العدد 2896 - الثلثاء 10 أغسطس 2010م الموافق 29 شعبان 1431هـ

منطق الفيضانات ومنطق الإنسان

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ارتفع عدد القتلى في انزلاقات التربة في شمال غربي الصين الى أكثر من 700 شخص، لتصبح، كما تناقلت وكالات الأنباء، «واحدة من أكبر الكوارث التي شهدتها البلاد منذ 10 أعوام». وكانت الصين قد أعلنت أن خسائرها التي تكبدتها خلال النصف الأول من العام 2010، قد تضاعفت مقارنة مع تلك التي تعرضت لها خلال القترة ذاتها من العام 2009، لتصل إلى 3.51 مليارات دولار.

وقبلها بأيام معدودات ضربت الفيضانات الناجمة عن هطول الأمطار الموسمية الغزيرة باكستان. ووفقاً لمصادر مسئولة هناك فقد كانت تلك «أسوأ فيضانات تشهدها البلاد منذ تلك التي حدثت قبل نحو 80 عاماً وتسببت في مقتل 1600 شخص، فيما لحق الضرر بـ 14 مليوناً آخرين، وأن موجة السيول الأخيرة تسببت في تدمير نحو 650 ألف منزل، وإتلاف نحو 557 ألف هكتار من المحاصيل الزراعية، فيما نفقت أكثر من 10 آلاف بقرة». في الوقت ذاته أعلن الجيش الهندي «أن أمطاراً غزيرة عرقلت جهود الإنقاذ والإغاثة في منطقة لاداخ الهندية في الهيمالايا بعد سيول عنيفة أدت الى سقوط 113 قتيلاً على الأقل».

في هذا الوقت لم يتردد صندوق النقد الدولي من التحذير من أن مثل هذه الفيضانات من الطبيعي أن تلحق «ضرراً بالغاً بالاقتصاد». على نحو مواز، كان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد أعلن «أن صندوق الأمم المتحدة المركزي للطوارئ سيقدم 10 ملايين دولار لتلبية الاحتياجات بعد الفيضانات التي اجتاحت باكستان».

من جهة ثانية، قال ممثل اليونيسيف في مارتن موغوانجا إن الأمم المتحدة «أسست صندوق طوارئ لباكستان وتلقت 10 ملايين دولار حتى الآن، بينما تلقت منظمات الأمم المتحدة 16 مليون دولار أخرى لمواصلة عملياتها»، مضيفاً بأن «هذه الاستجابة ليست كافية وأن الأمم المتحدة ستطلق قريباً نداء لتلبية الاحتياجات الفورية مثل المأوى والطعام والمياه والرعاية الصحية وغيرها وقد يصل المبلغ المطلوب إلى 200 مليون دولار أو أكثر».

وفي السياق نفسه، ناشدت منظمة اليونيسيف المجتمع الدولي «التبرع بمبلغ 47 مليون دولار لتمويل عملياتها في باكستان حيث تأثر نحو 1.4 مليون طفل بالكارثة».

وفي أوروبا، قدرت الخسائر التي منيت بها بعض دول تلك القارة، خلال الأيام المعدودة الأولى من موجة الفيضانات التي اجتاحتها في مايو/ أيار 2002، بنحو 7 مليارات دولار. وأوضح رئيس جمعية الفيضانات في ثاني أكبر شركة تأمين في العالم «أن شركات التأمين ستتحمل بين خُمس وعُشر الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذه الكارثة. وقدر الخبراء الاقتصاديون خسائر النمسا، وحدها بنحو 3 مليارات يورو، أما بالنسبة إلى جمهورية التشيك فقد تتعدى خسائرها 2 مليار يورو, بينما ستكلف الفيضانات التي غطت جنوب ألمانيا عدة مليارات».

وكما هو واضح، فلهذه الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات، منطقها التدميري الخاص بها الذي لا يميز بين مجتمع وآخر، وبالتالي فهو، شاء البعض منا أم رفض، يضع الجنس البشري كله على قدم المساواة، فلا تفرقة، وفقاً لهذا المنطق، بين الضحايا سواء انتموا إلى المجتمعات المتقدمة أم تلك المتخلفة، وعلى مستوى المجتمع الواحد ذاته، ليس هناك عملية فرز بين الفئات الاجتماعية، حيث يتساوى الفقراء مع الأغنياء في البلد الذي تضربه تلك الكوارث، ولا يتميز البيض عن سواهم من الألوان الأخرى عندما تضرب الفيضانات منطقة معينة.

ففي العام 2006، تماماً كما اعترفت أوروبا - كما أشرنا في العام 2002، اعترف مسئولون أميركان بأن الولايات المتحدة أغنى دولة وأكثر المجتمعات رفاهاً - بأن «الخسائر التي سببتها الفيضانات التي اجتاحت مناطق فى الولايات المتحدة تصل إلى 100 مليون دولار بعد أن دُمرت طرق وجسور وأجبر مئات الآلاف على النزوح من منازلهم فى شمال شرق البلاد». وفي العام 2003 ناشدت الحكومة السودانية، إثر الفضانات التي اجتاحت البلاد حينها أن الخسائر التي خلفتها تلك الفيضانات قد «ارتفعت قيمتها الى ‏150‏ مليون دولار»‏.

‏وتلخص المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية كلاوديا كمفرت هذا المنطق الشمولي للكوارث الطبيعية فتقول، حاصرة نفسها في تلك الناجمة عن التغيرات المناخية: «إن التكاليف الاقتصادية المترتبة عن هذه التقلبات المناخية الخطيرة التي شهدها العالم في العقود الثلاثة الأخيرة في ارتفاع متزايد، إذ تقدر تكلفة الفيضانات الشديدة للعام 2002 بنحو 13 مليار يورو.

أما التكاليف المترتبة عن موجة الحر التي شهدها العالم في 2003 والتي أودت بحياة 27 ألف شخص فهي تقدر بـما يقارب من 10 مليارات يورو، وفي سنة 2002 قدرت شركة التأمين الألمانية (مينشنر ريك) التكاليف الاقتصادية الإجمالية بـ 55 مليار دولار أميركي».

الأخطر من ذلك، ووفقاً لتقرير المعهد الألماني ذاته الصادر في شهر أغسطس/ آب 2005، فمن «المتوقع أن تتضاعف هذه التكاليف الاقتصادية إذا لم تبادر دول العالم في تبني سياسة بيئية فعالة. وتقدر تكلفة هذا التغير المناخي في حالة عدم اتخاذ أي إجراءات في هذا الشأن حتى العام 2005 بـ 200 مليار دولار أميركي».

هذا المنطق التدميري الشمولي الذي يسير حركة تلك الكوارث الفيضانية، يفترض أن يعالجه منطق تحوطي شمولي آخر - يتجاوز تلك الهبات العاطفية التي تجتاح العالم عندما تتعرض منطقة منه لضربة موجعة تتلقاها هذه الدولة أو تلك، كي يتحول الأمر إلى صندوق عالمي تنموي، مهمته تهيئة العالم لمواجهة مثل تلك الكوارث، واستباق حدوثها بمجموعة من السياسات التي تقلل من أخطارها، إن لم تكن قادرة على وضع حد نهائي لها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2896 - الثلثاء 10 أغسطس 2010م الموافق 29 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:26 ص

      لا نعول كثيرا على الصناديق العالميه سواء تنمويه او بنكيه او تعميريه او غيرها

      طبعا مع التطور التكنلوجى والعلمى الهائل الا ان الدول سواء الصناعيه واللا ناميه تفشل فى مصارعه كوارث الطبيعه لكن نصيب الدول اللاناميه اشد وذلك بسبب هيمنة هكذا صناديق فصندوق النقد الدولى وسياساته تحرم هذه الدول من تراكم الراسمال الوطنى المحلى من تدويره فيما يخدم عملية التنميه الحقيقيه والاقتصاديه وتجعله يدور فى فلكها خاضعا فما تحتاجه هذه الدول منطق ثورى وطنى فى السيطره على موارده وتحرره من التبعيه الراسماليه فما تخلقه هذه التبعيه تدميرى اكثر مما تخلقه الكوارث الطبيعيه .

اقرأ ايضاً