العدد 1019 - الإثنين 20 يونيو 2005م الموافق 13 جمادى الأولى 1426هـ

البحرين تاريخ وآثار... ولكن من يحميهما؟

زاهي حواس comments [at] alwasatnews.com

-

نتحدث عن حضارة وآثار البحرين، وعن ثقافة شعبها وحبه للآثار والحفاظ عليها. وقد دعيت إلى حفل عشاء برفقة الشيخ محمد بن خالد وحرمه الشيخة مي آل خليفة، إذ اتضح لي أن المرأة في البحرين حصلت على مكاسب في كل المجالات، ويكفي أن جامعة البحرين وجامعة الخليج تقوم على رئاستها سيدتان فاضلتان تلعبان دورا مهما في تقدم العلم والتعليم. وعرفت أن هناك جمعية لتاريخ وآثار البحرين، تضطلع بدورها الفاعل والمؤثر في الدفاع عن آثار البحرين. وعندما تعرضت مقبرة عالي الأثرية إلى التدمير، وهي المقبرة التي يطلق عليها أكبر مقبرة أثرية في العالم، وقامت الجرافات بتدمير الموقع الأثري، هبت هذه الجمعية للقيام بدورها في وجه هذا التدمير.

أحد المثقفين الذين حضروا العشاء أخبرني بأن تدمير المقبرة قد تم بالمعدات والأيدي البشرية، وكان هذا التدمير للمقابر يتم عمدا، وحتى توزع الأرض على أصحاب النفوذ. كما يقومون ايضا بإقامة شارع داخل المنطقة الأثرية، بل ووصل الحال إلى تغيير اسم الموقع، ورد الفعل كان عنيفا جدا من المثقفين والصحف، خصوصا صحيفة "الوسط" التي وصفت ما حدث بأنه جريمة في حق التاريخ. وطالب المواطنون بضرورة مخاطبة اليونسكو للتدخل لإيقاف هذا التدمير وتشكيل لجنة من الفنيين لعمل تقرير أثري وفني عما تم من تدمير. وقد قام رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين عيسى أمين بدور قوي وفعال في سبيل الوقوف ضد تدمير مقابر عالي الأثرية.

وللأسف الشديد وعلى رغم وجود قانون للآثار صدر في العام ،1970 فقد قرر الأهالي الذين يخافون على الموقع الأثري أن هذا القانون ليس له وجود ولا يطبق، وبالتالي فإن التدمير مستمر لأنه ليس هناك عقاب على الجرائم التي تحدث في حق الآثار. وقد أفزعني الخبر الذي يؤكد أن البحرين كان بها نحو 172 ألف تل أثري، ولا يوجد الآن غير ألف تل فقط، ولنا أن نتصور كمية المعلومات الأثرية التي فقدناها من خلال تدمير هذه التلال قبل إجراء التنقيبات الأثرية بها.

ويعود تاريخ مقابر عالي إلى ما قبل حضارة دلمون، وتشتهر المنطقة بوجود عدد كبير من المقابر الأثرية المقببة التي تشغل مساحة كبيرة من أرض جزيرة البحرين، ويقدر عددها بعشرات الآلاف. وهناك آلاف من هذه المقابر في قريتي الجنبية وسار في الجهة الشمالية الغربية، أما قرية الحجر فإن مقابرها محفورة في الصخر والبعض الآخر مبني من الحجر، وتضم كل منها غرفة واحدة أو غرفتين في مستوى واحد، إحداهما فوق الأخرى. ويتكون سقف المقبرة من ألواح مصنوعة من الصخر تغطى بالتراب على الصخور حتى تتخذ شكل التلال.

وقد بدأت أعمال الحفائر بالمنطقة منذ العام 1879 وعثر داخل بعض هذه المقابر على تحف أثرية فنية عبارة عن لفائف لزهرة رباعية الأوراق يحتمل أن تكون حلية لفستان. وعلى رغم أنها صغيرة جدا فإن هذه الحلية تنم عن ثراء الثقافة القديمة لدلمون.

ومن الغريب جدا أن التدمير الذي تم بالمقابر كان يمكن تداركه لو قام الأثريون بحفر الموقع علميا، وبعد ذلك يمكن أن تسلم الأرض للدولة، وقد قام أهالي المنطقة بالاعتصام لأنهم يعتبرون التعدي على هذه المقابر بمثابة التعدي على التاريخ والحضارة والتراث. وقد تحدثت مع بعض المثقفين في الحفل وتساءلت عن دور المسئولين عن الآثار في البحرين، ولا أعني هنا الوزير فقط، بل والأثريين المسئولين عن إدارة الآثار، وضربت لهم المثل في مصر، وهو أننا وقفنا أمام تنفيذ الطريق الدائري بمنطقة الهرم، وهي عبارة عن وصلة للطريق الدائري تقع إلى الناحية الجنوبية من أهرامات الجيزة. وقد وقف الجميع ضد تنفيذ هذه الوصلة على رغم أن تنفيذها سيسهل الاتصال بين شرق القاهرة وغربها. وأعلنت عن رفضي لتنفيذ هذه الوصلة، كما قرر وزير الثقافة فاروق حسني عدم الموافقة على تنفيذ هذا المشروع الذي يضر الأهرامات، وأصدر الرئيس مبارك قراره التاريخي بإيقاف هذه الوصلة.

وقد زرت أيضا معبد باربار الذي يرجع تاريخه إلى نحو أربعة آلاف سنة، وهو معبد فريد من نوعه، ويعود إلى حضارة دلمون وليس له علاقة بحضارة بلاد ما بين النهرين. وقد بني هذا المعبد في نهاية عهد السومريين وبداية عهد البابليين في الواحة، وهو يختلف كلية عما هو موجود من آثار في العراق، ما يدل على أنه كان نتاجا خالصا لأهالي دلمون الذين كانوا يعيشون على الساحل الشمالي الشرقي للبحيرة العربية التي من ضمنها البحرين حاليا.

أما عن أصل اسم باربار، فهناك اختلاف بشأن هذه التسمية، لكن في اللغة السومرية هنالك كلمة قريبة جدا من باربار تعني معبد، وهي الأقرب لأن باربار أساسا كانت المركز الديني لحضارة دلمون. وكان الدلمونيون يمارسون طقوسا دينية مختلفة عن غيرهم، ما تعتبر جزءا أساسيا من تاريخ حضاري شكل أسسا لحضارات لاحقة.

وقد بدأت بعثة دنماركية في التنقيب عن الآثار بالموقع منذ العام ،1954 واكتشفت أهمية هذا الموقع في حضارة دلمون، وعملوا مقارنات بين هذا المعبد ومعابد السومريين، وقد احتفل السومريون منذ أقدم العصور بقداسة حضارة دلمون في عقائدهم وفي شعائر احتفالاتهم الدينية، منادين بها موطنا أصليا، إذ كانت معروفة بأنها أرض العبور والأرض التي تشرق منها الشمس، وأرض الحياة. ومن المعتقد أن تكون البئر المقدسة في معابدها هي المدخل الوحيد إلى أبوبيت أنكي، وهي قاع المياه الساكنة في جوف الأرض، إذ سكن أنكي في قصر مبني من الفضة واللازورد، ومنها استمد المعبد قداسته المتفردة وطابع الغموض، وهي الميزة الخارقة التي ارتبطت بالمكان لفترة طويلة، وهذا ما أكدته قصائد السومريين.

وقد اكتشف هذا المعبد لأول مرة منذ نحو 100 عام، وذلك عندما زار القبطان إيه. إل. بوراند المنطقة الشمالية من البحرين وكتب تقريرا أشار فيه إلى أن الموقع عبارة عن تلال رملية، لكنه عثر على صخرة ضخمة بها دعامة باب اتضح فيما بعد أنها جزء من المعبد الثالث المبني في باربار، والمنطقة بصفة عامة غنية بالبقايا الأثرية المرتبطة بأبنية المعبد، منها ما يرجع إلى الألف الثالثة قبل الميلاد في البحرين.

وقد زرت قلعة البحرين ومعي الشيخة مي آل خليفة، والأثري الشاب البحريني سلمان محاري، وكان معنا أيضا عالم الآثار الفرنسي بيير لاومبارد. وكنت مهتما بزيارة القلعة لأن هناك آراء بأن أعمال الترميم التي تمت خاطئة، وهناك الكثير من المثقفين الذين يعتقدون أن أعمال الترميم التي تمت قد شوهت القلعة، ويعتقد المثقفون أن اليونسكو سترفض تسجيل القلعة ضمن التراث العالمي. وفي الحقيقة وجدت مخالفات بسيطة جدا في الترميم، ولا أتفق مع القول بأن القلعة قد تم تشويهها، بل إن أعمال الترميم جيدة.

قد لا يكون هناك اهتمام بالموقع القريب من القلعة، ويعود تاريخ هذه القلعة إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. وتحتل القلعة جزءا كبيرا من الموقع الأثري، وأعطي اسم قلعة البحرين للموقع كله، وتم بناء القلعة على ثلاث مراحل لفترات تاريخية مختلفة، كان أولها في القرن 14/ ،15 وآخرها على يد البرتغاليين. وتقع على شاطئ البحر في الجهة الشمالية من جزيرة البحرين، وتحدها من الشرق قرية كرباباد، ومن الجنوب قرية "القلعة" نسبة للموقع، ومن بعدها قرية حلة العبد الصالح، أما من الشمال فتطل على البحر مباشرة. وقد أثبتت أعمال الحفائر في موقع القلعة أن أقدم بقايا لاستيطان بشري تم العثور عليها في موقع قلعة البحرين إلى العام 2200ق.م. وهو موقع متعدد الفترات يمكن من خلاله تتبع جميع الفترات التاريخية التي مرت على البحرين حتى القرن السادس عشر، هي حضارات: دلمون وتايلوس والحضارة الإسلامية.

وقد أعجبت بالحفائر التي تتم حول القلعة خصوصا لاتباعها الأسلوب العلمي في الحفائر والتسجيل، وسعدت جدا لوجود أثريين بالبحرين على مستوى عال. وقد دونت في دفتر الزيارات إعجابي بالكثير من المواقع التي تم ترميمها بالقلعة بالإضافة إلى أن مشروع الحفائر الذي تم يسير بطرق علمية يجب الإشادة بها.

هذا هو تاريخ البحرين الذي يعود بها إلى حضارة قديمة عظيمة، لكن للأسف يمكن أن تفقد الكثير من المعلومات نتيجة لتدمير التلال والمقابر الأثرية، لأن الحفائر لم تكتب بعد كل تاريخ البحرين العظيم.

وقد حضرت اجتماع اتحاد الأثريين العرب بالقاهرة الأسبوع الماضي الذي يرأسه صديقي علي رضوان، وتكلمت عن البحرين وأشرت لهم إلى ما يحدث في البحرين وإلى هذه الحضارة العظيمة، حضارة دلمون، التي احتفل هذا العام بمرور 50 سنة فقط على اكتشافها، ولا أعرف هل تم الاحتفال بهذه المناسبة أم لا، لأنه كان من المفروض أن يقام هذا الاحتفال في شهر نوفمبر الماضي، لكن تم تأجيله لوفاة الشيخ زايد. وقد شرحت أمام اتحاد الأثريين العرب أهمية وقوف الكتاب والمثقفين ضد هذا التدمير، بل واعتصام عدد كبير من أهالي البحرين ومعهم أعضاء مجلس بلدية المنطقة الوسطى وبعض نواب الشعب وأعضاء من الجمعيات البيئية والمؤسسات الأهلية.

وهنا يجب أن نعرف أن الجمعيات الأهلية يمكن أن تلعب دورا مهما جدا في الحفاظ على الآثار لأن الموظفين والمسئولين قد لا يستطيعون الوقوف ضد الحكومة أو ضد المشروعات التي تدمر الآثار، فهم قد يخافون على مناصبهم، لذلك يلتزمون الصمت. لذلك فإن الجمعيات الأهلية تكون لها الحرية الكاملة في الاعتراض، لذلك فقد أنشأنا في مصر جمعيات أصدقاء المتاحف، وخصوصا المتحف المصري والإسلامي والقبطي واليوناني والروماني، وهذه الجمعيات ترأسها شخصيات عموما من مصر، جمعية أصدقاء المتحف المصري يرأسها الفنان نور الشريف. والمتحف الإسلامي والقبطي يرأس جمعياتها المحاسب الفريد منصور، ورئيس جمعية أصدقاء متحف المنيل الأمير عباس حلمي، ومن أعضاء هذه الجمعيات الكاتبة سناء البيسي وطارق صبحي وحسين صبور وعبدالرؤوف الريدي ومنير غبور وإسماعيل عثمان والسفير أحمد والي، وفي اجتماعي مع الأعضاء دائما أؤكد أن لهم القوة في الوقوف للحفاظ على الآثار والاهتمام بهذه المتاحف

العدد 1019 - الإثنين 20 يونيو 2005م الموافق 13 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً