العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ

آمال تنتظر النور

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

يلتجئ الطامحون والمحتاجون والمصابون للأمل علاجا ومسكنا لآلامهم، يعتمدون عليه بعد الله سبحانه وتعالى أولا، وينتظرون الغيب وما تحمله الأيام لهم ثانيا، ولا فرق في هذا الأمل بين أن يكون من أب تتأمل عائلته منه صنع المعجزات أو طبيب يرجى منه بعد الله العلاج والشفاء، أو صاحب أو صديق أو زعيم وقائد، كما لا فرق بين كل ذلك وبين المنعطفات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، أو الظروف المستجدة سواء صنعها القريب منها أم صنعها البعيد، فألقت بظلالها على القريبين.

لقد اعتاد الناس أن يعلقوا جزءا كبيرا من قضاياهم وآمالهم على الأشخاص والأزمان والحوادث، مع أخذهم في الاعتبار أثر حركة كل واحد من هذه الثلاثة في صاحبه، وأثر هذا الصاحب فيهما، والأمل هنا حال صحية إذا تفاعلنا معه بمقداره وظروفه وضرورته، لأنه مهم في حركة الإنسان نحو أهدافه ومبتغياته، وعامل أساسي في تجاوز الإنسان لأزماته وإخفاقاته التي ربما رافقت حركته وسعيه، ومؤثر لا يغفل في تجديد تحديه للمعوقات والعراقيل التي لا يخلو منها طريق ولا يسلم منها جهد ومسعى.

نعم ينقلب الأمل حال مرضية إذا تجاوز ذلك المقدار وتحول بديلا يقعد بالمرء والمجتمع عن أداء الدور والوظيفة، في انتظار المجهول وما تأتي به الأقدار.

بين الحال الصحية والصحيحة في التعامل مع الأمل أو الحال المرضية، خيط دقيق ينسجه وعي الشخص والمجتمع لسنن الحياة ولطبيعة تغيراتها، وفهمه لروابطها ومعرفته باختلاف إرادات أهلها وتقاطع مصالحهم فيها.

إن ما يوجب السعي على كل مجتمع عاقل رشيد هو سلامة تصوره للأمل الطارئ عليه، أو المتجدد بسبب الظروف والمتغيرات واستيعابه الإيجابي للمنغصات، وفهمه أن الحياة فرص شحيحة أحيانا، وصعبة الاستثمار في أحايين أخرى.

لا بأس هنا من الإشارة إلى بعض الموانع التي قد تحول بين الأمل كإحساس نفسي لطيف وشعور داخلي منعش ومريح وبين تحققه كمكسب في خانة الربح للفرد والمجتمع، وهي إشارة لا أشك في أنها بحاجة إلى مزيد تأمل وتمحيص لتلمس الدقة في إصابتها الحقيقة من عدمها.

أول تلك الموانع هو الأجندة الممتلئة بمطالب الآخرين، فغالبا ما يندفع للاستفادة من الظروف والمستجدات قوم كثر، يسعون جهدهم لتكون لقضاياهم الأولوية على غيرها من القضايا، ولتتحول من الخفاء إلى الواجهة، ومن الخطوط الخلفية المغيبة إلى الخط الأمامي، فتكون حاضرة في التداولات والنقاشات والحوارات، لتصل النوبة إلى أن يرى الحدث أو الظرف أو الشخص نفسه أمام ملف دافئ لا يفارق بصره، ولا يبطئ عن طرق مسامعه، يمكن الاستشهاد هنا ببعض المسجونين الذين تمر على قضاياهم سنوات طوال من دون أن تحرك أو أن تبحث، ليكتشف المسئولون بعد حين أن تلك القضايا تحتاج إلى ساعات معدودة، أو أن هناك خللا ما ساعد في استفحاله غياب الملف عن طاولة القرار، ونقلت الصحافة المحلية خلال الأسبوع الماضي خبرا قريبا من هذا الوضع السيئ عن سجين حائل، الذي يطلب الآن وبعد ثلاث وعشرين سنة توكيل محام وتدخلا من لجنة حقوق الإنسان، والسبب حكمان مختلفان صدرا عليه من محكمة واحدة، إلى آخر القصة المنشورة.

أما المانع الثاني فهو المعوقات الموضوعية، فبحجم تصور الإنسان والمجتمع لسهولة قضاياه ويسر حلها، وبساطة التعامل معها، فإن الواقع قد يكون غير ذلك، وهنا لا يتقن المجتمع التعامل مع هذه المفارقة والتباين بين الواقع وبين تصوراته وخياله. ففي الحين الذي يدفعه خياله واعتقاده للعتب والتذمر والاحتقان، فان الواقع يجره جرا إلى حلحلة المعوقات، والمساعدة في الوصول إلى المشتركات، وتلمس طريق الحلول المقبولة وان لم تلب الطموح، والسعي بعدها بفهم وعقلانية إلى ما هو أصلح وأحسن نفعا.

ويأتي المانع الثالث وهو التدافع بين مصالح الشخص أو المجتمع مع مصالح الآخرين، إذ لكل وضع قائم متمصلحون لا يعنيهم ضررك، ولا يكترثون بألمك، ولا يضجرهم ما أنت فيه، شخصا كنت أم جماعة أم مجتمع، بل قد يعني تغيير المعادلة التي أنت فيها الكثير من الضرر لمصالحهم بحسب تصورهم.

هذا الضيق في التفكير والأنانية في التصور من أسوأ الحجب والحواجز التي تحول دون أن يستفيد الآخرون من الفرص التي تمر بهم، إذ يدفع هذا التفكير أهله إلى الإعاقات العملية والميدانية، أو إلى تعطيل مصالح الآخرين لتتحرك ببطء ممل وقاتل، وأحيانا كثيرة إلى الضغط والتشويش كي لا يسد غيرهم جوعه بفتات كسر الخبز اليابس. ورابعا الإرادات المعاكسة والمشاكسة التي تتخندق وتتحفز بدافع داخلي، قد يكون فكريا وقد يكون تراثيا، وقد يكون بسبب فهم خاطئ انعدم الدافع إلى رفعه فاستشرى وأحكم هيمنته على العقول، فدفعها إلى زاوية ضيقة في التعامل مع الآخرين والانتقاص من حقوقهم، وسلب ما أمكن منها في صراع يطول النفس فيه ولا تحكمه قيمة سوى التشفي والمشاكسة.

ما هو مهم وجدير بالعناية والالتفات والتفكر هو كيف يمكن للمجتمع أن يستفيد من الأمل، ومن الإشارات الإيجابية ليتخطى كل المعوقات السالفة بروح رياضية واعية، تحترف النحت في الصخور وان قست وتمنعت لتصنع منها أشكالا مقبولة تريح الناظرين، فليس هناك أشق وأقسى من أن يصنع المجتمع وضعه في الصعاب مستفيدا من فرج الظروف، وتغير الأحوال، وصياغة ما استجد من المعادلات، بروح ايجابية واثقة لا تنشغل بالأمل وتضيع العمل.

* رجل دين سعودي

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً