العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ

شرور الخصخصة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عدة إشكالات تعترض التنفيذ السليم لبرامج تحويل عدد من المؤسسات الحكومية إلى القطاع الخاص، ولعل ما يجري من حوار حاليا في البحرين بشأن خصخصة خدمات الموانئ وخدمات أخرى يوضح جانبا من تلك الإشكالات.

المواطن سيسأل عن الأسعار، فالخدمات التي تنتقل إلى القطاع الخاص ستخضع لنظام التسعير الذي يعتمده أصحاب الأعمال من أجل تحقيق الأرباح. فالخيار واحد من اثنين لزيادة الأرباح، إما استجلاب عمالة رخيصة أو زيادة التقنية، بحيث يمكن توظيف عدد أقل من المواطنين برواتب عالية، ولكن الاعتماد هنا يكون على الإنتاجية التي تحققها التقنية المستخدمة.

على أن لدينا نماذج مازالت تعاني. مثلا حافلات النقل العام القديمة التي تم تشغيلها منذ مطلع السبعينات كانت من النوع الرخيص، ولم تكن مكيفة أو مريحة في السير... هذه الخدمة تمت خصخصتها وتحويلها إلى شركة من القطاع الخاص، والشركة بدورها قامت بتبديل الحافلات وتحسين الخدمة، ولذلك رفعت أسعار التذاكر. غير أن البحرينيين مازالوا لا يستخدمون النقل العام، والسوق تعتمد أساسا على العمال الأجانب "الأيدي العاملة الرخيصة" التي تحسب لكل فلس حسابا، لأن معاشاتهم منخفضة. ولذلك فإن المشكلات أمام خصخصة هذه الخدمة تتعلق بطبيعة السوق والتسعيرة المتوقعة.

المشكلة التي واجهتها حافلات النقل العام تعبر عن المشكلات المتداخلة لتخصيص القطاعات المشابهة، فهناك مشكلات اقتصادية واجتماعية وحتى أمنية. فالقطاع الخاص في وضعه الحالي لا يعتمد على التكنولوجيا المتطورة، وبالتالي فإن الخيار شبه الوحيد أمام القطاعات الخدمية هو الاعتماد على الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة.

إن برامج الخصخصة تعتمد على تطوير القوى العاملة الوطنية لكي تلعب دورها، وهذا المشروع هو الذي يسعى مجلس التنمية الاقتصادية إلى تحقيقه، وهو بحد ذاته مرتبط بعدة أمور متداخلة من بينها الإصلاح الاقتصادي وإصلاح التعليم والتدريب، وهذه مشروعات متوسطة وبعيدة المدى. أما الخصخصة فهي مشروعات حالية مرتبطة بالبيئة التي نعيشها الآن، وليس البيئة التي سنعيشها مستقبلا. وهذا يفسر كيف أن عدد الأجانب الداخلين في سوق العمل البحرينية يزداد في الوقت الراهن، في مقابل الأيدي العاملة الوطنية، وهذا يفسر كيف أن معدل المعاشات ينخفض - بصورة عامة - تماما كما توقعت دراسة مجلس التنمية الاقتصادية، التي طرحت في ورشة العمل الخاصة بإصلاح سوق العمل في سبتمبر/ أيلول الماضي.

إن الخصخصة تتحول إلى مجموعة من "الشرور" في غياب استراتيجية متكاملة تحفظ حقوق المواطنين، وتمنع انهيار مستوى سوق العمل ونزوحه نحو الأيدي العاملة الرخيصة. ففي البلدان المتقدمة، تسعى السلطات هناك إلى اجتذاب الخبرات المعرفية "خبراء متدربين ينقلون خبراتهم إلى الوطن الذي يرتحلون إليه"، أما نحن فنسير حاليا في الاتجاه المعاكس بالنسبة إلى عدد من القطاعات الخدمية، وهو ما يزيد برنامج الخصخصة تعقيدا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً