العدد 2958 - الإثنين 11 أكتوبر 2010م الموافق 03 ذي القعدة 1431هـ

المال والكفاءة والبرنامج

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

أيهما يقرر نجاح المرشح في الانتخابات؟ شعبيته وثقة الناس في قدراته وفي طروحاته ام قدراته في الانفاق على حملته الانتخابية؟

الانتخابات في كل مكان في العالم تقترح علينا ان «المال» يلعب دورا كبيرا ومؤثراً بل وحاسما في بعض البلدان. لكن هذه القدرة والتأثير يتفاوت من بلد الى آخر. فالولاءات بمختلف اشكالها لاتزال تلعب دورا مؤثرا في بلدنا مثلا وبلدان عربية ودول اخرى ايضا. فالايديولوجيا لها سطوتها، والانتماءات الفرعية لاتزال مؤثرة بقوة لدينا.

لكن عندما تطالعنا ملصقات الدعاية الانتخابية للمرشحين، والانفاق اليومي في الحملة الانتخابية، وتلك الملاحظات حول المقرات الانتخابية ومستوى ونوع الضيافة فيها وما الى ذلك، نعود من جديد الى المقاييس الشائعة لدى الناس في تقييم المرشحين وبالتالي في اختيار المرشح المناسب من وجهة نظرهم.

مازلت ارى ان الكثير من هذه المقاييس يدور حول المال. ان احد اهم النصائح التي يقدمها مديرو الحملات الانتخابية هي ان يبادر المرشح الى الانفاق في مبادرات خيرية لناخبي دائرته وللفقراء منهم خصوصا. وللانفاق الخيري وجوه عدة في مجتمع اعتاد على قيم التضامن الاجتماعي. فمن الغذاء الى دفع فواتير الكهرباء عن غير القادرين من الفقراء الى الانفاق على رحلات العمرة والحج، وبقدر ما تبدو النيات سليمة، فانها بارتباطها بموسم الانتخابات تبدو اقرب لمحاولة شراء الاصوات.

لكن الحق، لم يحدث ان رفع احد صوتا شاكيا في هذا الصدد لان مساعدة المحتاجين، ظلت على سلم القيم التي يؤمن بها البحرينيون حتى لو جاءت بشكل عارض في موسم انتخابي. لكن من وجهة نظر نقاشنا هذا، فان الامر هنا يتعلق بقدرات المرشح المالية.

في الجانب الآخر، يرتبط الانفاق اثناء الحملة بذلك الشعور المتأصل فينا حيال الكرم. فاظهار الكرم يبدو واحدا من دوافع اساسية في سلوك غالب المرشحين لان الناس لاتزال تعلي من قيمة الكرم. وهذا محض انفاق من المرشح، لكنه من جديد يعيدنا الى القدرات المالية.

اما الانفاق الاعلاني، فهو اكثر ما سيذكرنا بالدور المتزايد للاعلام في الانتخابات سواء في البحرين او في غيرها من البلدان. الملصقات المصممة بعناية، الاحجام والاماكن التي توضع بها الملصقات والدعايات الانتخابية، وكثافة الاعلان ووتيرته، كلها عناصر مرتبطة بقدرة المرشح المالية، سواء قدراته الفردية او الامكانات التي تضعها بتصرفه جماعة سياسية ينتمي اليها. وفي بلد مثل الولايات المتحدة، تلعب الموازنات الموضوعة بتصرف المرشحين وخصوصا مرشحي الانتخابات الرئاسية دورا مؤثرا الى حد بعيد في تشكيل قرار الناخبين خصوصا المترددين منهم نظرا لضخامة الانفاق الاعلاني الذي يتم تحت ادارة خبراء اعلاميين متمرسين.

لكن المقارنة مع الولايات المتحدة، تضعنا امام مفارقة. فالاموال التي يتم رصدها للحملات الانتخابية في الولايات المتحدة تأتي من التبرعات اساسا، تبرعات الشركات والافراد على حد سواء. والتبرعات الفردية هناك قد تأتي من اعضاء او مناصري الاحزاب ومن الشركات والمؤسسات الكبرى على حد سواء. والدافع للتبرع في النهاية هو الاهداف التي يسعى اليها المرشح، او بعبارة اخرى برنامجه الانتخابي. فالشركات تتبرع اذا كان في البرنامج ما يخدم مصلحتها او اهداف تسعى اليها وكذلك الافراد ايا كانت الاهداف المتوخاة من خفض الضرائب الى حماية البيئة الى الموقف من قضايا اخلاقية مثل الاجهاض، الى مناصرة قضية محلية في ولاية بعينها او مقاطعة ذات خصوصية ما.

لكن الحال لدينا على العكس، فالتبرعات للحملات الانتخابية غير واردة، وليس في عرف الجمهور ان يقدم تبرعات لمرشح يؤمن بقدراته. وان تمت فهي تتم على نطاق ضيق ومحدود وغير معلن في الغالب. بل على العكس على المرشحين ان ينفقوا الاموال لكسب الناخبين. اما البرامج فهي نادرة اللهم الا لدى القوى السياسية التي تعمل بشكل منظم وقليل من المرشحين الافراد غير المنتمين لجماعة سياسية.

في كل الاحوال، مازال البرنامج الانتخابي متأخرا في اولوية المقاييس لدى الناخبين. فالناخبون لا يقرؤون ما يطمحون اليه من خلال برنامج انتخابي لمرشح، بل يبلورون حكمهم بمقاييس اخرى مازالت تدور في معظمها بالقدرات المالية للمرشح او المستوى الاجتماعي وللاسف ايضا الانتماء المذهبي.

قلما يناقش الجمهور في البرامج الانتخابية، كما ان معظم المرشحين يكتفي بطرح مجموعة من الشعارات في حملته الانتخابية التي تلامس الهموم المعيشية للناخبين في الغالب. ليس هناك نقاش حول ما يطرح في البرامج الانتخابية على الصعيد الاقتصادي مثلا المرتبط بشكل عضوي بالوضع المعيشي. وهذا يكتسب اهمية استثنائية في هذا الوقت بالذات في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الذي يمسنا ايضا. فالكرم الذي تظهره الوعود الانتخابية سواء الشفاهية او المثبتة في برنامج انتخابي، تستدعي التوقف حتما والمناقشة. فالعالم مازال في مرحلة ضبط الانفاق والتعافي الاقتصادي العالمي مازال بطيئا. واذا كان هناك من وعود للناخبين، فان المنطق يفرض ان تكون البدائل التي يطرحها المرشح في برنامجه موضع نقاش يمكن ان يفضي الى حكم من اي نوع عليها.

ثمة ملاحظة جديرة بالانتباه هنا هي ان المرأة وقضاياها اصبحت شعارا ثابتا لدى كل المرشحين ولم تعد تقتصر على مرشحين من قوى سياسية عرفت على الدوام بتبنيها لقضايا المرأة. وسواء اكانت المرأة هنا هي الام او العاملة، فان حضور النساء في الشعارات الانتخابية بهذه الكثافة يؤشر دون شك الى حرص المرشحين على مخاطبة قطاع مهم من الناخبين تلعب اصواته دورا حاسما في الفوز او الخسارة.

بالنهاية، اؤمن تماما بان ديمومة التجربة ستدفع بالجميع الى التطور حتما ومراكمة الخبرات. وقد نعود لهذا المقال وغيره من المقالات للعديد من الكتاب بعد سنوات لنردد: «لقد قطعنا شوطاً جيدا».

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 2958 - الإثنين 11 أكتوبر 2010م الموافق 03 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:46 ص

      يجب أن تكون سمعة الشخص وسيرته هي الحاكم

      لكل منا سيرة ذاتية وسمعة في مجتمعه إما سمعة حسنة وإما سمعة والعياذ بالله سيئة
      ويجب أن يكون هذين الأمرين هما الحاكم الأول
      على مدى صلاحية الشخص من عدمه فهناك من
      الأشخاص لا وجود لأي نشاط مفيد للمجتمع من قبلهم وفجأة يتحولون بين عشية وضحاها إلى
      أصحاب أيادي بيضاء وجهود جبارة فقط من أجل الكرسي أينهم طيلة هذه السنين.
      على الناخب أن يكون دقيقا ويسأل عن ماهية الشخص وماذا قدم للناس قبل أن يرشح نفسه
      طبعا أيام الترشيخ سوف يتمثل الكل بالصفات الحسنة والنبيلة والأخلاق الفاضلة

    • زائر 2 | 1:01 ص

      ,وش فيها خل الفقرا يستانسون

      انا ادعوا ان تكون الانتخابات كل سنة بدل 4 سنوات خل الفقراء يستانسون وخل الناس تشبع اذا كان الخير ما يبين عند البعض الا عندما يرشحون انفسهم
      وصحتين وعافيه وبالهناء لكل من اكل وتبرد واندفع عنه البيل اللي مو قادر يدفعه

    • زائر 1 | 10:07 م

      المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،،، وأحد المترشحين للمجلس النيابي في المحرق والذي يدل مظهره الخارجي على التدين يستعين بأحد اللوافر من فريج العمال في تمزيق إعلانات المترشحين.

اقرأ ايضاً