العدد 907 - الإثنين 28 فبراير 2005م الموافق 19 محرم 1426هـ

"عاشوراء" بانتظار ثورة الإصلاح

نقاط على هامش الموسم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حسنا فعلت اللجنة الثقافية بمأتم بن زبر في عاشوراء هذا العام، حين نظمت معرضا فنيا بالمناسبة فأضافت إبداعا جديدا. عند مدخل المعرض ثلاثة سيوف تركية ولامتان، وبعض الآلات الموسيقية القديمة، وإلى جوارها أسماء بعض أعضاء "الفرقة" التي أسست مطلع الستينات. عندما دققت في الأسماء ابتسمت، فبعضهم الآن ربما بلغ الستين، وأخذت أحاول تخيل صورته وهو شاب يعزف الموسيقى منذ أربعين عاما. هذه الفرقة استمرت تصدح كل عام حتى اختفت نهاية السبعينات من الوجود. وهناك من يقول انها "فككت" التزاما بأمر من أحد علماء الدين الكبار في البحرين، ولكن الأرجح ارتباطها بارتفاع موجة الالتزام الديني، وتحديدا العام ،1979 الذي شكل إيذانا بمرحلة جديدة من سيطرة الجدية على مواكب العزاء.

في السنوات الأخيرة كانت هناك محاولات خجولة لإعادة مثل هذه الممارسة لتمشي إلى جوار الموكب، وفعلا أخذت تعود رويدا رويدا حتى أصبحت منظرا مألوفا بالعاصمة، ولكن غير المألوف ما شاهدته ليلة الخامس من المحرم في المنامة، إذ فوجئت بأصوات قرع الطبول بصورة جنونية، ولما اقتربت أكثر شاهدت شيئا يسمونه "فرقة موسيقية" لا تجيد غير الإزعاج، مجموعة من الشبان يقرعون الطبول في صورة عشوائية، كأنهم فرقة من موسيقى الروك الصاخبة. فكرت: من هؤلاء؟ من يمثلون؟ أهؤلاء يمثلون المذهب الإسلامي الذي يفتخر بأن باب الاجتهاد لديه مازال مفتوحا حتى اليوم ولم يغلق بأمر من أحد السلاطين؟ هل هؤلاء يمثلون قيم الحسين "ع" التي قتل من أجل صيانتها وتصحيح مسار الانحراف السياسي والفكري الذي كان يهدد مسار الأمة ومستقبل الإسلام؟ ومن المسئول عن خروج مثل هذه الجوقات الموسيقية؟ وإذا كان البعض يبرر إقحام الموسيقى في الموكب بدعوى "عزف الألحان الجنائزية الحزينة"، فأية ألحان عند هذه المجموعة بالذات التي تذكرك بموسيقى الزنوج الصاخبة؟ وأين هيئة تنظيم المواكب الحسينية من هذه الفوضى؟ وأين علماء الدين؟

وإذا وسعنا دائرة النظر، سنكتشف ان العلة قديمة والداء وبيل، فقبل ستين عاما نشر المرجع الديني المجدد السيد محسن الأمين رأيه فيما يرافق الشعائر الحسينية من ممارسات خاطئة، ففتحت عليه أبواب الجحيم.

بعد عشرين سنة، نقرأ طروحات المفكر الشهيد مرتضى المطهري، وهو آية الله أيضا، في ملحمته الحسينية، التي رصد فيها واقع المنبر الحسيني وما ينتظره من إصلاحات كبرى، لم تجد اذانا صاغية عند أغلب الخطباء.

وفي الفترة التاريخية نفسها، لامس مواطنه المفكر وعالم الاجتماع الشهيد علي شريعتي جوانب حساسة من هذه القضية، مستخدما أدوات النقد والتحليل العلمي الرصين. وتتبع بعض الأمور التي استوردها السلاطين الصفويون من أرمينيا وجورجيا وأدخلوها في الموكب، من بينها التطبير، في سياق التنافس السياسي الغبي الذي دخلوه مع غرمائهم العثمانيين، وكل منهما يستغل الإسلام لخدمة مآربه وسياسته الدنيوية. وفي هذا السياق لفت شريعتي إلى تكوين الصفويين "وزارة التعزية"، استطاع "خبراؤها" استيراد شكل "الراية" المصنوعة على شكل "صليب" من المسيحيين، لتتقدم المواكب. وبعد مرور ثلاثين أو أربعين عاما على طرح انتقادات شريعتي على بني قومه، إلا أنهم لم يتخلواعن تلك الراية، وربما شاهدها بعضكم تظهر في لقطة بأحد المسلسلات الأخيرة التي تصور لحظة حرق خيام البيت النبوي في واقعة كربلاء!

المحاولات والطروحات "الإصلاحية" السابقة، كانت تنطلق من النقد الذاتي، فالأمين كان طرحه من باب مسئوليته الدينية كمرجع، والمطهري طرحها من جانب عقائدي، وشريعتي طرحها من جانب اجتماعي فكري، لكن المحاولة الأخيرة دخل فيها البعد السياسي، وتمثلت في فتوى السيد الخامنئي بشأن التطبير، نظرا لما يمثله من تشويه في نظر الآخرين لهذا المذهب العريق. والبعض انتقد هذه الفتوى واعتبرها موقفا سياسيا، وان "شعائرنا لا ينبغي ان تخضع لرغبات الشرق والغرب"، ولكن هؤلاء لم يأخذوا البعد الزمني في الاعتبار، فلم تعد أنت ابن منطقتك وزقاقك، والرسالة التي كانت تحتاج إلى أيام لتصل إلى النجف أو قم قبل عقدين، لا تحتاج اليوم لأكثر من ثوان معدودة عبر الانترنت.

"عاشوراء"، التي تعودنا في السنوات الأخيرة على مشاهدة مظاهر مشرفة في مراسم إحيائها بصورة حضارية، من تعبير فني ومسرحي وتشكيلي والكتروني، يرافقها تراجع يسيء إليها، مثل هذه الفرقة الصاخبة. وبعيدا عن الحساسيات السياسية والفتاوى والفتاوى المضادة، فإن شهيد الإسلام الأكبر يستحق إحياء لذكراه بطرق أفضل من طرائق تعود إلى مئات السنين. كان المفروض أن ننتبه للأجراس التي دقت منذ نصف قرن، ولكننا كشعوب، مثل الأنظمة العربية الجامدة، مازلنا ننتظر الغرب ليزيد من لهجة سخريته بنا حتى نعاود التفكير في السؤال الواقف على الباب منذ ستين عاما: هل نبدأ عهد الإصلاح الديني؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 907 - الإثنين 28 فبراير 2005م الموافق 19 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً