العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ

هل تستطيع القوى الديمقراطية أن تغادر عقلية التكفير لبعضها بعضا؟!

عنوان هذا المقال كان خاتمة مقال قرأته على موقع جمعية العمل الوطني الديمقراطي للأخ عبدالرحمن النعيمي، تحت عنوان من يستطيع تخفيف الاحتقان الطائفي في البحرين، انتهى فيه الى سؤال مهم ومشروع وهو: هل تستطيع القوى الديمقراطية أن تغادر عقلية التكفير لبعضها بعضا؟ تناول فيه أهمية الدور الذي يمكن للتيارات الديمقراطية "القومية واليسارية والليبرالية" أن تقوم به على الساحة الوطنية. وبحسب فهمي فإن هذه التيارات فعلا هي وحدها التي تستطيع مقاومة كل النزعات الطائفية، وهي وحدها التي تستطيع أن تربينا تربية وطنية صحيحة، فلا التيارات الدينية بمختلف تلاوينها تستطيع تخفيف الاحتقان الطائفي، إذ انها قوى بنيتها في الأساس بنية طائفية، ونشأت في الأساس اما كرد فعل تجاه ممارسات السلطة الطائفية، أو انها قوى نشأت نتيجة ايمانها الراسخ في دواخلها بأن الآخرين من المذاهب الأخرى هم أناس كفار لا يحق لهم أن يكونوا مواطنين عليهم واجبات المواطنة الحقة ولهم حقوق المواطنة كافة. ولا السلطة صاحبة المصلحة في تنازع أبناء الوطن وشغلهم بمناكفات طائفية هي من يستطيع تخفيف الاحتقان الطائفي.

بالتأكيد لا يستطيع الطائفيون حل المسألة الطائفية لأنهم مسربلون بالتفكير الطائفي من قمة رؤوسهم حتى اخمص أقدامهم مهما قالوا ومهما تظاهروا بأنهم ضد الطائفية، بل ويربون تابعيهم في الكثير من أماكن تجمعاتهم وحضورهم على الطائفية والحقد الطائفي، وكل منهم يكفر الآخر ويرى في نفسه أنه الفرقة الناجية!

ولكن أمام هذه المسألة ماذا عملت القوى الديمقراطية "القومية واليسارية والليبرالية" وما برامجها العملية في أوساط المجتمع لمحاربة الأفكار والممارسات الطائفية؟

في الوقت الذي نرى فيه الطائفيين منتشرين في كل شارع وزقاق بإمكانات مادية كبيرة من التبرعات التي يجمعونها تحت لافتة الدين، يقيمون مراكز تحت مسميات مختلفة، نتساءل: هل نستطيع أن نجبر السلطة على صوغ برامج تعليمية في المدارس تربي أجيالا مقبلة وطنية في تفكيرها غير متقوقعة وغير متخندقة في التفكير الطائفي البغيض؟ هل نستطيع الحصول على قانون يجرم التمييز الطائفي؟ هل نستطيع اجبار السلطة على وقف كل ممارساتها الطائفية؟ هل نستطيع أن نجعل المواطن مؤمنا ومقتنعا بأنه يجب عليه أن يكون منتميا إلى الوطن بدل أن يكون منتميا إلى الطائفة أو العائلة أو القبيلة؟ هل نستطيع أن نحاسب السلطة لماذا نرى وزارات قد تكون بكاملها مخصصة لطائفة من دون أخرى؟ حقيقة انه من العجب عندما تدخل وزارات مثل وزارة الصناعة والتجارة أو الصحة وترى أنها مخصصة لأبناء الطائفة الشيعية!! ومن جانب آخر عندما تدخل وزارات أخرى مثل الداخلية والدفاع والادارات الموجودة في وزارة التربية والتعليم ترى أنها مخصصة لأبناء الطائفة السنية! بل ان الأمر يتعدى الموظفين إذ وصل الأمر أحيانا إلى أن تكون الوزارة مصممة ليكون وزيرها سنيا أو شيعيا!

بالتأكيد هذا الأمر لم يأت اعتباطا، فهناك تخطيط وبرامج لذلك ووراء هذه الخطط والبرامج تقسيم الوطن على أساس طائفي!

ليس لدى التيارات الديمقراطية صدقات وزكوات وصناديق خيرية أساسها وبنيتها طائفية تخدم أهدافا طائفية. ولكن لدينا أطباء في مختلف التخصصات للأسف أن نقول أن غالبيتهم يسعون لجمع المال ممن يستطيع الذهاب الى عياداتهم الخاصة هل يستطيع هؤلاء الأطباء أن يتخلوا عن جزء من طموحاتهم المادية لخدمة المرضى المحتاجين من أبناء الوطن دونما تمييز طائفي؟ هل يستطيع التيار الوطني الديمقراطي أن ينشئ عيادات شعبية بأسعار رمزية تساهم فيها قطاعات المجتمع غير الطائفية من أطباء وتجار؟ هذا على سبيل المثال، علينا أن نفكر في البرامج التي تخدم القطاعات الشعبية دونما تمييز طائفي أو عرقي أو عائلي.

هل نستطيع أن ندعم اتحاد نقابات عمال البحرين لفتح عيادات طبية تساهم في علاج المرضى من العمال وأفراد أسرهم؟ بذلك نستطيع أن نقنع العامل بقيمة الانتماء إلى النقابة.

لدينا الكثير من المدرسين والكوادر العلمية والفنية في مختلف التخصصات، هل فكرنا في انشاء معاهد تعليمية وتدريبية تساهم في عملية التدريب والتعليم.

علينا كتيار وطني ديمقراطي أن نقنع الناس بأننا في خدمتهم ونضحي من أجلهم، ونساهم في بناء المواطن الصالح. يجب علينا أن نقنع السلطة أننا نساهم في بناء وطننا ونضحي فعلا من أجل وطننا ونساهم في تطويره وبنائه.

لا يكفي أن نكثر من الكتابات والخطب والمناقشات والندوات. علينا أن نعمل، والعمل هو الاختبار الحقيقي لنا، وهو السبيل جزئيا في مقاومة الطائفية والطائفيين، ويجب علينا ان نقنع الناس أننا وحدنا غير طائفيين.

أعتقد اننا نستطيع إذا تخلينا عن أنانيتنا وعن جزء من مصالحنا الذاتية، وطبقنا مفهوم الانتماء الصحيح لجمعياتنا السياسية "أحزابنا"، وطبقنا مفهوم الانتماء الحقيقي للوطن، وفهمنا أنه يجب ألا تكون جمعياتنا السياسية مكانا للنقاش المجرد ومكانا لاحتقار الآخرين وتخوينهم، عندها نستطيع أن نقول اننا نضع لبنات حقيقية لمقاومة الطائفية والطائفيين.

ثم هل التخندق والتمترس حول المقاطعة والمشاركة في البرلمان وترك جميع المسائل والقضايا الوطنية الكبيرة الأخرى هي السبيل لمقاومة الطائفية والطائفيين؟ هل التخندق حول الماضي وخلافاته واجتراره هو الطريق الصادق للعمل المشترك؟ للأسف نستطيع القول ان كلا منا لايزال يرى أنه في الماضي كان على صواب بالمطلق، وان الآخر كان على خطأ بالمطلق. على رغم أن القول الصحيح أننا لو راجعنا الماضي لوجدنا أن كلا منا كان على صواب في جوانب وعلى خطأ في جوانب أخرى. وفي الحاضر كذلك وبالتأكيد ليس هناك من هو على صواب بالمطلق والآخر على خطأ بالمطلق.

ليست التيارات الاسلامية هي وحدها متناحرة وتتمترس وراء عقلية التكفير السائدة في صفوف غلاتها، بل حتى التيارات الديمقراطية هي كذلك تتمترس وتتخندق وراء عقلية التخوين والتكفير السائدة في صفوف غلاتها.

الوقت طويل جدا حتى نستطيع التقليل من هذا المرض، ولكن يجب علينا أن نبدأ وألا نيأس. فهل نستطيع؟ أعتقد أننا نستطيع لو تحاورنا بصدق وشفافية وغادرنا عقلية التكفير والتخوين.

* كاتب بحريني

العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً