العدد 2895 - الإثنين 09 أغسطس 2010م الموافق 28 شعبان 1431هـ

موقع العاطلين الجامعيين في رؤية البحرين الاقتصادية

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استحوذت مسألة العاطلين الجامعيين على اهتمام الجهات الرسمية والأهلية على حد سواء. فقد وجه مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 25 يوليو/ تموز الماضي الى ضرورة معالجة البطالة وتحقيق هدف جعل المواطن هو الخيار المفضل للتوظيف, خاصة بعد أن تجاوز عدد العاطلين الجامعيين أربعة آلاف عاطل ببروز ظاهرة ازدياد وتيرة تدحرج البطالة من أسفل الى فوق في سوق عمل متخم بالأجانب الذين باتوا يشكلون أكثر من 76 في المئة من حجم القوى العاملة, ويستحوذون على أغلب الوظائف ذات الدخل المرتفع التي يخلقها القطاع الخاص, كما حدث في العام الماضي حين استحوذ الأجانب على 96 في المئة من تلك الوظائف بحسب الاحصاءات الرسمية.

وفي العام 2008 تم تدشين الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين حتى العام 2030. وتأتي أهمية هذا الحدث لكونه تم في وقت يشهد فيه العالم انحساراً اقتصادياً لامست نتائجه اقتصاد البحرين على شكل عجز في الموازنة وفي ميزان المدفوعات ودين عام اقترب من الملياري دينار. وتكمن أهمية هذا الحدث أيضاً في تبني مملكة البحرين بنموذج التخطيط المستقبلي ما يعكس القناعة بضرورة التأمل والتفكير في طبيعة المجتمع الذي نطمح أن نعيش فيه مستقبلاً.

لقد ارتكزت الرؤية الاقتصادية على ثلاثة مبادئ وهي الاستدامة والتنافسية والعدالة. وللوقوف على مدى فاعلية تنفيذ البرامج والخطط المنفذة لهذه المبادئ وجب أولاً استعراض الأهداف وإسقاط مدلولاتها على واقعنا المعاش.

يهدف مبدأ الاستدامة الى تمكين القطاع الخاص من ادارة النشاط الاقتصادي واستخدام الموارد لتطوير رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب, وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى, وتشجيع الريادة والابتكار للمساهمة في التحول من اقتصاد يعتمد على النفط الى اقتصاد متعدد الأنشطة الاقتصادية.

ان تفعيل مبدأ الاستدامة يتطلب بنية تحتية تتمثل في إدارة حكومية فاعلة تطبق مبدأ المنافسة وخدمة الزبون وتحد من ظاهرة البيروقراطية والفساد, وتسعى الى تطبيق القوانين بصورة عادلة من خلال تطوير النظام القضائي لضمان عدالة وسرعة تسوية المنازعات, كما تعمل على إلغاء الازدواجية في الإدارة الحكومية كما هو حاصل بين «تمكين» ووزارة العمل, أو التداخل في المسؤليات كما هو حاصل في الخلط بين مفهوم التعليم والتدريب باستمرار هيكلة التعليم الصناعي في وزارة التربية والتعليم بالرغم من كونه فرعاً من فروع التدريب المهني. كما يتطلب تحقيق هذه الأهداف إصلاحاً إدارياً جاداً وشاملاً لا يلغي لأي من مكونات المجتمع دوره في التنمية وإلا اعتبر ذلك هدراً لرأس المال البشري الذي تسعى الرؤية الاقتصادية الى تنميته.

أما مبدأ التنافسية فيهدف الى زيادة الإنتاجيه لتحسين القدرة على المنافسة. ومن أجل بلورة هذا المبدأ الى واقع ملموس وجب خلق الكفاءات والمهارات المحلية ضمن استراتيجية وطنية جامعة. ونظراً للأهمية التي توليها الرؤية الاقتصادية لمبدأ التنافسية لا بد من الإشارة هنا الى أهمية توفر الآليات المنفذة على المستوى الوطني. فما دام الهدف هو الحصول على أفضل الكفاءات والمهارات اللازمة للتنمية الاقتصادية, فإن إتاحة الفرص للمنافسة أمام جميع المواطنين, والحد من ظاهرة المفاضلة الفئوية يصبح أمراً لازماً لنجاح رؤية البحرين الاقتصادية. لقد حددت الرؤية الاقتصادية الخطوات التي تحتاج الحكومة الى اتخاذها, ومن ضمن هذه الخطوات خلق الكفاءات البشرية القادرة على وضع سياسات واستراتيجيات ترتكز على رؤى مستقبلية في جميع المؤسسات الحكومية. وهذا يدعونا أيضاً الى وجوب التخلي عن كثير من الممارسات غير العقلانية, وتطبيق ما ندعو إليه من تنافسية من خلال تبني أدواتها المتعارف عليها والتي كثيراً ما تفتقر إليها جل مؤسساتنا.

من جهة أخرى فإن تمكين القطاع الخاص من إدارة النشاط الاقتصادي يتطلب توسيع قاعدة الحوافز وتسهيل اجراءات العمل الحكومي والتقليل من فرض الضرائب وخاصة تلك التي لا تعود بالنفع الملموس عليه كرسوم العمل والتدريب والتعطل التي لم تفلح في تزويده باحتياجاته من القوى العاملة الوطنية المدربة التي نصت الرؤية الاقتصادية على وجوب خلقها, فتبني الحكومة مسئولية التدريب نيابة عن القطاع الخاص من خلال تحصيل رسومه, وغياب التشريع الملزم للتدريب والإحلال يعني اعفاء القطاع الخاص من هذه المسئولية التي تعتبر جزءاً مكملاً من العمليات الإدارية لكل قطاع حسب تخصصه, وهذه السياسة تتقاطع ومبدأي الاستدامة والتنافسية, كما نراها ماثلة في تنامي ظاهرة انخفاض نسبة البحرنة الى أدنى مستوياتها (23 في المئة) وهيمنة الأجانب على الوظائف ذات الدخل المرتفع.

المبدأ الثالث في الرؤية الاقتصادية هو مبدأ العدالة. وحسب التعريف الوارد في الرؤية الاقتصادية فإنه يعني معاملة الجميع في المجتمع بموجب القانون وتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان وإعطاء الجميع فرصاً متكافئة, والالتزام بالشفافية وتوفير أجواء التنافس الحر والعادل في جميع المجالات سعياً وراء تحقيق هدف تحسين الإنتاجية وتشجيع الابتكار.

وفي هذا الجانب حددت الرؤية عدة طموحات على مستوى الاقتصاد لكي يعود نموه بمنافع على شعب البحرين, وعلى مستوى الحكومة لتكون أكثر كفاءة وفاعلية, وعلى مستوى المجتمع ليكون أكثر عدلاً وتكاتفاً وازدهاراً. وفي هذا المضمار يعتبر الالتزام بالقانون, واحترام الدستور, والتوزيع العادل للثروة أحد أهم المقومات اللازمة لتحقيق مبدأ العدالة وإحقاق دولة القانون. فالتفاوت الصارخ في المستوى المعيشي بين فئات المجتمع الذي تسببه سياسة عدم تكافؤ الفرص وسياسة المفاضلة السلبية تكفي لأن تجعل من تحقيق هذه الأهداف الجميلة, والأحلام الكبيرة أمراً بالغ الصعوبة. وكمثال على المعوقات التي تعترض سبيل صياغة مستقبلنا وفقاً للرؤية الاقتصادية وقوف بعض الجهات النافذة بصلابة ضد أية دعوة لسن قانون يحرم ممارسة التمييز بين أفراد المجتمع. فمثل هذا التوجه العنصري البغيض لا يقوض أسس المبادئ التي بنيت عليها الرؤية الاقتصادية فحسب بل يقوض كذلك مبادئ جوهرية تضمنها دستور المملكة.


تمكين المواطن

من الواضح ان الاستثمار في المعرفة المتجسدة في رأس المال البشري هو الهدف المبتغى من تبني الرؤية الاقتصادية. وقد عهد الى صندوق العمل (تمكين) الجزء الأكبر من تنفيذ هذه المسئولية, فخصصت لها ميزانية سنوية قدرها 52 مليون دينار لتنفيذ استراتيجية من ضمن برامجها دعم الاستثمار الأجنبي بتسهيل حصوله على التمويل وضمان جزء من القروض وتحسين انتاجية 2900 مؤسسة خاصة واستحداث 3600 وظيفة سنوياً. فما هو المردود الفعلي لهذه الاستراتيجية وهذه الميزانية الكبيرة على سياسة تمكين المواطن من تولي الوظائف ذات الدخل المرتفع في اتجاه توسيع قاعدة الطبقة الوسطى وفقاً لأهداف الرؤية الاقتصادية؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات تكمن في استعراضنا على سبيل المثال لهيكلة الوظائف في القطاع المصرفي، حيث تشير الإحصائيات الرسمية الى ارتفاع نسبة الأجانب في الوظائف العليا التخصصية من 46 في المئة في العام 2006 إلى 47.4 في المئة في العام 2009 وذلك في خطوة ارتدادية تحدث في وقت تتفاقم فيه أزمة العاطلين الجامعيين من مختلف التخصصات والجامعات مما حدا بوزير العمل للتصريح, على هامش معرض الوظائف السادس, بأن ملف العاطلين الجامعيين أصبح مشكلة حقيقية.

إن تطبيق المبادئ الثلاثة لرؤية البحرين الاستراتيجية تتطلب أولاً تغييراً في السياسات والسلوكيات التي يجب أن تبنى على اسس وطنية لأننا نسعى ونخطط لبناء وطن يتنافس الجميع فيه على تنميته لا على إفراغه من مضمونه.

وإلى ان يقتنع الجميع بضرورة هذا النمط من التغيير ستستمر خريجة الجامعة كوثرعبد الأمير رمزاً للآلاف من أمثالها الخريجين, تبيع قناني الماء أمام المرفأ المالي في المنامة لحين إزالة الغشاوة عن الرؤية وعن القلوب والأبصار.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2895 - الإثنين 09 أغسطس 2010م الموافق 28 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:56 ص

      ما اقول إلا خله يشوفون حل لتميز التوظيف بوزارة التربية

      المفروض يشوفون حل للتميز في وزارة التربية ووزارات الدولة الاخرى وعلى رأسها التنمية والمركز المعلوماتي ... وغيرها من الوزارات
      وبعدين بكون موقع للعاطلين في 2030
      اين تحرك الوزارات في توظيف كوثر ... الى الان عاطلة ... وزارة العمل نزلت خبر كاذب انها وظفت كوثر ولكن خبر عار عن الصحة .

    • زائر 2 | 4:08 ص

      وينا انوصل ليها الواقع بعييييد جدا

      معاملة الجميع في المجتمع بموجب القانون وتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان وإعطاء الجميع فرصاً متكافئة, والالتزام بالشفافية وتوفير أجواء التنافس الحر والعادل في جميع المجالات سعياً وراء تحقيق هدف تحسين الإنتاجية وتشجيع الابتكار. واضح جدا تكافؤ الفرص ، الوزراء وكبار المسؤولين من العائلة الكريمة ، الوكلاء والمدراء والوظائف العليا من طائفة مرضي عنها ، الكيشرية والمدرسين والمنظفين والباعة والحمالية والي ايسفطون السمك من الطائفة المغضوب عليها .

    • زائر 1 | 3:34 ص

      ولي الامر وطاعته

      اوامر وقرارات من الملك وسمو رئيس الوزراء لحلحة مشكلة البطاله ولاكن من من المسؤلين يطيع ولي الامر

اقرأ ايضاً