العدد 2928 - السبت 11 سبتمبر 2010م الموافق 02 شوال 1431هـ

القس الأميركي وحرق المصحف مرة أخرى

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد أظهر تاريخ القس الأميركي تيري جونز عداءً تاريخياً تجاه الإسلام والمسلمين ثم جاء تراجعه عن قراره بأسلوب ملتوٍ، إذ ادّعى وجود اتفاق مع أحد الأئمة المسلمين في فلوريدا أن يتخلى عن حرق المصحف مقابل تخلي المسلمين عن بناء مسجد ومركز إسلامي في نقطة الصفر في نيويورك ثم عاد وادّعى كذب الإمام المسلم عليه ذلك لأن هذا الإمام في فلوريدا أو الإمام في نيويورك أنكروا وجود اتفاق كهذا وإن كان الإمام في فلوريدا أوضح أن هذا اقتراح من القس وأنه قال له يمكن بحث الأمر. وهذا الكلام مختلف عن الادعاء بوجود اتفاق ثم تم التراجع عنه. هذا كله يظهر كذب وتلاعب هذه الشخصية التي تدعي الانتساب للدين المسيحي ولكن دراسة تاريخ القس تظهر أنه حديث عهد بالعمل الديني وأن تخصصه في علم الإحياء. ويهمنا مناقشة موضوعين في هذا الصدد:

الأول: ما هي قيمة أو أهمية حرق المصحف الورقي؟ وهنا نقول إن حرق كتاب ولو كان كتاباً دينياً مقدساً لا قيمة حقيقية له، وإن القيمة في الكتاب المقدس هي في العمل بما تضمنه من قيم ومثل أكثر من مجرد الورق المكتوب عليه. وإن القرآن لم يكن مكتوباً في عهد النبي على الورق المصقول الجميل الذي نراه الآن وإنما على سعف النخل والعظام وغيرها من الأمور التي كانت متاحة للعرب في ذلك الحين. ومن ثم نقول لا قيمة حقيقية بالنسبة لحرق كتاب حتى وإن احتوى على كلمات الله سبحانه وتعالى بل إن الأفضل حرقه بدلاً من أن يمسه شخص من أمثال هذا القس غير الطاهر والقرآن لا ينبغي أن يمسه إلا المطهرون.

إذاً فليحرق مئة كتاب ورقي يحتوي على القرآن، وإن هناك الملايين من النسخ الأخرى. البعض يقول إن ذلك رمز وليكن، وكثير من الرموز حرقت عبر التاريخ ثم إن الإسلام كما جاء في أحاديث النبي (ص) يرى أن الإنسان المسلم أهم عند الله، وله حرمة أكبر وأهم من حرمة البيت الحرام ذاته، ولعل في قصة أصحاب الفيل خير دلالة فعبد المطلب قال لإبرهة إن للبيت رب يحميه ونقول لهذا القس إن للقرآن رب يحميه ولذلك قال سبحانه وتعالى: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» والحفظ هنا ليس معناه حفظه في نسخ ورقية معينة فهناك أحياناً نسخ ورقية بها أخطاء ويتم حرقها ولكن الحفظ له معنى سامٍ وهو حفظ القيم والمبادئ والمثل التي تضمنها القرآن وحفظ نصوص القرآن في صدور المؤمنين وفي الأجهزة الحديثة للحفظ مثل الكمبيوتر وغيره من الأدوات ومن ثم فإن حرق نسخة أو عدة نسخ ورقية لا قيمة حقيقية لها إلا فيما يسمى بالرموز وهذا لا ينبغي الاهتمام به كثيراً لأننا لا نعبد هذه النسخة الورقية ولكن نعبد الله الذي لا يموت والذي لا يستطيع هذا القس أو غيره المساس به، إذن فليمت هذا القس بغيظه ولا ينبغي أن نعطيه لذة الإعلام والظهور وهو شخص مغمور لا قيمة حقيقية له ولو كان هذا القس له قيمة ما ترك علوم الأحياء التي درسها وذهب للوعظ وهو غير مؤهل له وفي كنيسة صغيرة مغمورة.

الثاني: إن رد الفعل الإسلامي أمر مفهوم ومنطقي ولكن ينبغي عدم المبالغة فيه بما يصل إلى موت مسلمين في سبيل حرق مصحف ورقي لإشباع شهوة قس متخلف عقلياً أو محب للظهور ولديه عقد من الكراهية والتعصب وإنه يعاني من حالة مرضية لا يمكن أن يشفي منها ولسنا مهتمين بعلاجه فهو حالة ميئوس منها. كما أن التجاوب معه سوف يحفز آخرين من أمثاله لمحاولة ابتزاز المسلمين بمظهر آخر أو رمز آخر وهكذا يتم التلاعب بمشاعر المسلمين وعواطفهم النبيلة وإشغالهم عن العمل الجاد والمفيد الذي يخدم قضاياهم وقد حرق الطغاة من حكام المسلمين ومن غير المسلمين عبر العصور الكثير من الكتب بل أعدموا فلاسفة ومفكرين وانتهى هؤلاء الطغاة وبقي علم وفكر وفلسفة ابن رشد وابن سيناء والفارابي والغزالي والحلاج وغيرهم.

وهذا القس ويرغب في تحقيق ما يتصوره انتصاراً بمقايضة حرق مصحف بالتخلي عن بناء مركز إسلامي ومسجد في نيويورك وهذا أهم في التعريف بالإسلام وإظهار تسامحه واعتداله. وفي نفس الوقت فإن حرق المصحف سوف يسجل لهذا القس بأنه إما متخلف عقلياً أو متعصب ولديه أحقاد وكراهية للدين الحنيف.

الخلاصة نقول فليحرق هذا القس وأمثاله المصحف وليمت بغيظه وكمده وحقده ولا ينبغي التخلي عن بناء المركز الثقافي إذا أمكن ذلك وينبغي أن يظل هذا المركز منارة إسلامية في نيويورك. رغم أنني لست من دعاة بناء مراكز ثقافيه ومساجد في أماكن تثير الخلاف والشقاق، كما هو الموقع المقترح للمسجد، ولكن بما أن هذا الخلاف أثير فينبغي عدم الخضوع للضغوط غير المنطقية

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2928 - السبت 11 سبتمبر 2010م الموافق 02 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:04 ص

      نحن أول من حرق الكتاب

      الشعوب المسلمة هي أول من حرق الكتاب المقدس بأفعالهم و سلوكياتهم و بالعمليات الارهابية التي تنافي مبادئ الدين و أخلاق الرسول فهل ننتظر من الذين لا يؤمنون به أن لا يحرقوه!!! فلو حافظنا على كتابنا و اتبعناه بشكل صحيح لاحترمنا و احترم كتابنا الشعوب غير المسلمة. المشكلة أن الدين يقاس بسلوك معتنقيه و ان كان هناك بوناً شاسعاً بين الاسلام و مبادئه و بين معتنقيه الأعراب الذين يدعون للمحافظة على الدين الطقوسي دون التدبر و التأمل في أهداف الاسلام الحقيقية.

    • زائر 2 | 1:26 ص

      الاسلام هو الظاهر على الكل

      بسمه تعالى
      قال الله تعلى لن ترضى عنك اليهود ولاالنصارى حتى تتبع ملتهم
      الدين الاسلامى اليوم فى تنامى والغرب يعتنق الاسلام كمنقذ من التلوث الذى يمر به من تمزق اجتماعى وتحلل اخلاقى وازمات اقتصاديه وغيرها من المشاكل الحياتيه لذلك نجد ان المهوسين هم الذين يعادون الاسلام بلا من دراسته

    • زائر 1 | 11:04 م

      مقال تخديري؟

      إذا كان المصحف مجرد ورق فما معنى قوله تعالى ((لا يمسه إلا المطهرون)) الآية 79 سورة الواقعة
      الحرق هو كناية عن التحقير، كما هي حال حرق الأعلام في زمننا هذا للأعتراض على سياسة الدول.
      فهل التعقل مهناه السلبية للأهانات؟
      نحن ضد المبالغة في الرد، ولكن أسمح لي الصمت لا.
      كما إني أعاتب الكاتب على صياغة آخر فقرة خصوصا من هذا المقال.

اقرأ ايضاً