العدد 952 - الخميس 14 أبريل 2005م الموافق 05 ربيع الاول 1426هـ

الشباب والكوكبة... من يوقف عجلات العولمة عن الدوران؟

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الشباب مرحلة عمرية تتسم بالعنفوان والتمرد ورفض الهيمنة والوصاية، إلى جانب السمات الأخرى الايجابية من روح الانطلاق وسرعة التغير، بيد أن الأسئلة التي يطرحها الشباب تعبيرا عن "قمع" الكبار لطموحاتهم تعطي إيحاء بأن هناك هيمنة مطلقة من الكبار على الشباب، أو "قمعا" ووصاية ولجم انطلاقة الشباب.

ولو تأملنا مضامين أسئلة الشباب لعالم ومنتديات الكبار فإنها تتعمد إطلاق الأحكام المطلقة التي تخدم مصلحة طارحيها "الشباب"، على رغم أن الحال الإنسانية والاجتماعية لا تتسم بالمطلقية وإنما هي نسبية، وإن كان رجحان السائد من القيم في النسبة السلبية أكثر من الإيجاب في الشأن الشبابي.

إن هذه الأسئلة تندرج ضمن العلاقة بين الشباب وأسرهم، وهي العلاقة التي تحكمها من قبل الكبار حال من القلق المشروع على مستقبل أبنائهم في عالم مضطرب، وهو القلق الذي تستشف منه وجود قناعة خفية بعجز الشباب عن اتخاذ القرارات الصحيحة أو التوصل إلى الأحكام الصائبة في المواقف الاجتماعية أو الحياتية أو السياسية.

إن تفكيك العبارة السابقة سيؤدي بلاشك إلى تركيز الاتهام لأحد طرفي العلاقة، فإذا اتفقنا أن هناك قلقا لدى الكبار وإن هذا القلق نابع من قناعة خفية بعجز الشباب عن اتخاذ القرارات، فهذا يعني أن هذا العجز هو عجز لا إرادي، الشباب هم ضحاياه وليسوا مقترفيه، لأنهم لم ولن يعلموا كيف يتوصلون للأحكام الصائبة أو يتخذون القرارات الصحيحة، وبهذا تكون الأسرة "الكبار" هي المسئولة عن العجز، وبالتالي فهي في موضع التحدي إلى جانب موضع الاتهام.

إن الجواب الجاهز لدى الكبار لمواجهة هذا الاتهام هو أن سبب هذا القلق والقناعة بعجز الشباب هو قدر إنساني مرتبط بنزعة الحب والتضحية لدى الآباء، ونزعة حماية أبنائهم من احتمالات الضلالة الممكنة، بيد أن هذا الجواب لا يحمل المنطق العقلاني لإقناع الشباب، لانه محشو بالعاطفة، ولذلك لابد من أن يترافق مع الجواب العاطفي جواب عقلاني، يدعمه ولا ينفيه، باعتبار أن الكبار إذا ما تمكنوا من حماية أبنائهم من المخاطر الخارجية، فانهم لا يستطيعون حمايتهم من أنفسهم، ومن اختياراتهم الخاصة وقناعاتهم السافرة والخفية.


هوية الشباب في ظل الكوكبة

في دراسات كثيرة عن الشباب، طرح الباحثون الكثير من التحليلات والحلول، ومنهم الباحث محمد جواد رضا الذي قدم رؤية موضوعية في ندوة الأسرة والشباب التي أقيمت في البحرين في مايو/ أيار 1002، فحلل العبارة السابقة إلى عناصرها الأصلية مركزا على خوف الأسرة من ذهاب الهوية أمام الغزو الثقافي الذي تجلبه الكوكبة، والممارسة التربوية العاجزة عن تزويد الشباب القدرات المعرفية والآليات الأدائية، إضافة إلى التربية التي تعتمد على الأخلاقيات الوعظية. وزبدة أفكار هذا الباحث تتمثل في ضرورة أن تتحول التربية تجاه الشباب نحو التكيف الإيجابي مع حضارة القرن الحادي والعشرين بحيث تكون مع مدى في الرؤية تؤدي إلى فتح عيون الشباب على أسباب التغيرات التي يشهدها العالم وفهم مناهج التفكير لدى الشعوب والثقافات الأخرى، بدلا من الهجوم على الكوكبة وتخويف الشباب من نتائجها.

إن هذا الأسلوب لتأسيس الوعي الإيجابي لدى الشباب سيعفيهم من معاناة الخوف من الغزو الثقافي والخوف على الهوية، حينها سيكتشف الشاب نفسه أن الهوية لا "تمنح" ولا "تستلب" ولكنها "تحدث" و"تتغير" عندما تتغير الظروف المادية والأخلاقية للناس.

يعتقد الباحث أنه عند هذا المفصل تصل الأسرة إلى قناعة بأنه في ظل الانكشاف الكبير والانفتاح الواسع عبر الوسائل الإعلامية والمعلوماتية والاتصالات، فإن حصانة وحماية الثقافة "الخالصة!" تصبح من المهمات المستحيلة، ويصبح الشاب سيد قدره، لا الأمهات ولا الآباء ولا الدولة. لا أحد يستطيع أن يرسم للفرد طريق اختياراته، ثقافية أم مهنية أم عاطفية إلا هو، ولذلك يؤكد الباحث انه في ظل هكذا تحولات فإن لم يكن قد درب الشاب على الاختيار الصائب فإنه سيكون صيدا سهلا لعصف التحولات، صيدا للتطرف الديني أو الفهم الجامد الذي يدفعه نحو حماية الذات والهوية عبر الانغلاق ورفض الانفتاح الثقافي بل والهجوم على الثقافات والحضارات الأخرى، أو صيدا سهلا للاغتراب والابتعاد عن الهوية والانجذاب الكامل للثقافة الأخرى بكل مكوناتها، وهو انحياز متطرف أيضا. والسؤال: كيف نحقق أو نصيغ هذه المعادلة؟


الشباب بين ثقافة الوعظ وثقافة الشك

أعتقد بأن العلاقة الوعظية التي مازالت سائدة بين الكبار "الوالدين، الأسرة، الدولة، التعليم، المسجد، المأتم، رجال الدين، الاحزاب... الخ" وبين الشاب قد أثبتت عدم قدرتها على إنتاج عقل مبدع ناقد مدرب متمكن من الاختيار الواعي من دون ضرر، وانما أفرزت تلك التربية شريحة شبابية محافظة رافضة المشاركة الايجابية مع الكوكبة، المقادة من دون وعي نقدي إلى مرجعيات هي بالضرورة كبيرة السن، وبالتالي مختلفة في بنية تفكيرها وأطروحاتها عن متطلبات الشباب الراهنة والمستقبلية. وكذا الحال بالنسبة إلى الرافضين بالمطلق للكوكبة من أبعاد أيديولوجية، إذ يرون في الكوكبة فقط بعدها المتوحش باعتبارها امتدادا للرأسمالية، فإذا بالمرجعيات المؤدلجة توجه قواعدها التابعة المنقادة من دون وعي نقدي نحو التطرف اليساري تحت شعارات إنسانية جميلة ولكن غير واقعية، فتخلق شرائح شبابية رافضة أيضا بدلا أن تكون مشاركة فيها بعد تدريب وتأهيل يمكنانها من الاختيار. إن شعار الواثق من نفسه وقدراته "النقد والحوار، التمكين، ومن ثم الاختيار"، وهو صمام الأمان لمواجهة استحقاقات المستقبل.

والباحث محمد جواد رضا وفق حينما حلل ثقافة الوعظ الموجهة للشباب والتي تخلق التناقض بين الشاب وطموحاته ورغباته وبين الكبار، ذلك أن إشكال ثقافة الوعظ إنها تعتمد على التلقين الذي يلغي فاعلية العقل في تحليل الحكم الأخلاقي، كما ان ثقافة الوعظ تعتمد على وقوفها عند حدود التبشير بالفضيلة الأخلاقية من دون أن تتمكن من ملء هذه الفضيلة بدلالات عملية وعقلانية.

إن هذا الانتقاد لثقافة الوعظ لا يعني بتاتا أن الوعظ غير مفيد ولكنه غير كاف لوحده، بل قد ينقلب إلى ثقافة ضارة إذا ما تم فصله وعدم ربطه بثقافة الجدل والحوار والشك الذي يوصل إلى يقين.


الشباب والكوكبة

ومن الرؤى الجميلة والعميقة في شأن العلاقة بين الشباب والكوكبة، رؤية الباحث مصطفى حجازي، إذ يؤكد أن الحكمة القائلة بأن "أولادكم ليسوا لكم، أولادكم هم أبناء الحياة، انهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، هي حكمة تنطبق على عصرنا الراهن أكثر من كل العصور الماضية، فالكوكبة هي حضارة الشباب بدءا من استهلاك منتجاتها والانخراط في توجهاتها وانتهاء بقيادة عملياتها وأنشطتها، ذلك أن الكوكبة ترتكز على حماسة الشباب وحيويتهم ومغامراتهم، أما خبرة الكبار وحكمة الشيوخ فعلى رغم ما تحظى به من احترام لم تعد المرجع الرئيسي.

ينطلق حجازي كعادته دائما من تشخيص لواقع راهن عبر رؤية استشرافية للمستقبل، لذلك يبحث دائما عن متغيرات موضوعية محلية أو خارجية تدفع الواقع نحو الأمام. ويركز في تحليله لعلاقة الشباب بالكوكبة من حيث هي تقنية وقيم وسلوكيات ومن ثم موقف، ومدى بروز التعارضات والأضداد مع ذويهم. ويرى حجازي أن شباب اليوم يشدهم الكوكبة إلى فرصها وطموحاتها وآفاقها المذهلة والمدهشة والواعدة، أما الكبار فيجهدون للحفاظ على أبنائهم وارتباطهم بهم واستمرارية رعايتهم، ومن جانب آخر تجهد على أن "توطن" ذاتها للقبول بانطلاقة الشباب في عالم الكوكبة.

إن تغيرات العلاقة بين الأسرة والأبناء، أخذت تتحول من علاقة عمودية إلى علاقة أفقية، وبدلا من أن يحاول الشباب التحرر والتمرد، تحاول الأسرة التعود لاحتياجاتهم ومجاراة تحررهم من دون أن تترك لهم الحرية الكاملة في ذلك.

أن أهم نتائج هذه التحولات فقدان الأسرة كمرجعية تلقائية، بل أن الدولة في طريقها أن تفقد مرجعيتها الجبرية، وكذا الحال ستعمل الكوكبة على أن يفقد رجال الدين غير المستوعبين لضرورة المرونة واستيعاب متطلبات المستقبل مرجعياتهم للشباب.

إن أهم آليات الكوكبة التي تتحدى هذه المرجعيات هي شبكة الانترنت التي خلقت عالما الكترونيا يتجاوز العالم الواقعي الطبيعي، عالما يمكن لأي راغب أن يكون مواطنا كونيا، ولباحثنا مصطفى حجازي رؤية عميقة، إذ يعتقد بأن هذه المواطنية الكونية الجديدة هي بصدد تنميط الأذواق والتفضيلات والتوجهات من خلال مفاهيمها ولغتها ومصطلحاتها وشاراتها ورموزها، ما يولد نظرة جديدة إلى الوجود في العالم، وإلى النظرة إلى العالم والذات.

إن هذا العالم الالكتروني التواصلي يكاد يلغي المدنية كمرجعية ومجال حيوي للتحرك والنشاط وقضاء الحاجات، فالكوكبة هنا نسفت الديمومة ومرجعية التاريخ والماضي، الكوكبة تدير ظهرها إلى الماضي والتاريخ وتتوجه بإصرار قطعي نحو المستقبل، الأمر الذي يعني أن أكبر الامتيازات لدى الكبار "وهو خبرتهم وثروتهم لمرجعية التاريخ والماضي والتي يحاولون فرضها على الشباب" قد أخذت العولمة تسحبه من تحت أقدامهم.

بيد أن الأخطر من كل هذا وذاك هو قدرة الكوكبة على نسف الزمان والمكان التقليديين، وبالتالي نسف الهوية بالمعنى التراثي كي تحل محلها هوية الإنجاز المستقبلي، وفي اعتقاد حجازي ان هذا يعني إحلال الفردية المنجزة محل الفردية المنتمية، ما يعني كمحصلة أن من يحاول أن يمارس مع الشباب الفعل والتأثير التقليدي "الثوروي السبعيني أو التراثي التسعيني" فهو يحرث في بحر ويناطح السماء، ذلك أن الكوكبة قد أخذت تحرر الشباب من كل أنواع الماضي، التراثي بأفكاره ومتطلباته واليساري التقليدي بمؤسساته "الشبابية!" التقليدية المؤدلجة. وعلى رغم المحاولات المضنية في هذا المضمار إلا إنها في اعتقادي محاولات لن تثمر سوى المزيد من إضاعة الجهود والطاقات والوقت، ذلك أن الكوكبة بقيمها وسلوكياتها ومتطلباتها ستستفرد بالشباب وتحرره من كل هذه القيود لتضعهم أمام تحدي بناء كيانهم المستقبلي مهنيا ونفسيا واجتماعيا.


تغيير العلاقة بين الكبار والشباب

ومن جانب آخر، وهو الجانب المهم والمطلوب تتبع مساراته، فإن كل هذه المتغيرات قد أدت إلى تغيير العلاقة بين الكبار والشباب، من علاقة كانت سائدة - ومازالت بقاياها موجودة - تتمثل بالعلاقة الفوقية العمودية إلى علاقة أفقية، أي من علاقة مرجعية ووصاية إلى علاقة تكافؤ وشراكة وتشاور وتحاور. وبحسب رؤية الباحث مصطفى حجازي، فإن الكوكبة أدخلتنا في حال من الديمقراطية الجديدة، فبعد أن كان الوالدان هما اللذان يرعين الأبناء في تجاه تواصلي أحادي "من فوق إلى تحت" أصبحت الرعاية متبادلة "في اتجاهين وبشكل أفقي" ولو أن كل طرف يرعى الآخر في جانب مختلف.

والمحصلة النهائية هي أن هناك تحولا اجتماعيا عميقا يجري بهدوء، ولكن بشكل مؤكد في علاقة الكبار بالشباب، وان إقحام عامل جديد كالكوكبة في هذه العلاقة قد أدى إلى إضعاف دلالة الأسئلة ذات الأحكام المسبقة مثل: لماذا وصاية الكبار على الشباب؟ ولماذا تهيمن مرجعية الكبير على الشاب؟ الأمر الذي يفرض علينا إعادة الأسئلة من لماذا؟ إلى هل؟ أي من أسئلة حدية إلى أسئلة مفتوحة على فضاءات واحتمالات كثيرة.

بيد أن هناك ظاهرة مازالت تعرقل صحة مقولات الباحثين في الشأن الشبابي الذين يراهنون على الكوكبة باعتبارها عاملا ثوريا يقلب الموازين بين الكبار والشباب، والتي تتمثل في مدى تأثير قيم الكوكبة المنفتحة والمتحررة على جميع شرائح الشباب من دون استثناء أو مدى قدرة الموروث والتراث والمرجعيات التقليدية التي لها تأثيرها الإيديولوجي والعقائدي على شريحة من الشباب في تقليم أظافر الكوكبة أو ترويضها لصالح المرجعيات؟ خصوصا وان بعض التقديرات توضح أن 02 في المئة فقط من الشباب وهم النخبة الذين يتاح لهم فرص الانطلاق والاستفادة من إنجازات الكوكبة، وبالتالي فان الغالبية العظمى منهم مازالوا مهمشين، وعلى رغم أن المؤشرات الأولية غير المعتمدة على دراسات ميدانية أو قاعدة معلومات حديثة وصحيحة تكشف أن خصوصية مجتمعات الخليج من حيث انفتاحها على عالم الكوكبة وتقنياتها قد فتحت المجال حتى لهؤلاء الشباب المهمشين من الانخراط في شبكة الانترنت والاستفادة منها. واعتقد أن دراسة هذه الظاهرة بحاجة إلى إطار عام نظري مختلف وبيانات جديدة حتى نتمكن من استقراء الواقع واستخراج النتائج.


الانترنت كمؤشر للكوكبة

تعتبر نسب توغل شبكة الانترنت في المجتمعات مؤشرا مهما وكميا على انفتاح المجتمع وتأثره بالكوكبة، وتعتبر دول مجلس التعاون من المجتمعات الضعيفة من حيث نسب توغل الانترنت فيها. وإذ تحتل الدول الاسكندنافية المرتبة الأولى عالميا من حيث انتشار الانترنت إذ تزيد عن 06 في المئة، فان دول مجلس التعاون تتراوح النسبة بين 03 في المئة في دولة الإمارات و8 في المئة في السعودية. والجدول الآتي يوضح هذه النسب وعدد مستخدمي الانترنت للعام 3002م

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 952 - الخميس 14 أبريل 2005م الموافق 05 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً