العدد 1019 - الإثنين 20 يونيو 2005م الموافق 13 جمادى الأولى 1426هـ

"هايد بارك" بحريني

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

أثناء اللقاء بوزير الداخلية في مكتبه يوم أمس، ذكر أحد الحاضرين - ربما عن طريق المزحة - فكرة تخصيص مكان محدد للمظاهرات المتكررة. ولعل الفكرة تبدو حجة لمنع المظاهرات أو تحجيمها، لكنها فعلا موجودة في عدة بلدان، منها العاصمة البريطانية "لندن"، التي يوجد في وسطها واحد من أكبر وأجمل متنزهات لندن، يسمى "هايد بارك". البريطانيون وغير البريطانيين يتجمعون في إحدى زوايا المتنزه كل يوم أحد، في "ركن المتحدثين" القريب من بوابة "ماربل آرج"، إذ يجتمع الناس ليتحدثوا عما يجول في خواطرهم ضمن ضوابط تحفظ السلم العام. وفي الوقت ذاته، فإن أية جهة تود الخروج في مظاهرة خارج المتنزه فإن عليها ان تأخذ رخصة لكي تستعد الشرطة لتسيير الأمور عندما تخرج المظاهرة.

بعد الانتهاء من اللقاء الصحافي الذي جمع وزير الداخلية برؤساء تحرير الصحف المحلية أمس بدأت أفكر بجدية في المقترح الساخر الذي انطلق أثناء الجلسة. لماذا، فعلا، لا يكون لنا مكان خاص للتظاهر مشابه للهايد بارك في لندن؟

متنزه الهايد بارك كان أساسا ملكا للكنيسة الكاثوليكية حتى الثلث الأول من القرن السادس عشر الميلادي، عندما قام الملك الإنجليزي هنري الثامن بالانفصال عن الكنيسة "وتأسيس مذهب جديد ينتمي للبروتستانتية"، ومن ثم "وضع يده" على المتنزه واستملكه وحجزه لنفسه ولأفراد عائلته المالكة فقط. ولكن في الثلث الأول في القرن السابع عشر "بعد مئة سنة من وضع الملك يده على المتنزه، ومع تحول بريطانيا من نظام الملكية المطلقة إلى نظام الملكية الدستورية بصورة تدريجية" تم فتح المتنزه إلى عامة الشعب. وفي احدى زوايا الهايد بارك يقع "ركن المتحدثين"، وهو القريب أيضا من بوابة "ماربل آرج". البوابة تاريخيا كانت مكانا لاعدام الأشخاص الذين يحكم عليهم بالموت حتى نهاية القرن الثامن عشر. ولذلك فإن الناس اعتادوا التجمع لسبب من الأسباب في هذه المنطقة بالذات. وبعد ذلك، وخصوصا منذ منتصف القرن التاسع عشر، أصبح هذا الموقع "ماربل آرج وركن المتحدثين" منطلقا للتظاهرات السياسية والعمالية، ومع الأيام تحولت المنطقة إلى واحدة من أجمل مناطق لندن، إذ تحتوي على أهم مركز للتسوق "أكسفورد سيركس"، وأهم المتنزهات والمواقع السياحية.

الاقتراح بإنشاء "هايد بارك" بحريني ربما يبدو ساذجا أو للسخرية، ولكنه فعلا قد يكون مشروعا طموحا للبحرينيين. ويبقى علينا ان نفكر في متنزه مثل "هايد بارك" في البحرين "وهو شيء غير موجود"، وفي منطقة تستطيع استيعاب الناس وتجمعاتهم من دون ان تتعطل الحياة. بل على العكس، فلربما يحدد يوم للفعاليات، وتنشأ لنا أهم أسواق البحرين بالقرب من هذه المنطقة، كما هو حال لندن.

بعيدا عن الأفكار التي ابتعد بها ذهني، أعود إلى لقاء أمس مع وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة ووكيل الداخلية الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة وعدد من قيادات الأمن العام. فقد شعرت فعلا، ان الوزير يتألم إلى اضطرار قوات الأمن إلى المواجهة مع المعتصمين بالقرب من الديوان الملكي. وشخصيا، فإنني اعتقد بحق الناس في التعبير عن آرائهم والتجمع السلمي، ولكن ينبغي ان نأخذ في الاعتبار بعض الأمور المهمة. فالوزير قال انه لا مانع لدى الوزارة في ان يعتصم من يود إبداء رأيه في أماكن أخرى بعد ان أعلنت منطقة الديوان الملكي منطقة أمنية محظورة، وان الوزارة ليست بصدد ان تمنع الحريات العامة أو اللجوء إلى استخدام القوة المفرطة، ولكن - بحسب تعبير وزير الداخلية - لكل شيء حدود.

الشيخ راشد أكد خلال لقائه يوم امس ان من أهم الأهداف التي سعى إليها منذ تسلمه الوزارة هي بناء جسور الثقة بين الشرطة والمجتمع، وان مثل هذا الهدف يعتبر مفتاحا لنجاح حركة الإصلاح. فاليوم تعاني البحرين من مشكلات عدة، وإذا أردنا ان نحمي حقوق الناس، فيجب علينا ألا نعطي مبررا لاستخدام العنف أو العنف المضاد.

وانني في الوقت الذي اتعاطف مع كل من لديه قضية عادلة، مثل حق الحصول على عمل، فإنه من الواجب الحديث عن اساليب التعبير والأماكن والأزمنة المناسبة، لكي نصل إلى تحقيق مطالب الناس دون أن نخلق أجواء تعيد لنا ممارسات حقبة أمن الدولة السابقة. وإذا كانت وزارة الداخلية تطلب ممن يود التعبير عن رأيه ان يفعل ذلك بحسب القانون المعقول، فإنه ليس من الصعب على من يود ان يحتج ان يختار الزمان والمكان اللذين لا يؤديان إلى جر الساحة إلى العنف. فالجمعيات المقاطعة سيرت مسيرة كبرى في مدينة حمد الجمعة الماضية، ولم تحصل أية اصطدامات أو مشكلات أمنية. والذين سيروا المظاهرة التزموا بالأسلوب الحضاري في المعارضة، كما التزمت الشرطة بالأسلوب الحضاري في السماح لتلك المظاهرة الكبرى.

وفي الوقت الذي أتمنى ان نجد متنفسا مثل "الهايد بارك"، فإن علينا جميعا مسئولية الحفاظ على المكتسبات وعلى الحريات العامة وألا نجر الساحة إلى العنف أو العنف المضاد، من دون ان نتخلى عن أية حقوق أو مبادئ

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1019 - الإثنين 20 يونيو 2005م الموافق 13 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً