العدد 2897 - الأربعاء 11 أغسطس 2010م الموافق 01 رمضان 1431هـ

الشاعرة وضحى المسجن في «بيــكيا عشاق» ماذا تقول؟

صدر مؤخرا الديوان الثالث للشاعرة الواعدة وضحى المسجن وهو بعنوان «بيكيا عشاق» في حين سبق للشاعرة أن أصدرت ديوانين شعريين هما «أشير فيغرق مائي» 2005 و«كف الجنة» العام 2008.

يلاحظ في الديوان الأخير «بيكيا عشاق» ومن خلال العنوان ذاته، أن قصائد الديوان تنحو منحى وجدانيا ذاتيا وعاطفيا يتكئ على الذاكرة والذكريات وألم الفراق بين الأحبة، وعلى ما تبقى من ذكريات حب مضى وانقضى، سواء أكانت تلك البواقي مادية أو معنوية.

يبدو العنوان غريبا بعض الشيء حيث يتكون من كلمتين (بيكيا وعشاق) فإذا كانت الكلمة الثانية مفهومة فإن الأولى تبدو غريبة إلى حد ما. لكن حالما نعرف أن هذه الكلمة تعني ما تبقى من الماضي، أو الآثار الباقية من ذكرياتنا، والأشياء المحببة إلينا، يتضح لنا حالا مدى بساطة العنوان وعدم غرابته وفي نفس الوقت دلالته العاطفية الوجدانية المثيرة للشجن ولزمن الحب الجميل الذي ضاع من الشاعرة لسبب أو آخر، ولم يبق منه سوى الهدايا والرسائل وبقايا الورود المهداة من الحبيب الأول وما شاكلها، التي تذرف الدمع عليها كلما سنحت سانحة.

يتكون ديوان «بيكيا عشاق» من قسمين الأول يحمل عنوانا ذا دلالة وهو «اشتريت كلاما كثيرا وصرت أبيع الكلام» ويتكون من مجموعة من القصائد القصيرة جدا جدا وهي أشبه بالومضات المكثفة والمعبرة في الوقت نفسه عن مقدار الوجد وثقل الذكريات الجميلة التي لاتزال آثارها المادية شاخصة أمام ناظريها، متمثلة في الجانب المادي من بيكيا الحب إذا جاز القول، والتي لا تتوقف عن ترداد صدى الأيام الخوالي، تلك الأيام التي تذهب وتأتي ولكن كذكريات عبر ما تبقى من لوازم لاتزال شاخصة.

ويتجلى ذلك في أشياء الحب وفي كل القصائد/ الومضات المليئة بالشوق والأسى والغصة، والغارقة في شقوق الروح والمعبرة عن هذه الأشياء. هذا ما نجده في عناوين قصائد هذا القسم من الديوان وكأمثلة يمكن الإشارة إلى: القصيدة الأولى في الديوان «بلوزة» وهي قصيدة تتكون من خمس كلمات/ فلاشات:

«باكتراث

بغير اكتراث

بقصد

بغير قصد

أطمعتني في حبك»

قصيدة ذات كثافة عالية واقتصاد شديد في اللغة والكلمات لكنها مليئة بالمعنى والعاطفة والصور الإيحائية.

وهكذا تنحو بقية القصائد في هذا القسم على هذا المنوال لتصور لنا بطريقة فنية الأجواء النفسية والوجدانية لما يدور ويجول في عقل وقلب وروح الشاعرة عبر ما تبقى من آثار ومخلفات (بيكيا العشق الجميل).

نجد ذلك في قصيدة «عطر» والتي تقول فيها «ألطخ روحي بإيقاع صوتك» ومضة/ قصيدة من أربع كلمات مشحونة بإيقاع روحي ونفسي عميق لا يمكن تجاهله من قبل الشاعرة، كما أنها لم تستطيع الفكاك من آثاره الباقية في أعماق الروح والكلمات مليئة بوجع الذكرى التي يتردد صداها دائما، وهو ما تدلل عليه عبارة «بإيقاع صوتك» حيث المراوحة بين الحضور والغياب، الخفاء تارة والتجلي مرة أخرى.

فكل أشياء الحب تذكرها، وهداياه تعلق بالذاكرة وشغاف القلب، وتذكرها بما كان بين العاشقين، لكنه لم يعد قائما الآن، لقد تبخر كل شيء ولم يبق منه سوى «شرشف احمر» و«فيونكة» و«منشفة» و«مفتاح» و«ركوة قهوة» و«مرآة» و«دب قطني» و«البوم صور» و«جينز»... الخ. إنها عناوين قصائد ومضية تذكر بأشياء وأشياء، وتبعث بالحسرة وكأنها حلقة في سلسلة طويلة لا تنتهي من أشياء الحب الأول، حيث العناوين تشير إلى تلك الوقائع والأحداث الأثيرة على النفس، ولم يبق من الحب سواها، إنها قصائد تمتاز باقتصاد القلة في اللغة، لكنها مليئة باقتصاد الوفرة في المعاني والصور الإيحائية التي تعبر عن الماضي الذي لايزال قائما عبر الأشياء والذكريات.

إلى جانب ذلك كله، تضمن هذا القسم من الديوان قصيدتين طويلتين إلى حد ما، من حيث التركيب واللغة لكنهما تنتميان إلى أسلوب الومضة السريعة. القصيدتان هما: الأولى بعنوان «أرشيف» والثانية بعنوان «عملة معدنية» لتصبحان خاتمة القسم الأول من الديوان.

في قصيدة أرشيف تبدو اللغة وفيرة بالقياس للقصائد السابقة، لكن المعنى بسيط لا يعبر عن سوى لوحة ظلت معلقة على الجدار وهي من مقتنيات أيام الحب الجميل ، وهذا هو الحب قد أفل وانتهى، وهي لما تزل معلقة على الجدار الذي هرم وعلى الرغم من تغير فكرة الحب ومحاولات اقتلاع الصورة. في القصيدة وفرة في الكلام ندرة في المعنى، أو لنقل اقتصاد في المعنى.

مقابل ذلك نجد في قصيدة «عملة معدنية» قصيدة طويلة نسبيا ومليئة بالمعاني تحاول أن تصور جوين نفسيين هما جوَّا علاقة الحب عندما كان العاشق يبدد نقوده من اجل معشوقته:

«في شراء علبة حلويات

في شراء شريطة لشعري

في يد امرأة متسولة

ضمن ثمن ايسكريم الشكولا في الظهيرة».

وأجواء ما بعد الحب التي أصبحتْ فيه تلك الأشياء مجرد ذكرى لا أكثر ولا اقل:

«وها أنا .. الآن..

أتمعن شرائط شعري

أيدي النساء المتسولات

علب الحلويات في السوبر ماركت

أيدي الصغار في العيد» .

إنها مجرد أشياء مثيرة للشجن ولمن يريد أن يعرف ماذا جرى أو يشتري أشياء الحب الضائع وما أكثر الشارين والبائعين لبقايا الحب.

هذا ما يتعلق بالقسم الأول من الديوان. أما القسم الثاني والذي حمل عنوانا ذا دلالة هو «رسائل عشق» فإنه يعبر عن الجانب المعنوي أو الروحي من تجربة الحب أو «بيكيا الروح» في تجربة الحب والتي لا يمكن بيعها كأشياء وإنما عن طريق الكلام وهي التي كانت تشتري الكلام فيما مضى، بينما تبيعه هذه الأيام.

يتكون هذا القسم من خمس عشرة قصيدة ذات نفس أطول من قصائد القسم الأول، حيث استطاعت الشاعرة أن تظهر مهارة متميزة في معظم القصائد في التعبير عن تجربة العشق من خلال الصور الشعرية تارة ومن خلال إيحاء الكلمات والعبارات تارة أخرى وعبر الجو العام الذي يشيع في القصائد مرة ثالثة.

هذا ما يتجلى في قصيدة «إذ أبكيك أو أسميك 1» حيث كانت الكلمات الطرية هي المدخل لجنة الحب المفقود. الحب الذي:

«ينبت لي زغب الورد من كلمة»

و«تأخذنا من طفولتنا في الصدى»

«والأغاني» «وطيش التصرف».

لكن الشاعرة على الرغم من طيش التصرف فإنها لا تلبث أن تستكمل القصيدة ولا تستطيع نسيان ما جرى بهذه السهولة، حيث تقول:

«نغفو لما تاه منها

«حبيبي»

ويتركني صوت قلبك»

وتكاد تسير قصائد الديوان في هذا القسم على وتيرة واحدة بين مكانة الحب بين العاشقين وما هو عليه الآن/ هذا إذا كان قائما أصلا حيث القصائد كلها بدون استثناء توحي بذلك مداورة وتلميحا دون التصريح.

يبدو ذلك في قصيدة «لو أحببتني ونسيت» وهي أشبه بمونولوج بين العاشقين ومذاكرة بينهما إلى ما آل إليه ذلك الحب:

«قل هذا للتو

قل هو كذبة

قل.. لا تقل

سترتبين أصابعي في ماء كفيك

اعتقدت بأنني يوما ساترك خاتمي في رف عينيك

اعتقدت بأننا سنضيء أشجار الشجار

ونحتمي بالشمس منا

واعتقدت بأنني سألوذ بالليمون منك»

ليصل الحوار مداه في الاتهامات المتبادلة:

«أنتَ اغبى من عرفتُ

وأنتِ (أطفلُ) من عرفتُ

سيلتهي اللغوي بالمبنى ويذهل عن قصيدتنا»

لاشك أن القصائد ذات بعد شخصي ومغرقة في الذاتية حيث عوالم الأنا قوية، حتى لو تحدثت عن الآخر/ العاشق، الحبيب. لكن ذلك لا يفقدها شيئا من جماليتها أو إيحاءاتها الفنية والشعرية. ذلك أن الشاعرة وضحى استطاعت أن توظف الأجواء النفسية المشحونة حزنا واسى في تقديم مجموعة من القصائد المعبرة عما هو إنساني مشترك حتى لو كان منطلقا مما هو فردي أو شخصي، فالحب مسألة إنسانية مشتركة وان تجلت بأشكال متباينة بين العشاق.

من جانب آخر، تمكنت الشاعرة أيضا من توظيف اللغة بشكل مباشر وبسيط في تشخيص تجربة عشقية، قد تعجز اللغة في بعض الأحيان عن التعبير عنها كما ينبغي. إلا أن الشاعرة في معظم قصائد هذا القسم استطاعت أن تقدم لنا قصائد ذات شعرية متعددة المستويات. ويتجلى ذلك في البناء العام والمحكم في القصائد حيث تسيطر على أسلوب بناء القصيدة، كما يتجلى في الصور الفنية/ الشعرية وشحناته الانفعالية والإيحائية. وأخيراً يبرز ذلك التوظيف في قدرة الشاعرة على نقل التعاطف أو التأثير فينا من خلال استخدامها الموفق للعبارات في تراصفها، والكلمات في شحناتها الانفعالية.

دون مبالغة يمكن القول تتميز قصائد الديوان في قسميه الأول والثاني بخفة وجمال الفراشة مع الفرق في مبنى القصائد في القسم الأول حيث أسلوب الومضة/ اللمعة هو الحاكم لبناء القصائد، وأسلوب الوفرة اللغوية في قصائد القسم الثاني. ولكن في الحالين يمتاز شعر وضحى بخفة الفراشة وجماليتها على نفس القارئ دون معاضلة، أو تعقيدات لغوية لا لزوم لها. فهي مباشرة نعم، وهي إيحائية ملتبسة حيث يتطلب الشعر ذلك، نعم أيضا، لكنها لغة شعرية عالية.

يمكن الإشارة في الأخير إلى بعض الاستخدامات ربما غير الموفقة في اللغة الشعرية وهذه تعود في اعتقادنا إلى نضارة التجربة الشعرية لدى الشاعرة، مثل السطر الثالث في قصيدة «أرشيف» صفحة 30 حيث تقول «أشار الناس باستبدالها بأخرى». إذْ كان بالإمكان أن تقول «أشار الناس استبدالها بأخرى» دونما حاجة إلى حرف الباء الزائدة حيث لا ضرورة لذلك، وفي السطر الذي يليه مباشرة جاء «تمنت صبية في الثامنة عشر» في حين أن الصحيح هو «تمنت صبية في الثامنة عشرة» كما أن هناك بعض الهنات اللغوية والنحوية والصرفية، والتي بالتأكيد لا تؤثر على المستوى الفني والشعري للديوان، حيث يعود ذلك كما نرى إلى طراوة التجربة لدى الشاعرة وضحى، والتي ستتعزز في القادم من الأيام وستتجاوز من خلالها تلك الهنات العابرة.

فقط نشير إلى عنوان مقدمة الديوان حيث تكتب في هذا الصدد «أنهم العشاق وإنها أشياءهم..» (هكذا) والأصح «أنهم العشاق وإنها أشياؤهم».

هذه مجرد ملاحظات أو انطباعات عابرة لديوان «بيكيا عشاق». هذا الديوان إذا ما أخذناه في مجمله فهو يقدم تجربة شعرية ثابتة ومستقرة على أرضية صلبة تدلل على قدرة الشاعرة على تجاوز نفسها باستمرار، وشحذ لغتها في كل الأحوال.

لا أبالغ إذا ما قلت إن ما جاء في هذا الديوان يشي بمشروع شاعرة ينتظر منها الكثير في عوالم الشعر في البحرين. اجل إنها وضحى المسجن، الشاعرة الرقيقة كالفراشة وبجدارة.

العدد 2897 - الأربعاء 11 أغسطس 2010م الموافق 01 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً