العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ

وجبة سياسية مع قهوة الصباح

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

أنا أؤمن بأن الكتابة - في هذا الزمن - نوع من الشهادة واذا لم تكن منصفة قد تخوف الجميع. .. تخوف حتى الأطفال تماما مثل تماثيل صدام التي وضعوها في الساحات العامة لتخويف الأطفال... كذلك هي الكتابات تصبح كابوسا يخيم على صدر الوطن، وعلى رغم ذلك نقول ان الصحافة هي الرئة التي يتنفس من خلالها الناس... ويوم الأربعاء هو يوم انتهاء العمل لابد أن نشرب قهوة صباحية... نضحك فيها كل أسبوع على مهازل السياسة العربية - أحيانا ونحن نلج بوابة الكوميديا السوداء وتارة بالاستلقاء على ضفاف جرح التراجيديا... وكل أربعاء أحاول قدر المستطاع أن أبحر في عيون الأدب السياسي... عندما اغتالوا الشهيد رفيق الحريري تذكرت قصيدة نزار قباني التي رثى بها عبدالناصر قائلا:

قتلناك يا آخر الانبياء

سقيناك سم العروبة حتى شبعت

رميناك في نار عمان حتى احترقت

أريناك غدر العروبة حتى كفرت

لماذا ظهرت بأرض النقاق

لماذا ظهرت؟

أبا خالد... يا قصيدة شعر

تقال، فيخضر منها المداد

إلى أين؟ يا فارس الحلم تمضى...

وما الشوط... حين يموت الجواد؟

وراء الجنازة... سارت قريش

فهذا هشام... وهذا زياد

وهذا يريق الدموع عليك

وخنجره تحت ثوب الحداد.

البكاء البلاستيكي والدموع الخشبية معروفة في السياسة، وميكافيلي في كتابه "الأمير" علم الانسان كيف يبكي، ولأن السياسة فن الدجل وليست فن الممكن أصبح البكاء وظيفة ومهنة... وأقسى حالات يصل اليها الانسان عندما يستطيع ان يتحكم في دموعه بضغطة زر. قال الإمام علي "ع" "اذا اكتمل نفاق المرء تحكم في دموعه".

أما الجواهري صاحب قصيدة أخي جعفر... الذي كان يرتل "يا دجلة الخير يا أم البساتين" قال قصيدة في عبدالناصر:

أكبرت يومك ان يكون رثاء

الخالدون عهدتهم أحياء

الاستفادة من هذا الجمال الأدبي لماذا الانسان لا يعرف قيمته الا اذا رحل؟

وفي قصيدة لنزار قباني في بيروت "آخر عصفور يخرج من غرناطة"... كأنه يتحدث عن بيروت اليوم...

"بيروت أرملة العروبة.

والحواجز والطوائف والجريمة والجنون

بيروت تذبح في سرير زفافها

والناس حول سريرها متفرجون

بيروت

تنزف كالدجاجة في الطريق

فأين فر العاشقون"

كلنا نشهد بيروت تحترق اليوم ولا أحد يتحدث. الحل هو جلاء الحقيقة في اغتيال الحريري وذلك لا يكون الا بتكاتف الجميع. ذلك هو الجد ولكن دعونا نضحك في السياسة ولو قليلا... يقول أديب مصري ساخر:

"أروني بلدا كمصر لا يصاب فيه وزير بصداع أو بزكام وتنشر الصحافة خبر الصداع والزكام، مع الدعاء الى الله، الشافي المعافي، ان يعجل بشفاء الوزير المزكوم". ويقال ان وزيرا قام بقص الشريط لفتح مزرعة دواجن فتطاير الدجاج في كل مكان. سأل الوزير أحد الصحافيين... لماذا طار هذا الدجاج؟ فأجابه على الفور: الدجاج من الفرحة لتشريف الوزير.

مواطن - صورة غوار في كأسك يا وطن التي هي من تأليف الأديب محمد الماغوط - يكثر من التذمر والتشكي، فيعتقل. وفي طريقه الى السجن يقول الشرطي كل مصائبنا من الاستعمار.

وفي مكتب السجن، يفتح السجان ملفه ويقول له: انظر نعلم كل ما تقول وكل ما تفعل.

"تعلمون كل هذا عني، ولا تعلمون أني وأولادي ليس عندنا ما نأكل". اقول لو كل المخابرات العربية اوصلت الى الحكومات حقيقة ما هو موجود من معلومات دقيقة عن الفقر والجوع والبيوت الفقيرة لأصبح الوضع العربي أفضل... كذلك هي الصحافة لو تنقل حوادث وآلام الناس كما تنقل عن وعكة وعطسة الوزير لعلمت كل سلطة بما يعانيه الناس. تلك هي مشكلة العرب عدم المصارحة يختصرها الصحافي المصري عادل حمودة بالتعبيرات المضللة، فرفع سعر السلعة تطلق عليه تحريك الأسعار... والشركات الخاسرة توصف بالشركات المتعثرة... والكوليرا اسمها المهذب أمراض الصيف وصراع الوزراء وتناحرهم يسمونه الرأي والرأي الآخر والرشوة اسمها عمولة، لذلك كان الناس زمان يوجهون النداءات الى الحكومة تحت عنوان: "الى من يهمه الأمر". أما الآن فالناس يخاطبون الحكومة بعبارة: "إلى من لا يهمه الأمر". الآن اصبح الفساد شطارة... ويقال ان العرب تبعدهم الحياة وتوحدهم الجنائز.

ومن أجمل ما قرأت عن أزمة الجوع والفقر وغياب الرأي في العالم العربي هذه النكتة:

السياسة: سئل مصري، وسوداني وعراقي

- ما رأيك في أكل اللحمة؟

فأجاب المصري:

- يعني إيه "لحمة"؟

ورد السوداني:

- يعني إيه "أكل"؟

وقال العراقي:

- يعني إيه "رأي"؟

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً