العدد 995 - الجمعة 27 مايو 2005م الموافق 18 ربيع الثاني 1426هـ

انعكاسات مشروع إصلاح سوق العمل على الاقتصاد

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

يناقش المقال التحليلي لهذا الأسبوع التأثيرات المحتملة لمشروع إصلاح سوق العمل على الاقتصاد البحريني. وكنا قد شاركنا بورقة عمل بالمحتوى نفسه في ندوة نظمتها "جمعية ميثاق العمل الوطني" بتاريخ 22 مايو/ أيار الجاري.

بشكل مختصر يتوقع أن يؤدي المشروع إلى إحداث تطورات إيجابية وأخرى سلبية في الاقتصاد الكلي أو الشامل. تتمثل الإيجابيات في دفع بعض المؤسسات بالتركيز على تحقيق قيمة مضافة للسلع بدل التركيز على الكلفة وإزالة المعوقات عن عمل القطاع الخاص وإيجاد وظائف تتناسب وتطلعات المواطن البحريني. وتتلخص السلبيات في التأثير على الخطط الاستراتيجية للمؤسسات التجارية وحدوث تضخم فضلا عن تعقيد العلاقة بين الدينار والدولار وأخيرا يخشى أن تتسبب الاستثناءات الكثيرة في النيل من صدقية المشروع برمته.

السطور الآتية تناقش بشيء من التفصيل التأثيرات المحتملة للمشروع على أفاق الاقتصاد البحريني.

التطورات الإيجابية المحتملة

أولا توجيه الشركات للتركيز على القيمة المضافة وليس تدني كلفة التشغيل: يتوقع أن يساهم المشروع في قيام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خصوصا على تغير الفلسفة التجارية لديها من التركيز على كلفة التشغيل إلى أمور أخرى مثل تقديم قيمة مضافة لسلعها وخدماتها. النمط السائد عند البعض هو الاستيراد من الخارج ومن ثم بيع السلعة بأقل كلفة ممكنة عن طريق السيطرة على المصروفات التشغيلية. بل ربما تدفع الأوضاع المستجدة بعض الشركات التفكير بشكل جدي في دمج أعمالها تماما كما يحدث في مختلف بقاع العالم.

حقيقة بمقدور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تحتاج إلى العون، الحصول على مساعدات مالية من صندوق العمل "تتكون إيرادات الصندوق من الرسوم المفروضة على العمالة الأجنبية". يهدف الصندوق إلى القيام بمبادرات وبرامج لمساعدة هذه المؤسسات والتكيف مع الوضع الجديد وتشجيعها في التركيز على أنشطة ذات قيمة مضافة بشكل أفضل.

ثانيا إزالة القيود عن عمل القطاع الخاص يخدم الاقتصاد الوطني: يؤكد مشروع إصلاح سوق العمل منح القطاع الخاص مجموعة من المزايا حتى يتسنى له أخذ زمام المبادرة في الاقتصاد. وتشمل هذه المزايا إعطاء مؤسسات القطاع الخاص حرية توظيف وتسريح من تشاء والتخلص من مختلف القيود الرسمية الأخرى. يأمل أن تسهم هذه الإجراءات في إحداث كفاءة وفاعلية في سوق العمل ما يعني تحسن النشاط التجاري في البلاد. المعروف أن القطاع الخاص ومنذ أمد طويل يطالب بالحصول على حرية الحركة التجارية.

ثالثا إيجاد وظائف تناسب البحرينيين: يتوقع أن يساهم المشروع في إيجاد نقلة نوعية في مستوى الوظائف المستجدة في الاقتصاد. تؤكد الإحصاءات المتوافرة أن الاقتصاد البحريني ينجح في إيجاد نحو 8 آلاف وظيفة سنويا بيد أن هذه الوظائف لا تتناسب وتطلعات المواطن البحريني لعدة أسباب منها تدني الرواتب وظروف العمل. حقيقة لا تكمن العبرة في إيجاد الوظائف بل في نوعيتها أيضا إذ أن المطلوب تحقيق الكيف وليس فقط الكم.

التطورات السلبية المحتملة

أولا المرونة في تحديد الرسوم تعيق الخطط الاستراتيجية للمؤسسات: ترغب الشركات التجارية الجادة في إجراء الخطط المستقبلية لمصروفاتها ومن ثم الأسعار التي ترغب في فرضها لسلعها وخدماتها. بيد ان عدم الحسم في تواريخ تحديد الرسوم على العمالة الأجنبية يترك نوعا من الغموض والضبابية. المؤكد أن الشركات التي تؤمن بالتخطيط غير راضية عن هكذا أمر لأن ذلك يعني تدخل جهات أخرى في عملية صنع قراراتها. في الوقت الجاري ترغب بعض المؤسسات العاملة في البحرين تحديد مصروفاتها التشغيلية للعام 2006 لكن عدم حسم موضوع تنفيذ الرسوم على العمالة الأجنبية يؤخر عملية صنع القرار.

ثانيا التسبب في حدوث نوع من التضخم وتعقيد العلاقة بين الدينار والدولار: يعتقد بأن مشروع إصلاح سوق العمل سيتسبب في رفع متوسط مؤشر الأسعار في البلاد على خلفية ارتفاع كلفة التشغيل نظرا إلى أن العمالة متغير رئيسي في المصروفات التشغيلية لغالبية المؤسسات. المعروف أن المشروع سيفرض رسوما تصل إلى حد 100 دينار شهريا على كل عامل أجنبي ما يعني رفع كلفة التشغيل. من البداهة تصور قيام الكثير من الشركات بتحويل ارتفاع كلفة التشغيل على المستهلك عن طريق رفع أسعار السلع والخدمات.

على خلفية التضخم ربما ترغب بعض المؤسسات المالية في رفع معدلات الفوائد بغية تشجيع المودعين والمستثمرين الاحتفاظ بأموالهم لدى المصارف. وتكمن العلة في أن ارتفاع متوسط الأسعار يعني فيما يعني فقدان القيمة الشرائية للمال وعليه ربما يقوم صاحب المال بصرفه بدل الاحتفاظ به. البديل هو أن تقوم المصارف بزيادة معدلات الفوائد لديها لغرض إغراء المودعين. يبقى أن معدلات الفوائد في البحرين مرتبطة بتلك السائدة في أميركا نظرا إلى ربط الدينار بالدولار الأميركي الأمر الذي يعني بأن المؤسسات المالية العاملة في البحرين ليست حرة بالكامل في تحديد أسعار الفوائد التي ترغب بها. بالمقابل يتوقع أن تكثف المصارف من برامجها التسويقية لغرض جلب الودائع ومن ثم استخدامها في منح القروض. يذكر أن معدلات الفائدة في البحرين متدنية "أقل من 3 في المئة للودائع الثابتة لسنة كاملة" بينما تبلغ قيمة الفائدة على القروض الشخصية نحو 8 في المئة.

ثالثا الاستثناءات قد تضر بصدقية المشروع: استنادا إلى قانون سوق العمل الذي قدم للبرلمان، هناك أربع فئات من الأجانب مستثنون من الرسوم وهم أولا: الأجانب الذين يصدر بتعينهم مرسوم أو أمر ملكي أو قرار من رئيس الوزراء. ثانيا: الأجانب من غير المدنيين الذين تستخدمهم قوة دفاع البحرين والحرس الوطني وكل الأجهزة الأمنية بالمملكة. ثالثا: الأجانب الذين يفدون إلى البلاد لغرض إنجاز أعمال تستغرق أقل من 15 يوما مثل إقامة المعارض أو الاحتفالات أو المهرجانات أو غير ذلك من الأنشطة التي تحددها هيئة تنظيم سوق العمل. رابعا: الأجانب من أعضاء وإداري البعثات الدبلوماسية والقنصلية والدولية لدى مملكة البحرين.

حقيقة أكثر ما يثير حفيظة المهتمين بواقع سوق العمل في البحرين هو استثناء الأجانب المرتبطين بالأجهزة الأمنية "وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني" والعسكرية "وزارة الدفاع والحرس الوطني". بل المشهور هو أن الأجهزة الأمنية والعسكرية تكون في العادة قدوة لغيرها في تطبيق القوانين. مصدر التخوف الموجود هو أن هذه الاستثناءات قد تنال من صدقية المشروع برمته.

ختاما لا مناص من تحمل الاقتصاد البحريني لبعض السلبيات وذلك بعد دخول مشروع إصلاح سوق العمل حيز التنفيذ. وإذا كان هناك سبب رئيسي وراء هذه السلبيات فهو بالتأكيد إهمال حل مشكلة البطالة لفترة طويلة "حتى الأمس القريب كانت الحكومة لا تعترف بوجود أزمة بطالة في أوساط المواطنين". يهدف المشروع في نهاية المطاف إلى جعل المواطن البحريني الخيار الأفضل للتوظيف في القطاع الخاص. بل ربما على الاقتصاد البحريني تحمل تبعات أشد وطأة في حال استمرار عدم حل معضلة البطالة. عموما يمكن القول ان مشروع إصلاح سوق العمل سيكون له تأثير إيجابي أكثر من سلبي على الاقتصاد البحريني

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 995 - الجمعة 27 مايو 2005م الموافق 18 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً