العدد 1073 - السبت 13 أغسطس 2005م الموافق 08 رجب 1426هـ

واشنطن... والخيار العسكري

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عدم استبعاد الرئيس الأميركي جورج بوش الخيار العسكري لمعالجة الملف النووي الإيراني يكشف عن وجود سلسلة خيارات مفتوحة أمام إدارة البيت الأبيض، على رغم الصعوبات التي يواجهها الاحتلال في العراق. فواشنطن كما يبدو لا تربط وجودها في المنطقة بمدى نجاحها السياسي في بلاد الرافدين. كذلك لا تجد في الفشل العسكري في العراق سببا كافيا للانسحاب النهائي من دائرة استراتيجية تعتبر الأهم في العالم من ناحية تأمين الطاقة لصناعاتها.

الخيارات مفتوحة إذا، وهي تدور على مستويات مختلفة منها احتمال استخدام القوة في حال فشلت المفاوضات مع طهران ووصلت إلى طريق مسدود. وتعدد الخيارات يعني أن واشنطن قد تلجأ إلى معالجة وضعها المأزوم في العراق بالمزيد من التورط وتوسيع دائرة المواجهة. وهذا الأمر سبق وفعلته في فيتنام حين لجأت إلى سياسة الهروب إلى الأمام واجتاحت كمبوديا ولاوس قبل أن تقرر الانسحاب النهائي من المنطقة في السبعينات من القرن الماضي.

الهروب إلى الأمام ربما يكون من الوسائل المحتملة التي قد تفكر بها واشنطن في حال أقفلت مختلف الطرقات. والطريق العسكري الذي لم يستبعده بوش في تصريحه للتلفزيون الإسرائيلي يشير إلى وجود احتمالات لا ترتبط استراتيجيا بالمأزق الذي يعاني منه الاحتلال في العراق. فالمصالح الاستراتيجية الأميركية أكبر بكثير من تلك الخسائر التي تتكبدها واشنطن يوميا في أفغانستان والعراق. فالمصالح أهم وهي في النهاية ترجح هذا الخيار على ذاك.

وفي ضوء هذا الوضع المعقد يمكن إعادة قراءة السياسة الأميركية في العراق وأساليب تعاملها مع الواقع المتحرك منذ نجاح الاحتلال في إسقاط النظام وتقويض الدولة والتشجيع على نشوء مراكز قوى تدفع نحو صيغ تقسيمية للبلاد. فأميركا أيضا تملك خيارات مفتوحة في العراق، وهي تتراوح بين الانسحاب الشامل والانسحاب الجزئي أو الهجوم إلى الأمام. إلا انها في مجموعها العام تميل إلى ترجيح الإبقاء على القوات وتجميعها لتخفيف الخسائر والتدخل عسكريا عند الحاجة.

ربط الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة في المنطقة بمجرى الحوادث الناشئة والمتداعية في العراق مسألة تحتمل الاجتهاد. فالاستراتيجية أوسع من دائرة الرافدين وما يحصل هناك ليس بالضرورة يعاكس تلك السياسة المرسومة. فمن صدق بأن جوهر السياسة الأميركية في المنطقة هو الإصلاح والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، يمكن أن يتحدث عن الفشل الذي أسفر عنه الاحتلال. أما من لم يصدق تلك الوعود فإنه يستطيع أن يقرأ جوانب أخرى أسفر عنها الاحتلال وهي في النهاية ناجحة في مقاييس تلك الاستراتيجية.

الاحتلال حتى الآن لم يفشل وأيضا لم ينتصر. وبين الفشل والانتصار هناك مساحة سياسية يتحرك في رقعتها الاحتلال بهدف تفكيك العراق إلى دويلات ثلاث واستدراج المنطقة إلى توترات أمنية ليست بعيدة عن خطوط التماس الطائفية والمذهبية. وفي هذا المعنى يمكن التحدث عن نجاحات غير مباشرة حققها الاحتلال من خلال زعزعة الاستقرار وتعطيل إمكانات التواصل الإقليمي بين دول المنطقة لمصلحة أمن "إسرائيل" وضمان تفوقها على جوارها الجغرافي.

حتى الآن لم تطرح واشنطن فكرة الانسحاب من العراق علنا، ولكنها سرا تتحدث عن وجود خطة لخفض القوات الأميركية - البريطانية إلى النصف بدءا من يناير/ كانون الثاني وانتهاء بشهر يونيو/ حزيران .2006 أما النصف الآخر فيرجح أن يبقى فترة سنوات كما تصرح المراجع العسكرية بذلك. فالانسحاب الشامل ليس واردا حتى الآن في حسابات واشنطن لأن استراتيجيتها تقضي بإعادة تشكيل هياكل دول المنطقة لتأمين مصالحها إلى عقود من الزمن. وإعادة رسم تلك الخريطة السياسية يتطلب استراتيجيا تطويع المنطقة أو على الأقل تقطيعها إلى رقع "دويلات" متنافسة ومتقاتلة... وهذا ما يحصل طواعية في العراق.

ربط الاستراتيجية الأميركية العامة في المنطقة بخصوصية ما يجري من وقائع ميدانية في بلاد الرافدين مسألة تحتمل الاجتهاد. فالخيارات مفتوحة أمام واشنطن منها الانسحاب ومنها أيضا الهروب إلى الأمام. والمسألة الأخيرة توضح ما قصده بوش حين لم يسقط الخيار العسكري عند تناوله الملف النووي في إيران

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1073 - السبت 13 أغسطس 2005م الموافق 08 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً