العدد 1057 - الخميس 28 يوليو 2005م الموافق 21 جمادى الآخرة 1426هـ

مخاوف البريطانيين تثير رعب المسلمين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أشار استطلاع لرأي المسلمين البريطانيين نشرته صحيفة "غادريان" في عددها الصادر في 26 يوليو/ تموز الجاري إلى أن 63 في المئة من المسلمين في بريطانيا وردت في خاطرهم فكرة مغادرة المملكة المتحدة بعد حصول تفجيرات 7/7 في لندن. وكشف الاستطلاع عن ارتفاع نسبة المخاوف من الإسلام "الاسلامفوبيا" في وسط البريطانيين بعد حوادث التفجير مشيرة الى تسجيل 1200 حادث تحت بند المخاوف. وذهب الاستطلاع الذي اجرته "غارديان" عبر الهاتف مع 1005 مسلمين بالغين "أكبر من 18 سنة" إلى التأكيد على ارتفاع نسبة القلق مشيرة إلى أن كل ثلاثة من عشرة متشائمون من مستقبل أولادهم في بريطانيا. وان كل ثمانية من عشرة يربطون بين حوادث التفجير واحتلال العراق.

الاستطلاع يكشف عن مخاوف متبادلة. المسلمون خائفون على مستقبلهم ومصيرهم. البريطانيون خائفون من المسلمين ومن احتمال تكرار حوادث التفجيرات. والنتيجة المشتركة بين المخاوف المتبادلة هي نمو نزعة عنصرية مضادة بدأت تتضح ملامحها من تلك اللغة التي أخذت تستخدمها الصحف البريطانية. فالصحف حين تتناول بالتحليل الأسباب التي دفعت مجموعات مسلمة تحظى بالرعاية الاجتماعية وحماية الدولة والتأمين الصحي والتعليم المجاني والسكن والإقامة وأحيانا الجنسية تطرح أسئلة مريبة من نوع: هل هذا هو جزاء المحسنين؟

مجرد طرح هذا السؤال يعني أن هناك خطوات نحو انتهاج سياسة جديدة في التعامل مع الجاليات التي نزحت إلى بريطانيا في العقدين الماضيين طالبة اللجوء السياسي هربا من قمع أنظمة بلدانها، أو طالبة اللجوء المدني هربا من حروب أهلية ومجاعات. فالسؤال المريب يعني أن هناك أجوبة مختلفة يتوقع صدورها قريبا تعيد النظر بتلك السياسة التي جلبت "الويلات" و"المصائب" و"الكوارث" كما تذهب الصحف الشعبية إلى القول.

صحيفة "ذي انديبندنت" البريطانية المحترمة بدأت أيضا تستخدم تلك اللغة التي تعتمدها الصحف الشعبية في نقد سياسة الدولة في التعامل مع اللاجئين وتفضيلهم على البريطانيين. فالصحيفة مثلا فتحت في عددها الصادر بتاريخ 27 يوليو ملف الجاليات الإفريقية المقيمة في بريطانيا بمناسبة الكشف عن اسمين قالت الشرطة انهما حاولا تفجير محطات انفاق في لندن. الاول صومالي والثاني ارتيري. وبمناسبة الكشف عن الاسمين تناولت "انديبندنت" أوضاع الجاليتين الصومالية والاريترية في بريطانيا وكيف أنفقت الدولة الأموال لاسكانهم في شقق وإطعامهم وتربية أطفالهم وتأمين رعاية اجتماعية وصحية لأسرهم واعطاء الكثير منهم اقامات طويلة المدى أو جنسيات وانتهت المسألة بظهور شبان يهددون السلم الأهلي ويقتلون الابرياء.

مثل هذه اللغة حين تنتقل من الصحف الشعبية والرخيصة إلى صحف محترمة "معتدلة وليبرالية" فمعنى ذلك أن الأمر وصل إلى نقطة مرتفعة من التوتر الدفين ويحتمل ان يتطور إلى حالات شغب علنية وهجمات عنصرية مدبرة ضد مساجد المسلمين ومساكنهم وأماكن تجمعاتهم.

مدير دائرة البوليس "شرطة المتروبولتان" ايان بلير ذكر في لقاء اجرته معه محطة "القناة الرابعة" البريطانية ونشرت مقتطفات منه الصحف ان دائرة الشرطة تلقت 250 انذارا بشأن احتمال حصول أعمال "إرهابية" منذ تفجيرات 7/7 وكادت ان تتحول سبعة انذارات إلى حوادث اطلاق نار توقفت في اللحظات الأخيرة، وتبين لاحقا انها كاذبة أو غير دقيقة أو تعكس مخاوف غير مبررة من شبهات أو تحركات صدرت في بعض المناطق.

كلام مدير دائرة الشرطة مخيف أيضا لأنه يكشف عن احتمال تكرار قتل ابرياء أو توقيف مواطنين مسلمين لشبهات غير صحيحة أو بناء على معلومات ملفقة أو مخاوف غير مبررة. فمقتل الشاب البرازيلي الذي اثار ردود فعل قوية في أوساط المجتمع المدني والمنظمات الأهلية وهيئات حقوق الإنسان كان بالإمكان ان يتكرر في سبع حالات مشابهة وهناك احتمالات كثيرة تعيد تكراره في لحظات توتر تشهدها بعض الانفاق والمناطق.

مدير الشرطة لم يضمن عدم تكرار الخطأ، ولم يؤكد أن حادث قتل البرازيلي هو الأخير. فالاحتمالات مفتوحة في بلد يعتبر نفسه يخوض معركة شرسة وجديدة من نوعها ولا يملك تلك الخبرات الكافية للسيطرة على الانفعالات أو ضبط كل التصرفات الصادرة عن الشرطة أو الناس.

المشكلة إذا بدأت تؤسس لعلاقات سياسية/ دستورية تقوم على فكرة الشك "ولاء المسلمين لبريطانيا" بكل الحالات والاحتمالات.

وهذه الفكرة إذا تطورت وتغذت بنزعات ايديولوجية تشجع عليها بعض الاحزاب والصحف العنصرية فإنها تهدد بالغاء مبدأ الديمقراطية البريطانية الذي يقوم على قاعدة الثقة "كل مواطن بريء حتى يثبت العكس".

هناك مشكلة إذا. وخطورة المشكلة انها تتطور ويمكن أن تتحول إلى فوضى عامة تهدد هوية بريطانيا واستقرارها في حال تكررت مثل تلك الحوادث والتفجيرات. فالناس خائفة ومتوترة وكل التصرفات عرضة للكثير من التفسيرات والشكوك. وحين تتحول السياسة إلى نهج يعتمد المخاوف والتخويف من الآخر "الغريب" فإن الاتجاهات تصبح مفتوحة على كل الاحتمالات. وهذ المسألة بحد ذاتها كارثة بغض النظر عن نتائج حملات التفتيش التي بدأت بها الشرطة البريطانية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1057 - الخميس 28 يوليو 2005م الموافق 21 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً