسئولية الدولة عن تهيئة المناخ المناسب في وجه الموروثات الاجتماعية المعوقة لتقدم المرأة، عبر كفالتها لفرص متكافئة حقيقية وصولا لمبدأ تكافؤ الفرص وتأسيس مساواة موضوعية بين الرجال والنساء.

ويشار إلى الرؤى الحديثة التي يتبناها بواقعية هؤلاء القانونيون بشأن مدلولات عبارتين مهمتين، وهما المساواة أمام القانون والمساواة لدى القانون: "فالمساواة الأولى مساواة شكلية أو حسابية تقتضي التطبيق المجرد للقاعدة القانونية على الجميع، أما الثانية فهي مساواة موضوعية أكثر عمقا وتعكس توجها ثقافيا محددا عند واضع القانون". وتعتمد فكرة الفرص المتكافئة الفعلية باعتبار اللامساواة الاجتماعية أو تباين موازين القوى بين الجنسين. ويذهب هؤلاء القانونيون إلى أن المساواة الفعلية بين الأفراد يمكن تحقيقها باتجاهين، الاتجاه الأول ويعرف باسم المساواة الرافعة، والاتجاه الثاني ويعرف باسم المساواة الخافضة، إذ في المساواة الرافعة يرفع مستوى الضعفاء إلى الأقوياء، وهذا ما تحتاجه المرأة العربية ذات الوضع الاجتماعي المستضعف بفعل الموروثات الاجتماعية المعوقة والحاكمة لعصور طويلة ومتتالية، أما في المساواة الخافضة فيتم فيها إنزال الأقوياء إلى مستوى الضعفاء.

الكوتا لا تخالف الدستور

يستند عميد كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية ادمون نعيم، وهو أحد ابرز علماء القانون في لبنان، في دفاعه عن مبدأ تخصيص حصة للنساء اللبنانيات في المجالس التمثيلية، إلى رأي الفرنسي دومينيك روسو الذي درس بدوره آراء القضاء الفرنسي والمجلس الدستوري الفرنسي وعلماء القانون الفرنسيين، ليقول إن المساس المؤقت بمبدأ المساواة في الدستور هو مساس مبرر وذلك لسببين، الأول "هو اختلاف الوضع، فمبدأ المساواة لا يمنع من أن ينص قانون على قواعد مختلفة بالنسبة لفئات من الناس تكون في أوضاع مختلفة... والسبب الآخر الذي يبرر استبعاد مبدأ المساواة هو المصلحة العامة، فهذا المبدأ لا يمنع المشرع من استبعاد المساواة لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة".

وللتفصيل عن التجربة الفرنسية نقول انه في العام ،1982 صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية بالإجماع لصالح كوتا تمثيلية نسائية بين "25 في المئة الى 75 في المئة" لأي من الجنسين، ولكن المجلس الدستوري "الملاحظ" طعن في القرار وأسقطه.

في العام 1999م، عدل الدستور الفرنسي ليشجع فرص المشاركة السياسية للمرأة في كل الهيئات المنتخبة بشكل مساو للرجل، وألزم التعديل الدستوري الأحزاب السياسية مسئولية تيسير مشاركة المرأة ووضعها على القوائم الانتخابية بالمناصفة وسمي هذا التعديل بـ "the parity refor".

وفي العام ،2000 صدر قانون انتخابي جديد يطبق التعديل الدستوري السابق "50 - 50 في المئة" في كل الأنشطة الانتخابية وعلى كل المستويات المحلية والوطنية، وفي البرلمان الفرنسي وانتخابات البرلمان الأوروبي وغيرها. وبحسب هذا القانون تعاقب الأحزاب السياسية التي لا تلتزم بالمناصفة في مرشحيها بتقليل نسبتها من المساعدات المالية الحكومية عند الانتخابات إذا تجاوز الفرق بين نسبتي النساء والرجال عن 2 في المئة. فالحزب الذي لديه النسب 49 في المئة إناث، و51 في المئة ذكور لا يعاقب، ولكن الحزب الذي لديه مثلا 45 في المئة إناث و55 في المئة ذكور يعاقب ماليا.

نسبة النساء في البرلمان الفرنسي المنتخب في آخر انتخابات 2002 بلغت 12و2 في المئة، بعدد 70 نائبة من أصل 574 نائبا برلمانيا، وهي تحتل المرتبة 67 عالميا.

تشريعات بريطانية متوافقة

نجح حزب العمال البريطاني في تقديم قانون مناهضة التمييز على أساس الجنس لمرشحي الانتخابات، في العام ،2002 بموافقة الأطراف السياسية كافة، وهذا القانون يجعل من السياسات الايجابية الحزبية للمرشحات النساء، سياسات قانونية غير متعارضة مع قوانين مناهضة التمييز، وهذه تشمل الكوتا النسائية وغيرها من سياسات إيجابية في انتخابات البرلمان والمجالس المحلية والبرلمانات المفوضة، وينتهي العمل بالقانون في العام 2015 ليسمح بثلاثة انتخابات متتالية.

إن التجارب السابقة وغيرها من تجارب دول أخرى في قارة آسيا وفي أميركا اللاتينية وأوروبا وإفريقيا، بما يقارب 88 دولة، توضح إمكان تطبيق أنظمة الكوتا متى توافرت الإرادة وتغيرت القناعات، ففي هذه البلدان جرت تعديلات دستورية، كما في بنغلاديش والهند وفرنسا مثلا، أو سنت قوانين انتخاب معدلة كما في الأردن والأرجنتين والمغرب مثلا من دون عوائق قانونية أو دستورية، ولعل دراسة آليات تطبيق الكوتا في تلك التجارب والاستفادة من مواقع الخلل والصواب فيها خير من التردد في مسألة صارت من حيث البداهة في خبر كان.

كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 907 - الإثنين 28 فبراير 2005م الموافق 19 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً