العدد 918 - الجمعة 11 مارس 2005م الموافق 30 محرم 1426هـ

المرأة والفئات المتزمتة!

ابراهيم عباس نتو comments [at] alwasatnews.com

اليوم العالمي للمرأة، الثامن من مارس/ آذار، أضحى يوما عالميا ولو أنه أخذ مجراه عبر السنين في صفة تدريجية؛ فلقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم بمسمى "يوم المرأة" في 8 من مارس 1917م في روسيا بعيد نجاح الثورة البلشفية في موسكو. وبعد مضي 60 عاما بالوفاء والتمام قامت الأمم المتحدة في 8 مارس 1977م بالدعوة إلى الاحتفال به كيوم أممي عالمي. كما كان من أوائل الفاعليات بعد انبلاج ثورة إيران في الثمانينات أن تظاهرت آلاف النساء في 8 مارس ،1979 بعيد نحو شهر واحد من بدء الثورة، في طهران يطالبن بحقوقهن. وفي 1995 انعقد في عاصمة الصين بكين المؤتمر العالمي الأول للمرأة.

ولأسباب تستدعي دراسات نفسية متعمقة، نجد أن بعض الجماعات المتعصبة لا تستسيغ الاحتفال بحال، ونجدها تؤكد بشيء من الخصوص على ممنوعية الاحتفال بأي من الأيام، ربما عدا عيدي الفطر والأضحى "وما أدري ماذا كان موقفهم تجاه قرار الحكومة السعودية فيما بعد عيد المحبة العالمي من هذا العام، بإقرار الاحتفال باليوم الوطني كعطلة ومناسبة وطنية يعطل فيها ويعوض عنها، بدءا بهذا العام 2005".

وهناك جماعات وجماعات مستشرية، منتشرة من كهوف قندهار شرقا، إلى مجاهل داكار غربا؛ تجدها وكأن جل شغلها وشاغلها "يبدو لقلة مشغوليتها، ولضعف تأهيلها لأداء أي عمل تنموي فاعل"، تجدها وتجد "دعاتها" يهيمون، وفي كل تل وواد يصيحون: "صل يا جورج"؛ "غطي وجهك يا مرة"، "حتى حينما وحيثما لا يصح الغطاء كما في الحج والعمرة"؛ "أبرز صك النكاح"... حتى ولو كان الشخصان في سترة ومصونة، وفي داخل مكنونية سيارتهما، اللهم إلا إن صادف حظهم أن كانت إشارة المرور لحظتها حمراء!

ثم تطور عندنا "الحجاب" من كونه غطاء الرأس أو لغطاء الشعر قصرا، حتى أصبح مطلوبا ليشمل الجبهة /الجبين؛ ثم تدريجيا تمادى لتغشية بقية الوجه، حتى "العجوز التي لا تشتهى"، فتساوت نساؤنا في "خانة" عدم الاشتهاء؛ بينما لو كانت المسألة مسألة إثارة واستثارة، لكان الرجل أولى بالحجاب من المرأة "ليس فقط لتساويهما كطرفي إثارة، ولكن على الأقل بناء على ما روجناه ونروجه عبر العصور من أن المرأة "ضعيفة" ناهيك أنها متولدة من مصدر اعوجاج أساسا؛ وأنها "المرأة" لا ولن ترقى إلى مستوى تماسك الرجل نفسه وإلى مستوى انضباطه ورباطة جأشه! وبالتالي فإن قابليتها للانزلاق في الإثارة والاستثارة تكون أكبر!

كل هذا وعشرات غيره، مضى ويمضي في مجتمعنا، والجماعات أعلاه تمضي في سلطويتها وتسلطها وفرز طاقاتها الكامنة القابعة على من هب ودب من مواطنينا ومواطناتنا. وهنا يلزم الاعتراف بأن تلك الجماعات، قبل وأثناء قيامها بما تقوم به من تسلط، تجدها متعاونة متحالفة في حلف حفي وخفي مع ذكور "العيلة"، رجال العائلة، إذ يتم بذلك التحالف الوثيق للجم وكبح وقيد المرأة، بدءا بالتعاون على طمس هويتها ومنعها حتى من اقتناء وحمل "بطاقة الهوية"!

وكان عدم حملها "بطاقة الهوية" ثاني اثنين وأحد سببين رئيسيين لا ثالث لهما - بحسب تصريحات سمو رئيس الهيئة العامة للانتخابات السعودية - لحجب النساء عن المشاركة كمواطنات في التصويت والمشاركة في الانتخابات المحلية - على رغم كون تلك المجالس هي بالكاد "نصفية"، بل أقل من نصفية إذا ما احتسب رئيس المجلس البلدي "رئيس البلدية - المعين، مثله مثل نصف المجلس الآخر المعين على كل حال".

ثم لك أن تذكر وتتذكر محدودية المرأة عندنا في حركتها، في حضرها وسفرها، في حضرها تجدها مربوطة بمعية وصحبة سواقها/ سائقها الأجنبي الذي "يقود لها" سيارتها ويقودها، ليلا ونهارا، في أرجاء المدينة وبين المدن، وفي أنحاء البلاد! وكذلك حين يتم تقييد حركتها في السفر؛ فهي لا بأس من أن "تسافر" إلى جميع أرجاء المعمورة، لوحدها أو مع زميلة لها أو حتى زميلها المسافر معها في الطائرة نفسها، طالما أنها تحمل تصريحا أملاه زوجها أو والدها أو حتى أخوها، أو ربما طفلها، بحسب سنها أو حالها الاجتماعية/ الزواجية!

وتجد كثيرا من أعضاء تلك "المجموعات" المتزمتة يتنوع و"يتفنن" في مدى التمادي في الغلو و"التكفير" و"الهجرة"، ومن عينات أولئك متبعو نهج سيئ السمعة، جالب العار لأهله وعشيرته الأقربين والمتسبب بالأذى للسعوديين أجمعين، صاحب "تورا بورا". ولقد كان آخر خبر "ونرجو أن يكون الخبر الأخير"، ذلك الذي جاء من الكويت حديثا، حينما أقدم المواطن "ع.ع." "عندي اسمه بالكامل الذي تم تداوله في شتى وسائل الإعلام" أنه بعد أن أتم حجة إلى مكة المكرمة قام بذبح إحدى بناته، هكذا ذبحا سحلا! تقربا إلى الله، لمجرد أنه "شك" في سلوك طفلته أثناء غيابه بالحج؛ فراحت تلك الفتاة، وهي في ربيعها الثالث عشر - وفي رواية الحادي عشر - "ضحية" لهذا العنف والعنفوان والهوان! "وعند القبض على ذلك "الأب" الجاني، صرح بأنه لو تمكن من بقية بناته لما تردد في ذبحهن أيضا، سعيا لدخول الجنة ونعيمها... وصونا لهن! فهل من مصيبة أو بلوى أصيب من هذا؟!

وفي "يوم المرأة العالمي"، 8 من مارس 2005م، جاء في صحيفة خليجية كبرى - موجزة ما نشرته صحيفة مشهورة تصدر في السعودية - خبر عنوانه بالخط العريض: "اعتقال سعوديين لإنقاذهم امرأة من البوليس الديني"، جاء فيه أن مجموعة من الرجال أخذت رهن الاعتقال لإقدامهم على محاولة إنقاذ مواطنة تبكي وتصيح بينما كان يسحبها عضو من "الهيئة"؛ وكان ذلك الحادث في مجمع سكني عام، فقام عدد من المتسوقين الرجال لنجدة المرأة التي كانت تصيح وتطلب العون للفكاك من الرجل - عضو الهيئة - الذي كان يسحبها بغلظة وعنف من عند أحد مداخل المجمع التجاري، وكان مصرا على المضي في "اعتقالها"، ويبدو أن "المطوع" هذا لاحظها بقرب باب سيارة فيها رجل بعدما دخلت المجمع التجاري مع صديقة لها؛ فقبض أيضا على ذلك الرجل، وخطف مفتاح سيارته، ما حدا بالمرأة إلى أن تجري لتلجأ عائدة إلى المجمع التجاري، فلحق بها وأمسكها وسحبها إلى سيارة الهيئة. أما ما كان من شأن أولئك الرجال الذين أقدموا على محاولة تخليص المرأة من سواعد "المطوع"، فقد تم القبض عليهم هم الآخرين، واقتيدوا ومعهم "الرجل الذي في السيارة" - للاستجواب؛ ثم ما لبث أن أطلق سراح المرأة!

كما ورد تصريح في المصدر نفسه عن امرأة كانت حاضرة الواقعة نفسها أن قالت، "حتى لو عملت تلك المرأة غلطا فإنه ليس من حق البوليس الديني هؤلاء اقتفاء أثر الناس و"البصبصة" عليهم، ناهيك عن "القبض" عليهم! وجاء عن سيدة أخرى، "في الإسلام، ليس من الصحيح أن تفضح أحدا أخطأ، وإنما من المناسب أن يتم نصحهم، وبصفة غير تشهيرية". وأردفت قائلة: "ثم، كيف حق لهؤلاء أن يقبضوا على أناس أقدموا على إسعاف تلك المرأة؟ ما جرم هؤلاء!؟" وأضافت السيدة، أن ليس من المناسب - ناهيك أن يكون من الحق - أن يلمس أحد امرأة، أو أن يمسك بها بيديه أبدا؛ وأضافت: "من أين استقى هؤلاء الحق للتعرض للنساء هكذا بالإمساك بهن جسمانيا؟!"

أحد حاضري الواقعة من الرجال علق قائلا: "إن دور "الهيئة" هو للمشورة والتوعية، وليس لها الحق في تقلد أو حتى تبني أدوار "السلطة" التنفيذية، ولا السلطة القضائية في البلاد".

ومع هذا وذاك، فإننا ومع حلول اليوم العالمي للمرأة، الثامن من مارس، نرجو لكل رجل "ولكل امرأة" الخير والسلامة والسلام على كل حال

العدد 918 - الجمعة 11 مارس 2005م الموافق 30 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً