العدد 952 - الخميس 14 أبريل 2005م الموافق 05 ربيع الاول 1426هـ

نحو قراءة تصالحية لتاريخ البحرين

حسن صالح سيد مرزوق comments [at] alwasatnews.com

-

بينما كنت في مكتبة الجامعة، لفت نظري أن أستاذ التاريخ يقتني كتابا يتحدث عن البحرين في فترة من فتراتها الحرجة، وكان مؤلف الكتاب أحد المحسوبين على المعارضة، وبالتالي فهو سرد وتحليل تاريخي بعيون معارضة. ولذلك تعجبت من الأستاذ الذي لا يبدو من ظاهره أنه من المهتمين بمثل هذه الكتب، فكيف يقتني مثل هذا الكتاب الذي قد يعرضه للمساءلة؟ ولكن يبدو أن الأستاذ يؤمن بفكرة رائعة مفادها أن التاريخ يحتاج إلى قراءات متنوعة أحيانا حتى يمكن التعرف على حقيقته أو على الأقل شيء منها.

إن الحقيقة التاريخية واحدة ولا شك، ولكن الأمر غير المشكوك فيه أيضا أن هذه الحقيقة قد يشوبها شيء من الضباب بفعل الميول الفكرية أو العاطفية أو غيرهما لدى هذا الطرف أو ذاك، ولذلك كان من الأفضل السعي إلى تحري الكتابات كافة للوصول إلى الحقيقة التاريخية.

وقد تنوعت واختلفت الكتابات بشأن تاريخ البحرين، تبعا لاختلاف شخصيات المؤلفين وميولهم، ويمكن تصنيف هذه الكتابات إلى ثلاث فئات.

الفئة الأولى تناولت تاريخ البحرين بعيون الحكم، وحاولت سرد التاريخ بما يتوافق مع اتجاه السلطة، مع غض الطرف عن أي وجهة نظر أخرى.

الفئة الثانية سعت إلى طرح رؤيتها وقراءتها لتاريخ البحرين بعيون معارضة، تبرر اتخاذ الموقف المعارض وتسعى إلى تجذير حال المعارضة وإعطائها الرصيد التاريخي الذي تحتاج إليه.

وهناك فئة ثالثة لا تنتمي إلى الفئتين، أي الكتابات المحايدة التي لا تسعى إلى الاقتراب من السلطة، وليس لها اتصال أو تقارب مع الطرف المعارض، فهي تسعى إلى الحصول على الحقيقة التاريخية ما أمكن.

وقد نشطت كتابات الفئتين الأولى والثانية فترة قبل الميثاق، أو على الأقل لاقت رواجا واهتماما، بحكم سوء العلاقة بين السلطة والمعارضة، فكان كل طرف يسعى إلى تبرير مواقفه اعتمادا على التاريخ الطويل الذي جمع بينهما في مواقع عدة. أما في فترة ما بعد الميثاق، التي تتميز بشيء من الحرية غير المعهودة سابقا، فإن تاريخ البحرين يحتاج إلى الكتابة التي تنتمي إلى الفئة الثالثة، والتي تسعى إلى قراءة الحقائق التاريخية بعيون محايدة ومنصفة، حبا في التعرف على الحقيقة التاريخية فحسب.

إن بإمكان مثل هذه الكتابات أن تؤسس تاريخا يمتلك من الصدقية ما يفوق الكتابات الأخرى، وذلك لاستقلالها وموضوعيتها التي تؤهلها لخوض التاريخ وتقليب صفحاته بعين باحثة عن الحقيقة وقلب لا يحب هذا ولا يكره ذاك. والتركيز على مثل هذه الكتابات ليس الهدف منه إبراز التاريخ المليء بالتصدعات والصراعات، وإنما يجب أن يهدف إلى إبراز الجوانب المغيبة أو الجوانب التي سادها الضباب بفعل التصورات والميول التي أضفتها طبيعة المرحلة الصعبة.

هناك بعض القضايا التي لا تحمل في طياتها أي إيحاءات سلبية، ولكن لأن العلاقة كانت مضطربة، فإن هذه القضايا قد تعطى وتلبس إيحاءات أخرى لا تتحملها، ولذلك فإن وظيفة مثل هذه الكتابات هي السعي إلى قراءة التاريخ بعيون تصالحية، ترى أن من واجبها إبراز الجوانب التي تعمق العلاقة بين الطرفين وتزيل الكثير من الإيحاءات غير الصحيحة التي نجمت عن سوء العلاقة السابقة.

إن هناك بعض القضايا التي حملت بعض المدلولات التي من الممكن إزالتها بقراءة تصالحية لا تميل نحو هذا الطرف أو ذاك، وكنموذج لهذه القضايا مصطلح "الفتح" الذي كانت بعض أطياف المعارضة تضرب على وتره في إشارة إلى السلطة الحاكمة التي وصلت إلى الحكم عن طريق "الفتح"، وقد أخذت هذه الأطياف تركز على هذا المفهوم كسمة من السمات السلبية التي تنسب إلى السلطة الحاكمة ، حتى ان البعض منهم أخذ يتساءل: هل كانت البحرين غير مسلمة حتى يتم فتحها؟

إن مثل هذه النظرة للأمور التاريخية تحتاج إلى قراءة تصالحية، فمصطلح الفتح يعني الاستيلاء بالقوة، ولا يعني بالضرورة أن يكون أهل البلد المفتوح غير مسلمين، فالشيخ يوسف البحراني مثلا يذكر استيلاء الصفويين على البحرين في بعض الفترات التاريخية "بالفتح"، فهل يقصد الشيخ بذلك أن أهل البحرين كانوا على غير دين الإسلام؟

وفي المقابل، فإن أهل البحرين مواطنون مخلصون وإن استعانوا بالأجنبي في بعض مقاطع التاريخ. فقد استعانوا بالبريطانيين للحصول على بعض حقوقهم المسلوبة كما استعان حكامهم بالبريطانيين والعمانيين والوهابيين، ورفع الشيخ محمد بن خليفة علم الفرس وعلم العثمانيين في قلعة واحدة وفي آن واحد حتى إذا هاجمته إحدى الدولتين استنجد بالثانية عليها. فالاستعانة بالأجنبي مارسها الحاكم كما مارسها المحكوم، وكانت إحدى الوسائل المتبعة حينها. فكما أن الفتح - غير المقبول في هذا العصر - كان أحد وسائل الوصول إلى السلطة، كانت الاستعانة بالأجنبي - غير المقبولة أيضا - إحدى وسائل الخلاص من صاحب السلطة أو على الأقل نيل بعض الحقوق منه.

إن مثل هذا التناول للقضايا التاريخية هو ما نقصده بالنظرة التصالحية في قراءة تاريخ البحرين، ونحسب أن تاريخ البحرين الحديث والمعاصر فيه الكثير من القضايا التي تحتاج إلى قراءة تصالحية تستعيد الحقيقة التي غابت في بعض الثنايا وتسعى من وراء البحث عن الحقيقة إلى سيادة الروح التصالحية في قراءة تاريخ البحرين حتى يؤسس هذا التاريخ لحاضر ومستقبل متصالح، ويبدو أن هذا ما كان يصبو إليه أستاذ التاريخ.

* كاتب بحريني

العدد 952 - الخميس 14 أبريل 2005م الموافق 05 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً