العدد 961 - السبت 23 أبريل 2005م الموافق 14 ربيع الاول 1426هـ

رايحين للحج... والناس راجعة!

قراءة في أوراق الحلقة الحوارية

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

ربما الفضول، وربما شيء آخر يستدعي الحضور إلى الحلقة الحوارية التي نظمها المنبر الديمقراطي التقدمي بالتعاون مع "NDI" الخميس الماضي حول الفقرة "أ" من المادة "92" في الدستور، ومبعث الفضول هذا يبرز في التساؤل: لماذا المادة 92 الفقرة "أ" الذي أجاب عليه رئيس المنبر حسن مدن في مقال له نشر في اليوم ذاته، قائلا: "بهدف إبراز حجم القيود التي ستفرضها هذه المادة على أداء السلطة التشريعية، فبنصها على إحالة كل اقتراح بقانون مقدم من غرفتي المجلس الوطني في صيغة مشروع قانون أو اقتراح تعديل الدستور إلى الحكومة لوضع هذا الاقتراح بقانون في صيغة مشروع قانون أو اقتراح بتعديل الدستور وتقديمه إلى مجلس النواب في الدورة التي قدم فيها الاقتراح أو في الدورة التي تليها، شكلت عائقا أمام السلطة التشريعية في إقرار الاقتراحات بقوانين التي تتقدم بها، فحتى تاريخه لم يتم إقرار أي من هذه الاقتراحات، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى حكم المادة المشار إليها، والذي يخل بشكل واضح بمبدأ الفصل بين السلطات".

بعد الاستماع إلى الأوراق والمداخلات "القيامة وغير القيامة - الجريئة والخجولة" التي تحدث فيها أعضاء من مجلسي الشورى والنواب وممثلون عن الجمعيات السياسية وناشطون في الميدان السياسي والحقوقي، تفاجأت بإعجاب ليس لحديث "المشاركون والمقاطعون" عن هذه المادة "اليتمة" وغيرها بكل حمية وحماسة وطنية في محاولة لإلغائها، أو تعديلها، أو تعديل دستوري شامل، بما فيهم من مداخلة "ثورية" تضمنتها كلمة رئيس مجلس النواب التي ألقاها بالإنابة نائبه الأول عبدالهادي مرهون، وإنما مناقشتها بعد مرور ثلاث سنوات من إصدار دستور ،2002 وثلاث سنوات من عمر المجلس الوطني والتجربة "النيابية"؛ وكأن الحضور "رايحين للحج والناس راجعة".

على كل حال، وبغض النظر عن "وجود أزمة دستورية أم إشكالية دستورية"، فإن المادة "92" بفقرتها "أ" التي جرى حولها النقاش ليست المادة الوحيدة التي تستحق النقد، كما لاقت شبه إجماع نقد المتحدثين في حلقة الحوار، واقتراح المخارج و"حلو الكلام الحقوقي والسياسي والوطني"، وإنما الموضوع برمته كان يتطلب شجاعة موقف نادرة مفترضة قبل أكثر من ثلاث سنوات، هدفها التصدي لـ "الأزمة الدستورية"، أو لـ "الإشكالية الدستورية" - سيان - في وقت مبكر من تاريخ هذه الحلقة الحوارية، لكنه كما يقول المثل الروسي: "أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي بالمرة". وعلى رأي زميلنا قاسم حسين في مداعباته الكتابية وتوظيفه لـ "المسوح" به بنقل ما نشاء في هذا الظرف: سنذهب إلى الحج قبل أن يمنع، فإن هذه الحلقة الحوارية "المنبرية" جاءت متأخرة لكنها ضرورية، قبل تشريع "قانون الإرهاب" الذي يمنع النقد للدستور أو "تقويض" أي من أحكامه، وعقوبته "المؤبد أو الإعدام"!

وعليه، فإن التصدي للأزمة الدستورية التي ترتبت على إصدار دستور 2002 على رغم وجود دستور 1973 النافذ وذلك من دون أن تقر النصوص التي تم تعديلها أو إضافتها من قبل السلطة التي يخولها الدستور النافذ إجراء التعديلات اللازمة ومن ثم رفعها إلى رأس الدولة للتصديق عليها وإصدارها، إذ شكل ذلك التعديل خرقا لطريقة التعديل المتعاقد عليها في دستور 1973 ما أفقد الشعب والمعارضة حق المشاركة في الاتفاق مع الحكم على جوهر التعديلات أو الإضافات ووصم دستور 2002 بعيب عدم الإقرار أو قبول الشعب له.

ومن البدايات كان الحديث يجري حول مقترح ونطاق التعديل المتوافق عليه بين الشعب والحكم في ميثاق العمل الوطني إذ تركز فقط على مسألتين هما مسمى الدولة والأخذ بنظام المجلسين بدلا من مجلس واحد ليكون أحدهما مجلسا منتخبا انتخابا حرا مباشرا ليتولى المهمات التشريعية إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة.

وأكدت تعهدات المسئولين قبيل التصويت على الميثاق أن المجلس المنتخب سيتولى المهمات التشريعية، بينما سيكون المجلس المعين لإبداء الشورى وعلى حاكمية الدستور على الميثاق، إلا أن دستور 2002 قد تجاوز آلية ونطاق مقترح التعديل، إذ لم يتم الالتزام بنص المادة 104 من الدستور وتمت مخالفة مبادئ ميثاق العمل الوطني بشأن موضوع التعديل الخاص بمهمات المجلسين ونتج عن الدستور المعدل مجلسان متساويان في العدد، أحدهما منتخب والآخر معين يتقاسمان السلطة التشريعية مناصفة، وتقلصت الصلاحيات الرقابية للمجلس المنتخب وأصبحت تبعية ديوان المراقبة ليست للمجلس المنتخب من دون أية إشارة لهذا الأمر في ميثاق العمل الوطني.

وفضلا عما تقدم، وعلى رغم عدم اتفاق على الجهة التي تتولى تعديل النصوص المعينة، فقد أجريت على الدستور تعديلات كثيرة أخرى جعلت إمكان تعديل الدستور وإعادة الأمور إلى نصابها من خلال المجلسين شبه مستحيلة ما لم يرغب في ذلك الحكم ، وكذلك الأمر بشأن تعديل أي من المراسيم المعمول بها أو التي صدرت قبل انعقاد مجلسي السلطة التشريعية اللذين قررهما الدستور الجديد، وينطبق الأمر ذاته بشأن إقرار القوانين الجديدة ، فأدى ذلك إلى إفراغ المشاركة والانتخابات من معناهما الأساسي المتعاقد عليه في دستور 1973 والمبادئ المتوافق عليها في ميثاق العمل الوطني وروح مشروع الإصلاح المتمثل في مبادئ ميثاق العمل الوطني الذي رحبت به المعارضة والشعب.

من الواضح أنه خلال الحلقة الحوارية بشأن المادة 92 وفقرتها "أ" أن هناك تباينا طفيفا في الرؤى بين المتحاورين، لكنه إلى جانب ذلك، فإن هناك أيضا قاسما مشتركا للعمل السياسي في هذه المرحلة، وهو المطالبة بالحقوق الدستورية التي تؤمن مشاركة شعبية حقيقية في مهمات السلطة التشريعية باعتبار أن الدستور هو ضابط لإطار العمل السياسي، لنعود بالكلام الذي تكرر منذ ثلاث سنوات وأكثر لنركز من جديد على ضرورة التمسك بمكتسبات دستور 1973 كحد أدنى لا يجوز التراجع عنها، والالتزام بروح مبادئ ميثاق العمل الوطني، ثم الالتزام بتعهدات المسئولين بشأن طبيعة المجلسين. وكان الله في عون المخلصين لهذا الوطن العزيز.

* كاتب بحريني

العدد 961 - السبت 23 أبريل 2005م الموافق 14 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً