العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ

"قانون الإرهاب" لن يعيد سيناريو حل البرلمان

عباس بوصفوان comments [at] alwasatnews.com

.

دعت الأمم المتحدة الدول الأعضاء فيها، من خلال القرار الدولي 1373 لسنة ،2001 إلى تبني حزمة من القوانين لمكافحة "الإرهاب". وتتضمن هذه الحزمة اثني عشر اتفاقا دوليا، فضلا عن اتفاقات أخرى أنجزتها المنظومات الإقليمية، ليصل عددها إلى نحو تسعة عشر. من بينها: اتفاق مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، واتفاق قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني، واتفاق الأمم المتحدة لمنع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبـــــة عليها، والاتفاق الدولي لمناهضة أخذ الرهائن، واتفاق الأمم المتحدة الدولي لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، واتفاق الأمم المتحدة الدولي لقمع تمويل الإرهاب، واتفاق جامعة الدول العربية لقمع الإرهاب، واتفاق منظمة المؤتمر الإسلامي لمحاربة الإرهاب الدولي... وغيرها من الاتفاقات.

وقد صدق مجلسا الشورى والنواب أخيرا على انضمام المملكة للاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الارهابية بالقنابل؛ الاتفاقة الدولي لقمع تمويل الارهاب، من دون جدل كبير في أوساط الرأي العام، فيما سجل بعض النواب تحفظه إزاء غموض مفهوم الارهاب، بيد أن الدستور البحريني لا يعطي المؤسسة التشريعية فرصة تعديل الاتفاقات الدولية، فله أن يقبلها أو يرفضها كما هي.

وسبق للبحرين أن وقعت أيضا على الاتفاق العربي لمكافحة الإرهاب، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي.

على أن المثير للقلق، تمثل في إحالة مجلس الوزراء، قبل أيام، مشروع قانون لمكافحة الارهاب، إلى المؤسسة التشريعية للتصديق عليه بصفة عاجلة. ومع أن صفة العجلة تحتاج إلى وقفة، فإن من المناسب نقاش ذلك في موقف آخر، لاعطاء أولوية لمضامين المشروع، الذي يفترض أن يلقى نقاشا عاما، بدل السكوت المريب الذي تمتاز به غرفتا البرلمان والجمعيات الحقوقية والسياسية والنقابية.

من الصعوبة أن يقتنع المراقب بحصافة العبارات الواردة في المشروع، المكون من نحو 35 مادة، بعضها يبدو متناقضا بشكل جلي مع مضامين حقوق الإنسان، التي يكفلها الدستور، والشرعة الدولية، ما يجعل ديباجة المشروع التي تتحدث عن أن القانون جاء في سياق مشاركة البحرين للتصدي الدولي لمكافحة الارهاب، محل جدل، لأسباب عدة، ذلك أن الشرعة الدولية لا تحصر الصراع مع الإرهاب في القوانين ذات الطابع الأمني.

كتبت مرات هنا بأن البحرين معرضة، كغيرها من الدول، لوقوع أعمال ارهابية، وأن الحاجة ماسة، اليوم قبل الغد، للتعاطي مع هذه الاشكالية المؤرقة بصورة أكثر جدية، تتفادى المعالجات الانتقائية، وربما الصيد في الماء العكر الذي تفوح منه بعض نصوص المشروع المقترح، الذي لا نختلف ربما على أن بعض مواده مهمة. من دون أي تردد، يمكن القول إن خطوات البحرين، مثلها مثل الكثير من الدول العربية، تركز أساسا على البعد الأمني، عبر توسيع صلاحيات المخابرات والنيابة العامة التي لا تحظى بالاستقلال أصلا، دون أن تعطي للأبعاد الأخرى أية أهمية. مع أن تقرير فريق الأمم المتحدة الذي كلف بعيد إرهاب الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ،2001 باعداد تقرير عن المسألة، حذر من انتهاك حقوق الانسان بدعوى محاربة الإرهاب.

هذا التقرير يسجل بوضوح أنه "على الرغم من أن الأعمال الإرهابية عادة ما ترتكبها مجموعات دون قومية أو مجموعات عبر وطنية، فقد لجأ حكام أيضا في شتى الأزمان إلى استخدام الرعب كأداة للسيطرة. ويمكن أن يستخدم عنوان مكافحة الإرهاب لتبرير الأفعال التي ترتكب لدعم خطط سياسية، مثل توطيد السلطة السياسية، والقضاء على المعارضين السياسيين، وحظر الانشقاق المشروع و/أو قمع مقاومة احتلال عسكري. فإلصاق تهمة الإرهاب بالمعارضين أو الخصوم تعتبر وسيلة لخلع صفة الشرعية عنهم وتحويلهم إلى شبه شياطين، وهي وسيلة أثبت طول استعمالها مدى جدواها. وينبغي للأمم المتحدة أن تحذر من تقديم غطاء أو مساندة تلقائية أو من أن يفهم أنها تقدم غطاء أو مساندة تلقائية لجميع التدابير المتخذة باسم مكافحة الإرهاب".

الخشية هنا، أن نصوص المشروع الذي اقترحته السلطات يستهدف فيما يستهدف قمع النشاط السياسي، حين يشير مثلا، في المادة "6" إلى أنه "يعاقب بالإعدام كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار، على خلاف أحكام القانون، جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة أو فرعا لإحداها، أو تولى زعامة أو قيادة فيها، يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون أو الإضرار بالوحدة الوطنية، إذا كان الإرهاب من الوسائل التي تستخدم في تحقيق أو تنفيذ الأغراض التي تدعو إليها الجمعية أو الهيئة أو المنظمة أو الجماعة أو العصابة أو أحد فروعها".

هذا النص يبدو مريبا، ووجود أداة الشرط فيه "إذا كان الإرهاب من الوسائل التي تستخدم..."، لن يخفف من القلق، في ضوء تصرفات الدولة التي اعتبرت خروج عدد من الشباب في ليلة رأس السنة "2003" عملا إرهابيا منظما، كما قال حينها رئيس جهاز الأمن الوطني عبدالعزيز عطية الله تحت قبة البرلمان.

كما يبدو صوغ المادة "10" في طور توسيع هامش المناورة أمام السلطات، إذا رغبت في معاقبة جهة أو شخص، وهي تنص على أنه "يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استغل الدين أو دور العبادة أو الأماكن العامة أو المناسبات الدينية في بث دعايات مثيرة أو أفكار متطرفة أو رفع لافتات أو وضع رسوم أو ملصقات أو صور أو شعارات أو رموز من شأنها إثارة الفتنة أو التحقير من الأديان السماوية أو رموزها أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو اضطراب الأمن أو النظام العام".

ويمكن بسهولة ملاحظة أن العبارات الواردة في النص مطاطة، ويمكن تأويلها بالطريقة التي ترتئيها السلطات، كما سبقت أن فعلت في أكثر من موقف، وربما يكون رفع شعار سياسي "دعايات مثيرة"، وانتقاد المؤسسة التنفيذية "أفكار متطرفة".

إن العجلة في نقاش موضوع حساس وخطير، ومحاولة تمريره لأن أغلبية حكومية موجودة في البرلمان، أمر لن يوفر المقومات اللازمة لقمع "الارهاب"، الذي يحتاج التعاطي معه إلى سياسة أشمل، من بينها "إقناع الفئات الساخطة بالعدول عن اعتناق الإرهاب وبعدم جدواه"، كما ورد في تقرير الأمم المتحدة، وهو ما يستدعي نقاشا علنيا وصريحا، يساهم في تفاهم البحرينيين على تعريف محدد أو شبه محدد للإرهاب، في ظل وجود جماعات نشطة سياسيا وتاريخيا، يمكن أن يوصم عملها بالارهابي، مع إتاحة الفرصة كاملة لدراسة "الخيم، والأشرطة" التي كان وزير الخارجية أشار إليها في أحد تصريحاته، وفتح المجال للإعلام للكشف عما يسمى البنى التحتية للفكر المتطرف الذي قد يكون موجود بين ظهرانينا... ذلك أن إصدار قانون، مهما كانت صوغه منضبطا، لن يفي بالحاجات الأساسية لمكافحة الارهاب.

على أن الوضع لا يدعو إلى التفاؤل، في ظل وجود حكومة محافظة، يدعمها برلمان أكثر محافظة، يشكك في أحقية الناس ومؤسسات المجتمع المدني في إبداء رأيها أمام القضايا المثارة. والمؤسف أكثر أن القانون أحيل إلى لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني، التي تسيطر عليها كتلة "المستقلين"، والتي أثبتت قدرة فائقة على تبني رؤى السلطة التنفيذية، والدفاع عنها أكثر مما يفعله أعضاء الحكومة. وهي على الأرجح ستكون ميالة، في هذه المرة أيضا، للبصم على مواد القانون، وإذا غيرت شيئا، فإن ذلك سيتم ضمن أجندة رسمية، التي قد لا تبخل، أحيانا، في إعطاء شي من الرصيد الباهت إلى لجنة لا يوجد في رصيدها الكثير مما يفرح الناس.

يمكن الجزم بأن المواجهة التي حدثت بين السلطة التنفيذية والمؤسسة التشريعية العام ،1975 بسبب إصرار الحكومة، حينها، على تمرير قانون أمن الدولة المقبور، لن يتكرر مع البرلمان الحالي، ذلك أنه، وبسبب غالبيته الموالية، يترفع عن الصدام في قضايا ثانوية مثل الحريات وحقوق الإنسان، وربما من غير المستبعد أنهس يوافق علي قانون أمن الدولة لو أعيد طرحه "حفاظا على التجربة الوليدة"، و"العلاقات الوطيدة مع الحكومة الرشيدة

العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً