العدد 914 - الإثنين 07 مارس 2005م الموافق 26 محرم 1426هـ

إيران هي المحطة الآتية أم أن هناك دولا أخرى غيرها؟

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

"الرجال ثلاثة: حازم، وأحزم منه، وعاجز. فالحازم من إذا نزل به الأمر، لم يدهش له، ولم يذهب قلبه شعاعا، ولم تعي به حيلته ومكيدته التي يرجو بها المخرج منه. وأحزم من هذا، المقدام ذو العدة، الذي يعرف الإبتلاء قبل وقوعه فيعظمه إعظاما، ويحتال له حيلة، حتى كأنه قد لزمه؛ فيحسم الداء قبل أن يبتلى به ويدفع الأمر قبل وقوعه. وأما العاجز فهو في تردد وتمن وتوان حتى يهلك".

"ابن المقفع"

إنه سؤال خطير جدا يطرحه أكثر الساسة تشاؤما وأكثرهم تفاؤلا: هل إيران هي المحطة الآتية لأميركا لتعلن من خلال منصاتها الداخلية والعالمية الحرب على "الاستبداد" بعد أن عجزت في حربها كما يبدو على "الارهاب" في أفغانستان والعراق، فمازال بن لادن يخرج بين الحين والآخر مرتديا عباءته التي أرهقها الزمن يهدد المنطقة كلها - الخليج تحديدا- وهو ليس بالتهديد الذي لا يؤخذ بمنطق الجدية والحذر؛ إنه لا يهدد الأميركان في الخليج فقط، بل وهنا بيت القصيد، يهدد كل ما يقع تحت مظلة مصلحتها الاستراتيجية وغيرها ويهدد البشر وكل ما يتصل بالحياة. إضافة إلى ذلك فهو يهدد بحرق النفط بالمجان، بل تفجيره وزعزعة نظام الطاقة العالمي كله. في العراق والحرب فيها ضروس هناك الزرقاوي والملاوي وعلاوي والجلباوي وغيرهم من الماوي ماوي، والمعتقل المتواري خلف القضبان والروايات والقصص المنتقاة من التاريخ ليسلي عن نفسه ويزيح هموما هو صانعها ومبتكرها عن نفسه.

في مقالها الفاضح والمشتمل على معلومات مخابرية رصينة كتبت "النيويوركر": "لم يكن إعادة انتخاب جورج بوش النصر الوحيد الذي حققه الخريف الماضي. الرئيس ومستشارو أمنه القومي دعموا السيطرة على الجيش وعلى تحليلات المخابرات الاستراتيجية والعمليات العسكرية السرية إلى درجة فريدة من نوعها منذ صعود دولة الأمن القومي ما بعد الحرب العالمية الثانية... إن لدى بوش جدول أعمال عدوانيا وطموحا لاستعمال تلك السيطرة، ضد الملالي في إيران وضد الأهداف في الحرب المستمرة على الإرهاب في فترة رئاسته الثانية".

وهي ترى أن "سي. آي. اي" ستستمر في ضمور قوتها، أي أنها ستتلاشى وتصبح مستشارا حكوميا ليس إلا... وإن هذه العملية - خلخلة السي اي ايه - "جارية بشكل جيد جدا".

في العراق رأى خبراء يتصلون بشكل مباشر بالمجلة أنه و"على رغم حالة الأمن المتدهورة في العراق" فإن "إدارة بوش ما أعادت النظر في أهداف سياستها الأساسية والبعيدة المدى في الشرق الأوسط: تأسيس الديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة"، وعليه يرون أن الشأن الديمقراطي للشرق الأوسط الكبير "أو الصغير المفتت" لن يرى النور وسيضيع في عالم الظلمة. وما يحصل في العراق الآن لا يعدو عن كونه "محطته الأولى فقط، وإن إدارة بوش تنظر إلى هذا كمنطقة حرب ضخمة جدا"، وهو الكلام الذي نطق به مسئول المخابرات السابق عالي المستوى، ذاكرا أن "المحطة المقبلة ستكون إيران. وهذه ستكون صرخة النصر الأخيرة على الإرهاب، لدينا أربع سنوات لفعل ذلك، نريد أن نخرج من هذه الحرب صارخين بأننا انتصرنا على الإرهاب".

ولكي يتم إنجاز ذلك لابد أن يصبح رامسفيلد أكثر أهمية في فترة رئاسة بوش الثانية، والعجيب إنه لم يعط للشأن الدبلوماسي وقائدته رايس أهمية تذكر، في الوقت الذي تعلن فيه إنها ستعطي الدبلوماسية أكثر من حقها لتحقيق أهداف يرى الصقور "العجائز" أن القوة هي الأداة الوحيدة لتحقيق ذلك.

فيما يخص الدول الأوروبية وموقفها مما هو حاصل في المنطقة فإن المجلة تذكر أن الدول الأوروبية ومنها بريطاينا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا حاولت مرارا مساعدة إيران في الحصول على مساعدات اقتصادية مقابل تخليها عن طموحاتها النووية وافشال الخطة المهيئة سلفا لضربها في العمق الاستراتيجي المحوري الموازي من قبل إدارة بوش، ولتضييع الفرصة على من تسول له نفسه ضربها، ومن ضمن ذلك جاءت موافقة إيران مبدئيا على وقف نشاطها النووي حتى تلك المسموح بها من قبل الأمم المتحدة من ضمن معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. في المقابل، إيران تصر بأنها تحتاج لرؤية بعض المنافع الأساسية من الأوروبيين؛ تقنية انتاج نفط، معدات صناعية ثقيلة، وربما حتى رخصة لشراء أسطول طائرات النقل العملاقة. "إيران منعت من الوصول إلى التقنية والكثير من السلع بسبب العقوبات". وقد طلبت الدول الأوروبية من إدارة بوش الانضمام إلى هذه المحادثات غير أنها رفضت بشكل قاطع وسدت كل المنافذ في وجهها. والمحافظون الجدد يصرون على أن المحادثات لا تعدو عن كونها صفقة سيئة، وإن الشيء الوحيد الذي يفهمه الإيرانيون هو الضغط، وبات من الضروري أيضا أن يضربوا.

ترى المجلة أن هناك مشكلة حقيقية ورئيسية تتمثل في "إن إيران أخفت مدى نجاح برنامجها النووي ومدى تقدمها في هذا المجال" وبنجاح منقطع النظير، إذ إن "الكثير من وكالات الاستخبارات الغربية، من ضمنها الأميركية، تعتقد بأن إيران هي على الأقل تبعد ثلاث إلى خمس سنوات من قابلية إنتاج الرؤوس الحربية النووية بشكل مستقل. ويعتقد بأن إيران أيضا وعلى نحو واسع أن يكون لديها مشكلات تقنية جدية في نظام أسلحتها، بشكل خاص في إنتاج غاز hexafluoride الذي يحتاج لصناعة الرؤوس الحربية النووية".

إيران من جهتها لاتخفي ضلوعها في مشروعات الإنتاج النووي، إذ جاء على لسان وزير خارجيتها كمال خرازي "ان ايران مصممة على معاودة تخصيب اليورانيوم لانتاج وقودها النووي الخاص لعشرين محطة نووية". ورأى أيضا في تصريحات "نقلتها وكالة "ايسنا" ان القادة الاميركيين "أذكى" من ان يهاجموا ايران لمنعها كما يدعون من صنع قنبلة نووية"، وإن إيران لها حق شرعي في إنتاج مثل هذه الطاقة. ومجمل القول أن خرازي في تصريحاته كان يستند إلى المواثيق التي وقعتها حكومته مع الوكالة العالمية للطاقة، وهو تماما كما جاء على لسان رئيس الوكالة الفيدرالية الروسية للطاقة الكسندر روميانتسيف: "الايرانيون وقعوا على معاهدة منع الانتشار النووي ولا احد يمنعهم من تطوير دورتهم الخاصة لانتاج الوقود النووي".

من جهة أخرى فإن "إسرائيل" الدولة الغاصبة المغروسة في صدر الأمة تعتقد جازمة كما جاء على لسان وزير خارجيتها أن "أسلحة إيران تستطيع أن تصل إلى أعمق نقطة في أوروبا"، وإن "إسرائيل" تفضل استخدام العصا والجزرة في هذا الشأن مع إيران وباكستان وكوريا الشمالية. وقال: "إذا لم تخضع إيران فإن "إسرائيل" لا تستطيع النوم في الوقت الذي تمتلك فيه إيران أسلحة نووية". وعليه فإنها تعتزم إطلاق ما لايمكن إطلاقه تحت أي ظرف من الظروف إذ تحرم إطلاقه المواثيق الدولية، ولكن نقول قد يترك لها في غفلة من الزمن أن تستخدمه غير عابهة بما تشكله النتائج من خطر على وجودها وحضورها. ان القوة المسماة بـ "الخفاش" "وهو سرب إستراتيجي تنوي "إسرائيل" استخدامه" لا يبرز في النور بل هو يخرج في عتمة ليس كمثلها عتمة، إذ لن يعرف أو يحس به أحد، وان أول مهماته هو تدمير الترسانة النووية لأي بلد يقع في محيطها الخيالي الذي لا حدود له طبعا.

هناك أيضا ما يعرفون بـ "المدنيين في وزارة الدفاع الأميركية"، فهؤلاء يريدون دخول إيران وتحطيم أكبر قدر من البناء التحتي العسكري، وسيكون دخولهم عن طريق ما يعرف بـ "الكملفلاج" أي التخفي بزي ولون على شكل البيئة الهدف.

من ناحية أخرى فإن بوش قال في حديث صحافي متلفز: "الدبلوماسية يجب أن تكون الاختيار الأول، ودائما الاختيار الأول لإدارة تحاول حل قضية... التسلح النووي. ونحن سنواصل الضغط على الدبلوماسية". وهذا ما يناقض كلية ما جاءت به المجلة التي أوردنا جزءا من أقوالها، ولربما إنها كانت تعني تحديدا "الجدد" من كل طيف إداري يأخذ له موقعا في إدارة الرئيس الأميركي من دون وزيرة الخارجية رايس حاملة شعلة الدبلوماسية.

من هؤلاء "الجدد" القدامى يعتقد كل من رامسفيلد وولفوفتز أن النظام الحاكم في إيران وتحديدا "الملالي" سيسقط كما سقط نظام الاتحاد السوفياتي وأنظمة أوروبا الشرقية، ولا يشاركهم في تلك الآراء المفكر نعوم تشومسكي، إذ يشدد على بقاء النظام ويذكر أن من مصلحة أميركا أيضا بقاء النظام السعودي أيضا كحليف استراتيجي كبير يعزز من قدرة الولايات المتحدة في المنطقة، "لأن قواتنا العسكرية تعاني من نواقص خطيرة". لذلك يشير إلى أنه من أجل تحقيق الأهداف المرجوة لدمقرطة المنطقة "علينا أن نتعلم كيف "نميز بين ضرورة التسامح وضرورة القمع العادل"، فهي "سمة حاسمة من سمات "الإسلوب الديمقراطي"! ويشير إلى ضرورة التسلح ضد "النشاط الشرير". ومن صور هذا النشاط، يأتي اغتيال رفيق الحريري، بصورة لا تشي بعقلانية مطلقا "تنذر بتفجير النظام السوري" و"كي تكون سورية الهدف المقبل لـ "تغيير النظام" "باتريك سيل، في "الحياة"".

وهناك من يعتقد في واشنطن من تيار "المحافظين الجدد" والمتشددين الممسكين بمواقع مفتاحية في مجلس الامن القومي ووزارة الدفاع، ان لا جدوى من النظام السوري، وانه "نظام بعثي لا يختلف عن النظام العراقي". هذه الصور وغيرها قد تجعل أميركا التي قال عنها أستاذ التاريخ في أكسفورد ميكائيل هاوارد بأنها على مدى 200 سنة قامت بحماية المثل الأساسية الأولى للتنوير: الإيمان بحقوق الفرد الممنوحة من الله، بالحقوق المتأصلة في التجمع وحرية الكلام، بنعم المشروع الحر، بإمكان تحقيق كمال الإنسان، وبشمولية هذه القيم"، تفقد السيطرة على قدراتها العسكرية وتطلق شرارة الحرب التي قد تضرب في كل اتجاه من دون تمييز. ويسهم في تمكن الشرارة تلك الدولة المغروسة في قلب الشرق الأوسط، والتي "تشن حملة تشويه ضد حزب الله، حليف سورية الرئيسي، إذ تصفه بأنه منظمة إرهابية، لابد من نبذها ومعاقبتها وتدميرها". كل هذا تدعمه أميركا دعما لوجستيا تماشيا مع استراتيجيتها المستندة على الحسابات اوالبينات المستخلصة من عقول آلية "كمبيوترية".

هناك بارقة أمل في أن تعاود الولايات المتحدة استراتيجية إخراج "المحتل السوري" من لبنان كما حصل مع سجين بغداد حين احتل الكويت، إذ حشدت لذلك قوات كبيرة تحت مظلة ودعم الأمم المتحدة، نلمح ذلك من كلمات بوش: "ان للشعب اللبناني الحق بأن يكون حرا وأن للولايات المتحدة وأوروبا مصلحة مشتركة في لبنان مستقل وديمقراطي". من هنا يتساءل المرء عن ماهية المصلحة أو المصالح المشتركة إذ لا نفط ولا سوق ولا ناقة ولا جمل يسيل له لعاب القوم، لنتفكر قليلا ولنجب بأعلى الصوت: "إسرائيل"! فهي المصلحة وهي الناقة والجمل!

الحرب إذا هي القادم الكبير لحماية الغرس الشرير إذ ستكون أرضها "من النهر إلى النهر" إذ وهم الحلم والواقع، لكن هل يتحقق هذا الحلم على أرض الواقع؟ نعم، نقولها بالفم المليان إذا ما ارتضينا أن ننام على وسادة من ريش نعامة دفنت رأسها في التراب وغبنا عن ساحة الشرفاء والكرام.

يثير البعض دعوة للانفصال والتشرذم لأنه برأيهم "انتهى زمن التلازم". نقول في هذا الشأن "أكلت يوم أكل الثور الأسود"، وعليكم أن تفهموا وتستيقظوا وتخرجوا رؤوسكم من التراب قبل أن تعود إلى التراب الأبدي

العدد 914 - الإثنين 07 مارس 2005م الموافق 26 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً