العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ

أخطر مظاهر التخلف في الإنجاز العلمي

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

يوم الأحد قبل الماضي، العاشر من هذا الشهر كنت في الرياض، العاصمة السعودية، وكانت المناسبة توزيع الجوائز على مستحقيها الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية في التخصصات المعلنة لهذا العام، وهي كما يعرف كثيرون في الدراسات الإسلامية والأدب العربي والطب والعلوم.

عندما تكون في الرياض في هذه الفترة وأجندة الدولة مزدحمة بعدد من القضايا، تبرز على السطح الإعلامي مشكلات الإرهاب، وهو أمر بالتأكيد يحتاج إلى نظرة فاحصة، إلا ان الأجندة لا تقتصر على ذلك، فهناك تغيير يحدث في نسيج المجتمع السعودي يلاحظه المراقب، في ذلك الأسبوع، نشرت أسماء مجلس الشورى الموسع، وكان الحديث عن توسعة اختصاصات المجلس أكثر جذبا للمناقشة من زيادة العدد، كما أن سلسلة الانتخابات البلدية تسير بوتيرتها التي قررت من قبل، فتجد صور المرشحين وبرامجهم الانتخابية الطموحة تصافح عينيك كل صباح في الصحف، وتسمع التعليقات عن نظام الانتخاب، مدى قصوره أو الرغبة في ترقيته من رجال قريبين من سلطة القرار، وتطلع على مشروع جامعة الملك فيصل الجديدة للتقنية والعلوم، فترى كيف ابتكر للتعليم المشترك طرق تؤدي إلى استخدام الموارد استخداما رشيدا. فهناك إذا حيوية جديدة نابعة من رغبة حقيقية في الإصلاح والتطوير، لم تكن المرأة السعودية بعيدة عن هذا التيار الجديد.

هناك طبعا مقاومة للتطوير تتخذ أشكالا مختلفة بعضها عاصف، ومنها الإرهاب الذي يبني أجندته على سحب المجتمع إلى الخلف، بإبقاء الحال على ما هو عليه من دون النظر إلى أن العالم يتطور والمجتمع ينضج، وتتدفق المئات من الآلاف من القوى البشرية اليافعة من مخارج مؤسسات التعليم الداخلية والخارجية بحثا عن فرص عمل وحياة جديدة.

جائزة الملك فيصل العالمية تقترب من عامها الثلاثين، وهي في مسيرتها الطويلة قدمت زادا ثقافيا غزيرا للمجتمع العالمي والثقافي السعودي، فيطلب عادة من الفائزين إلقاء عدد من المحاضرات على الجمهور المتخصص في مجالات الفائزين، وهذا العام لم يكن استثناء، فبجانب القضايا العلمية والطبية التي طرحت، كانت هناك محاضرة ألقتها الفائزة بالجائزة في الدراسات الإسلامية كارول هيلين براون، بعنوان "ردة فعل المسلمين على أول حملة صليبية". واضح أن المتخصصة قررت أن تقدم العلم والبحث العلمي على أي تقديم آخر، فجاء موقفها منصفا بعيدا عن التحيز، نحتاج جميعا أن نتفهم ما حصل في السابق لنفهم حوادث اليوم.

إلا أن اللافت في مسيرة جائزة الملك فيصل العالمية، كما في جوائز أخرى، أن هناك نقصا بالغ العمق في البحث العلمي العربي، في كل توجهاته ومجالاته الحديثة، ولا أدل على ذلك إلا الحقيقة المعلنة هذا العام، بأن الأعمال المرشحة في الأدب العربي، وبعد طول مسيرة، لم ترق إلى ما وضعته شروط الجائزة، فحجبت الجائزة لهذا العام، وكانت مخصصة للدراسات التي تناولت النثر العربي في القرنين الرابع والخامس الهجريين، وهو أمر ملفت أن تحجب جائزة "الأدب العربي في هذا المجال" لأن من تقدم لم يكن ذا سوية تليق بالشروط، في موضوع من المفترض أن يكون قريبا إلى قلب المثقف العربي.

أما إذا وسعنا الدائرة، واستعرضنا الجدول الذي نشر لمتلقي الجائزة على مر السنين السبع والعشرين، في صحيفة "الوطن" السعودية يوم الاحتفال، فإن المراقب لا يستطيع الا أن يلحظ المفارقة الواضحة، وهي أنه على رغم حصول 174 شخصا على الجائزة من 37 دولة حول العالم، فإن حظ العرب، وأكاد أقول المسلمين، في مجالات الطب والعلوم هو صفر، ومجمل من حصل على الجائزة في هذين المضمارين هم من الدول المتقدمة على رأسها بريطانيا والولايات المتحدة. تلك الملاحظة تأخذنا إلى النظر في نقص قدرات البحث والإنتاج العلمي لدى العرب المعاصرين.

ان عدنا إلى مقياس منظمة الأمم المتحدة للتنمية الـ "UNDP" وهو مخصص لقياس قدرات الدول على المشاركة في عصر المعلومات، وقد سمي "دليل الإنتاج التقني" من خلال 4 أبعاد هي خلق التقنية، ونشر الابتكارات الحديثة، ونشر الابتكارات القديمة، وأخيرا المهارات البشرية المتوافرة لخلق التقنية. وقسمت الدول بناء على ذلك الدليل، إلى دول قائدة للتقنية، أي تلك التي "في طليعة الابتكار التقني الذي يدعم نفسه بنفسه" مثل اليابان، أميركا، سنغافورة، كوريا الجنوبية.

ودول القيادة المحتملة: "التي تتمتع بمهارة بمستوى الدول القائدة، ولكن حجم ابتكاراتها أقل"، مثل اسبانيا، ايطاليا، هونغ كونغ، ماليزيا والأرجنتين.

ودول المتبنين النشيطين للتقنية: "وهي التي تتمتع بمهارات تقنية، ولديها شبكة من مراكز التقنية"، مثل أورغواي، جنوب إفريقيا، تايلند، البرازيل.

ثم المهمشين، وهي: "الدول التي لايزال أمامها الكثير لنشر التقنية وبناء المهارات".


العرب والمعرفة

في دليل الانجاز السابق، كانت "إسرائيل" من الدول "القادة"، ولا أحد من العرب في المجموعة الأولى ولا الثانية، وفي المجموعة الثالثة تظهر تونس وسورية ومصر والجزائر، واحتلت الموقع ،14 ،19 ،20 ،21 على التوالي. بينما لم تحصل بقية الدول العربية على أي ترتيب "بسبب نقص البيانات كما تقول تقارير الأمم المتحدة".

أما إذا عدنا إلى مجموع الاختراعات التي ابتكرها العرب خلال العشرين عاما الماضية فنجد أنها اقل من اختراعات كوريا في عام واحد، وهي اقل من نصف ما اخترع في "إسرائيل" في عام واحد!

أما معدل الإنفاق على البحث العلمي والتطوير فهو لا يتعدى عند العرب .05 في المئة من الناتج القومي، 95 في المئة من ذلك الرقم المتواضع توفره الحكومات، في الوقت الذي تخصص أوروبا 2و4 في المئة من إنتاجها القومي للبحث العلمي، ويوفر القطاع الخاص هناك أكثر من نصفه.

معدل الإنتاج الأصيل أو المترجم من البحوث عند العرب لا يتعدى 2 في المئة وحدة لكل مليون فرد، بينما هو في أوروبا يمثل 30 ضعفا من هذا الرقم. ويشكل عدد الكتب العربية 1 في المئة فقط من الإنتاج العالمي، ويترجم من الكتب في العالم العربي نصف ما يترجم في قبرص وحدها، وما ترجم من الكتب من عصر المأمون حتى الآن أقل مما تترجمه اسبانيا في عام، بحسب تقرير التنمية.

تبين الأرقام والنسب حجم الخطر الذي يهدد المستقبل العربي من الناحية التقنية والبحث العلمي، ومن الجانب الاقتصادي، فحركة التصدير التكنولوجي من الدول العربية تكاد تكون معدومة.

في المختصر، يعاني العرب من "الهوة الرقمية"DIGITAL DIVIDE. وتعني "الهوة الرقمية" الإشارة إلى أشياء متعددة أبرزها التفاوت في تطور علوم المعلوماتية وتقنياتها جميعا، بين الدول المتقدمة والدول النامية، وكذلك درجة دخول هذا المنحى العلمي إلى نسيج الحياة اليومية وشمول الثورة الرقمية المجالات الحيوية جميعها. وقد زرعت "الفجوة الرقمية" بين الدول المتطورة والدول النامية مشكلة تهدد بتهميش وعزل الدول النامية عن طريق إفقار اقتصادها وتخلف إنتاجيتها مع ما يترتب على ذلك من بطالة وفقر. ولعل نتائج الحصول على الجوائز العلمية التي حظي بها أفراد من الغرب في جائزة الملك فيصل، تدل دلالة قطعية على فقر الواقع العربي التقني والبحثي في العلوم البحتة والتطبيقية.

وقد قاد هاجس تردي الحال في العالم الثالث إلى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2001 قرارا لعقد "قمة عالمية لمجتمع المعلومات" تهدف إلى التقليل من الفجوة الرقمية عن طريق زيادة الوعي بفوائد مجتمع المعلومات وتقديم الآليات لمساعدة الدول النامية على التحرك نحو مجتمع المعلومات الذي يؤمل ازدهاره ضمن اقتصاد عالمي مبني على المعرفة. "تعقد القمة الثانية في تونس".

والعرب في قاع الهوة الرقمية، إذ تمثل مواد اللغة العربية نحو 6 في الألف من مجمل محتوى الانترنت! وعلى سبيل المقارنة، فاللغة الانجليزية تملك 47,5 في المئة، والكورية 40,4 والبرتغالية ،20,5 أي أن الاعتقاد أن اللغة الانجليزية هي السائدة، هو اعتقاد خاطئ، إذ إن هناك لغات أخرى يتحدث بها عدد من البشر أقل بكثير من عدد العرب، قد تخطت كثيرا مساهمة اللغة العربية.

تلك تداعيات الاحتفال الثامن والعشرين لتوزيع جائزة الملك فيصل العالمية التي تذكرنا بقوة، كم من الجهود نحتاجها في البحث العلمي والتقني والطبي حتى نستطيع المشاركة، كعرب، في الحضارة القائمة.

* كاتب كويتي

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً