العدد 960 - الجمعة 22 أبريل 2005م الموافق 13 ربيع الاول 1426هـ

تعثر الإصلاح في المنطقة العربية وأسبابه في ضوء تقرير التنمية العربية

منيرة أحمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

صورة الغلاف تختزل فحوى التقرير وهويته. فالغلاف قد زين بالمقولة الشهيرة لثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب "رض" في صيحته الخالدة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحرارا". ويظهر تحتها ميزان العدالة وشمسها تبزغ معلنة الفجر، وفي يمين الصورة فرس سوداء في عنفوانها "رمز الحرية" تصهل رافعة أرجلها الأمامية تخترق أرضا حمراء متأججة ومتشققة. هذا التقرير الذي يسعى إلى تقديم معالجة متعمقة لنقص الحرية والحكم الصالح، وهو الذي يعد بحق موضوع الساعة في الوطن العربي. ولقد كان الطريق إلى إصدار هذا التقرير طويلا ووعرا وحافلا بالتطورات. والتقرير - بحسب رأي المسئولة الأولى عن إصداره ريما خلف الهنيدي - لا يتوقف عند تشخيص المعوقات لبناء حقوق الإنسان، والمثبطات لسيادة الحريات، بل يعمل عقله الجماعي في تصوير رؤيته الاستراتيجية لترشيد جهود الحركة نحو تعزيز الحرية وترسيخ مقومات الحكم الصالح في الوطن العربي.

التقرير موجود بكامله على الإنترنت في موقع الأمم المتحدة، وأنصح القراء بالاطلاع عليه. ولكني سألقي الضوء على بعض القضايا التي تتفاعل حاليا على الساحة العربية. فهو يبدأ بشرح الأسس لفكرة ومفهوم الحرية والحكم الصالح. ويتطرق إلى فحوى الديمقراطية وخطر استبداد الغالبية، لذلك فإن نجاح المجتمع في ضمان الحرية وصيانتها بما في ذلك صيانتها من استبداد الغالبية، يقتضي وجود مجال عام فسيح ومستقل عن سيطرة الغالبية تتكون فيه آراء الأفراد ويمكنهم التعبير عنها. ويذكر التقرير أن الحرية صنو التنمية الإنسانية، والأشخاص الذين يتمتعون بتسهيلات اقتصادية ولكنهم محرومون من الحريات المدنية والسياسية يعانون حرمانا جوهريا من الاختيار الحر لنوع الحياة التي يريدون.

ويتسع مفهوم الحرية في هذا التقرير لكامل محتوى منظومة حقوق الإنسان، أي للحريات المدنية والسياسية بالإضافة إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية. ويتطلب مجتمع الحرية "الحكم الصالح" بنية مؤسسية تقوم على تضافر قطاعات مجتمعية ثلاثة:

1" الدولة: شاملة الحكومة والتنظيم النيابي والقضاء.

2" المجتمع المدني: بالمفهوم الواسع الذي يشمل المجتمعين المدني والسياسي ويضم المنظمات غير الحكومية والاتحادات المهنية والنقابات ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية. 3" القطاع الخاص، الهادف للربح. أما الحكم الصالح فيتطلب أن يتسم كل من هذه القطاعات بالمقومين الآتيين: احترام الحرية وحقوق الإنسان وتكريس البنية القانونية الحامية لها، والتحلي بمبادئ الإدارة العامة الرشيدة وتعني الالتزام بمعايير الكفاءة وفصل السلطات وخصوصا في حال الدولة والشفافية والإفصاح والمساءلة.

في موقع آخر يتحدث التقرير عن الديمقراطية والحال العربية وفخ الانتخاب لمرة واحدة. ويعني هنا تخويف المجتمعات الإسلامية المتطيرة من ارتقاء جماعات إسلامية متشددة سدة الحكم في البلدان العربية. كما استعمل لتبرير تدخل قوى خارجية في دعم نظم حكم تسلطية بدعوى أن إفساح المجال لجميع القوى المجتمعية ومن أنشطها سياسيا التيار الإسلامي، سينتهي بوصول هذه القوى للحكم والاستبداد به بحيث يصبح التنافس الديمقراطي تاريخا منقضيا بعد هذ المرة الوحيدة. ولا ريب أن التخوف من مثل هذا "الفخ" حقيقي وفي التاريخ العربي المعاصر ما يدعمه، إلا أن التقرير يرى أن الضمان الأكيد لتفادي الوقوع في "فخ الانتخاب لمرة واحدة" هو ترسيخ الآليات الديمقراطية، حبذا من خلال نصوص دستورية حاكمة، بما ينفي خطر استبداد الغالبية والالتزام المسبق لجميع القوى السياسية بالاحترام القاطع لهذه الآليات. ويسعى التقرير إلى تفسير تردي حال الحرية والحكم من خلال تحليل البنية المؤسسية "القانونية والسياسية" والسياق المجتمعي شاملا البيئة الخارجية، المحددة لمدى التمتع بالحرية والحكم الصالح في الوقت الراهن. فيشير إلى أن الظاهرة التي تميز البناء التشريعي العربي في تعامله مع قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان هي الفجوة التي تتراوح في اتساعها بين مختلف المستويات التشريعية، وبين المستويات التشريعية من ناحية وواقع الممارسة الفعلية من ناحية أخرى، إذ أننا نستنتج أن هذه الدول تكتفي بالمصادقة على بعض الاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ولا تعترف بدور الآليات في تفعيل حقوق الإنسان واحترامها. وتتعدد المصطلحات التي تستخدمها النظم القانونية للالتفاف حول الحرية والعدل، فتلجأ إلى الإشارة إلى اعتبارات قومية عليا لا يجوز المساس بها ولو تعلق الأمر بممارسة الحقوق والحريات العامة أو الحفاظ عليها. ويشير اصطلاح الأمن القومي أو المصلحة العامة إلى مضامين غير منضبطة تمثل قيودا على إرادات الأفراد وعلى حقوقهم وحرياتهم.

وبعد تحليل البنية القانونية بجميع أطرها يتطرق التقرير إلى البنية السياسية، ويذكر أن هناك إجماعا على أن المجال السياسي، وتحديدا بنية الدولة العربية، هو مكان الخلل ومحوره، ولكن يتساءل: من الملوم؟ وأي وصفات العلاج هي الأصلح؟ ثم يجيب بأن الدولة العربية المعاصرة تصر على أن تهيمن على كل شيء من المعتقد الديني الشخصي إلى العلاقات الدولية، ولا تترك حيزا كافيا لمبادرات تأتي من خارجها أو من دون مباركتها.

ويطلق التقرير اسم "دولة الثقب الأسود" على نموذج الدولة العربية، في إشارة للظاهرة الفلكية المعروفة لنجوم منطفئة تتكور على نفسها وتتحول إلى حقل جاذبية جبار لا يستطيع حتى الضوء أن يفلت من إساره. فالدولة العربية الحديثة تجسد إلى حد كبير التجلي السياسي لهذه الظاهرة، إذ تشكل السلطة التنفيذية "ثقبا أسود" يحول المجال الاجتماعي المحيط به إلى ساحة لا يتحرك فيها شيء ولا يفلت من إسارها شيء. وعلى غرار الثقب الفلكي الأسود، فإن هذا الجهاز بدوره يتكور على نفسه ويضيق ويتداعى بالتالي الفضاء المحدود المتاح للحركة حوله حتى يكاد يتلاشى. أساس الخلل - كما يذكر التقرير - يكمن في البنية السياسية. إذ إن أهم خاصية لنموذج الحكم العربي هي اعتماده على "التهميش الاستراتيجي" لكل المؤسسات والقوى الاجتماعية بما في ذلك مؤسسات الدولة. وفيما يتعلق بالنخب، فإن الدولة تضعهم بين خيارين: إما أن تكون مواليا فيغدق عليك، أو مخالفا فتهمش أو تقمع، ما يجعل تصرف الغالبية مفهوما أمام هذا الوضع.

* كاتبة وأكاديمية بحرينية

العدد 960 - الجمعة 22 أبريل 2005م الموافق 13 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً