العدد 1002 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ

اغتيال صحافي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا يعني اغتيال صحافي؟ إرهاب الكلمة. تخويف الناس. وضع حد فاصل بين السياسي والإعلامي. منع سلطة الرأي من التدخل في حدود ترسمها قوى تصنع السياسة. تحجيم وظيفة الصحافي وتحديد مجال عمله في سياق مهني لا يتجاوز مهمة نقل الوقائع.

كل هذه الاحتمالات مجتمعة ربما تكون وراء اغتيال الأستاذ الجامعي والكاتب الصحافي في صحيفة "النهار" في منطقة الأشرفية في بيروت. اغتيال سمير قصير يتضمن كل هذه الاحتمالات مضافا إليها: توجيه رسالة.

مسألة "توجيه رسالة" تتردد دائما في لبنان عقب كل حادث اغتيال سياسي غير مفهوم ولا يجد التبريرات الكافية لتفسيره. ولهذا السبب اخترع اللبنانيون هذا المصطلح واستخدموه في مناسبات مختلفة. فهناك دائما ضحايا بريئة وقع عليهم الاختيار لتوجيه رسالة سياسية.

ما هي الرسالة التي يراد توجيهها من وراء اغتيال الكاتب الصحافي سمير قصير؟ احتمالات كثيرة يمكن استعراضها لترسيم حدود اللعبة السياسية في لبنان. ومن تلك الاحتمالات الإرهاب والتخويف وعزل سلطة الرأي عن مؤسسات القرار وتحجيم دور الصحافي.

كل هذه النقاط يمكن إيرادها للدلالة على عناوين رسالة وجهت إلى السياسيين من خلال تفخيخ سيارة صحافي تجرأ على تجاوز حدود اللعبة التي يراد حصرها في دائرة أمنية ضيقة. فسمير هو ضحية العقل الأمني الصغير الذي لا يقرأ سياسة ويرى أن الخطر يأتي من الكلمة وليس من استراتيجيات دولية كبرى تهدد المنطقة بزعزعة استقرارها وتستغل كل الحوادث من أجل تبرير مشروعها التقويضي.

العقل الأمني لا يقرأ سياسة ويميل عادة إلى تضخيم هواجسه وقلقه وتوتره الداخلي بسياقات لا تأخذ في الاعتبار اختلاف الظروف والتوقيت والنتائج المترتبة عن مثل هذا العمل. فالمهم عند العقل الأمني أن ينجح تقنيا في عمله البوليسي من دون ارتكاب أخطاء. فالعقل هنا محكوم بالتقنيات التنفيذية التي تستهدف توجيه رسالة إلى المعنيين بالأمر من دون إدراك لتداعيات ذاك العمل وانعكاساته السلبية وارتداده سياسيا على الجهة التي يعتقد العقل الأمني أنه يدافع عنها.

وهذا ما حصل في لبنان بعد اغتيال قصير. فالعملية زادت من التوتر ورفعت نسبة القلق وأعادت اصطفاف القوى بأسلوب منهجي حدد من جديد إطاراته وأهدافه في المرحلة المقبلة. فالاغتيال فشل في إرهاب الكلمة أولجم الناس عن التعبير عن مواقفها أو تخويف قوى المعارضة ومنعها من الاجتماع لتجديد مسار أصيب ببعض الانكسارات وصلت إلى حد الاختلاف والتشتت في كثير من المناطق.

العقل الأمني الصغير أراد من خلال "توجيه الرسالة" القول: نحن هنا ومازالت عندنا القدرة على الضرب في كل الأمكنة والأزمنة. وهذا الاغتيال هو إشارة سريعة إلى عناوين أخرى يمكن رؤيتها في حالات مقبلة.

والرد على هذه الرسالة جاء مخالفا للتوقعات، إذ أعطى إشارة للتصعيد المضاد ضمن برنامج سابق لم تكتمل فصوله ونقاطه. كذلك جاء الرد ليضع حادث الاغتيال في سياقه السياسي المكشوف من دون محاولة لتقديم تفسير مختلف يحاول قراءة المسألة في إطار مخابراتي دولي يراقب الوضع اللبناني ويرصده تمهيدا لتفخيخ علاقاته الداخلية وتفجيره حين تأتي الفرصة.

الرد كان سريعا ولم يخرج على السياق السياسي المكشوف "مقالات سمير ومواقفه السلبية من نظام المخابرات" ولم يبحث في أدلة قد تقود إلى احتمالات أخرى ونتائج غير متطابقة مع ردة الفعل الأولى. فمن فعل هذه الجريمة كان يدرك حصول مثل هذ الاحتمالات. ومن لم يفعلها كان بدوره يدرك أن مثل هذه الاتهامات ستحصل. وبهذا المعنى تصبح المسألة على سوية واحدة لأن الفاعل سيدافع عن نفسه ليقول إنه ليس الفاعل لأنه يعرف سلفا أن التهمة ستوجه إليه وبالتالي كيف يبادر إلى مثل هذ المغامرة؟

إنها في النهاية لعبة مخابرات يقودها عقل أمني صغير لا يفكر في السياسة وإنما يقرأ ردود الفعل في إطار أجوبة جاهزة يظن أنها كافية لتبرير موقفه والدفاع عن مصالحه. فالاغتيال في النهاية سياسة. والسياسة لا تستقيم من دون توجيه رسائل متواصلة تختار أحيانا الأهداف عشوائيا وتنتقي الضحايا مصادفة. وسمير قصير هو عنوان تلك الرسائل المتوقعة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1002 - الجمعة 03 يونيو 2005م الموافق 25 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً