العدد 1026 - الإثنين 27 يونيو 2005م الموافق 20 جمادى الأولى 1426هـ

ما بعد معركة الموازنة

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

أعربت الحكومة عن استيائها من الطريقة التي تعاملت بها الصحافة المحلية مع وقائع جلسة مجلس النواب بشأن الموازنة العامة للدولة. واخذت الحكومة على الصحف انها نشرت آراء النواب وانتقاداتهم وتجاهلت ردود ممثلي الحكومة في الجلسة. وردت على الاتهام الرئيسي الموجه لها من النواب بأن جميع الايرادات تم تضمينها في الموازنة على العكس مما يقوله النواب وتصدر الصفحات الاولى للصحف.

والبحث هنا عن صحة ما ذهب اليه النواب او ما رد الحكومة قد يبدو مهما للكثيرين، لكن ما كشفت عنه تلك الجلسة المواجهة مهم ايضا ربما بدرجة اكبر.

لقد اعادت جلسة الموازنة تذكيرنا بما جرى في التحقيق بشأن اوضاع صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية. ففي الاعوام الثلاثة الماضية من عمر البرلمان، اصطدم النواب مع الحكومة في قضيتين تتعلقان بالاموال العامة. وفي كلا القضيتين كانت هناك اتهامات للحكومة التي وجدت نفسها في موقف الدفاع.

لقد رصد تقرير لجنة التحقيق البرلمانية في اوضاع صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية مخالفات عدة، وقامت الحكومة بدورها بعد اخذ ورد بالاعلان انها طبقت توصيات التقرير وتوقف اختبار القوة عند مسألة استقالة المسئولين عن الصندوقين.

اما ابرز ما خلصنا اليه من متابعة السجال بين الحكومة والنواب بشأن الموازنة العامة للدولة هو ان هناك تأخيرا من قبل الحكومة امتد سبعة اشهر في تقديم البيانات للمجلس. واذا ما اضيف الى ذلك اتهام بعض النواب للحكومة بعدم تضمين بعض بنود الايرادات في الموازنة، فإن الاولويات الاقتصادية وتسيير الاقتصاد لايزال يمثل نقطة خلاف كبيرة لدينا.

لا يتعلق الامر بمدى اتفاق الحكومة او النواب او خلافهم على اولويات الانفاق او مصادر الدخل فحسب بل ان كل ما رافق مناقشة الموازنة العامة للدولة وخصوصا التأخير في تقديمها للمجلس "يعكس حالا من غياب المهنية والاحتراف حين يكون عرفا سائدا التأخر في إنجاز مشروع ما، بحجم الموازنة يعد أهم مشروع للدولة" مثلما ذهب اليه الزميل عباس بوصفوان. "لكي نتفادى تأخير اقرار الموازنة "الوسط" 26 يونيو".

يمكن ملاحظة الكثير من الحماسة في اداء النواب في الجلسات العامة. ولقد اعادت جلسة المناقشة بشأن الموازنة تذكيرنا بالاجواء التي سادت اثناء مناقشة تقرير لجنة التحقيق في اوضاع صندوقي التقاعد والتأمينات. ويمكن رد هذه الحماسة الى الحاجة الحقيقية لارضاء الناخبين مثلما يذهب اليه منتقدو النواب. لكن هذا الاداء يبدو طبيعيا جدا لطبيعة العلاقة بين الحكومة والنواب من جهة والاتهام بالعجز الذي يحاصر النواب خارج المجلس.

فالنواب البحرينيون من بين نظرائهم في العالم يعيشون وضعا فريدا حيث قلة تتمنى نجاحهم. هذا يعكس نفسه جليا في طريقة نقاشهم ومقدار التوتر البالغ في مداخلاتهم وسرعة انقيادهم نحو الشجار. واذا ما اضيف الى ذلك نوع الملفات التي يتصدون لها، تبدو طريقتهم في الجلسات العامة ثمرة طبيعية لهذا الوضع بامتياز.

في الجلسة الشهيرة لمناقشة تقرير لجنة التحقيق في اوضاع صندوقي التقاعد والتأمينات، كنت اجلس بقرب مواطن من الذين قاطعوا الانتخابات. انه مواطن عادي وليس ناشطا ولا قياديا، لكنه علق بتعليق بليغ ذي دلالة: "لا اصدق انني ارى ثلاثة وزراء يسلخون احياء في البرلمان بهذه الطريقة".

كان ذاك تعليقا لما جرى قبل عام ونصف العام، ولكن على النواب الانتباه الى ان هذا الاحساس قد تراجع. ومناقشة جلسة الموازنة استثارت قدرا اقل من الاهتمام مقارنة بما جرى في جلسة صندوقي التأمينات والتقاعد. واذا كان هناك سبب لذلك فهم يدركونه قبل غيرهم، فتكرار المناقشات العاصفة دون اي تغيير حقيقي على الارض امر يبعث على الاحباط.

ان هذا لا يحجب حقيقة ان في اداء النواب ايضا الكثير من مظاهر انعدام الاحتراف. وتبدو حاجتهم ماسة الى الاستعانة بالخبراء والمختصين في ميادين عدة. ربما يستعين بعضهم بالخبراء حسب استطاعته، ولكن الاستشارات وفرق العمل والخبرة ومؤسسات البحث لاتزال تقاليد غائبة في الحياة البرلمانية والحياة السياسية عموما في البحرين.

ليس النواب وحدهم بحاجة الى تعزيز الخبرة والعمل بمقاييس احترافية عالية، بل صحافتنا المحلية ايضا.

فالصحف في عناوينها لم تفرق بين "الموازنة" و"الميزانية" واختلط الامر على عدد لا بأس به من الكتاب والمعلقين ايضا. وتبدو مسئولية الصحف اكبر من الجميع ايضا طالما انها مصدر المعلومات للناس والتجسيد العملي لحقهم الدستوري في معرفة ما يجري واداتهم في حرية التعبير. فغياب الاحتراف في صحافتنا له كلفة باهظة في كل الميادين وعلى الصحافيين انفسهم. فعندما لا تميز الصحف التي يعتمد عليها الناس في تلقي المعلومات بين الموازنة والميزانية فالنتيجة الوحيدة هي جمهور مضلل.

فالموازنة هي تقديرات للمصروفات والايرادات، اما الميزانية فهي المصروفات والايرادات الفعلية المتحققة وعندما يكون اولئك المسئولون عن توصيل المعلومات والحقائق للناس ونقل الوقائع بدقة لا يعرفون هذا الفارق، فكيف يتجاسر هؤلاء على توجيه كل هذا النقد اللاذع إلى النواب وغيرهم؟

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1026 - الإثنين 27 يونيو 2005م الموافق 20 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً