العدد 1089 - الإثنين 29 أغسطس 2005م الموافق 24 رجب 1426هـ

حواجز... وأزمات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تسلم الجمعية الوطنية "البرلمان العراقي" نسخة نهائية من مسودة الدستور من اللجنة التي كلفت بصوغه لا يعني ان المسألة انتهت وانحلت الأزمة. فالنسخة كما تبدو من تعليقات المسئولين غير نهائية وبحاجة إلى إعادة نظر وتنقيح تفصيلات ليست بسيطة.

إذا لم تكن النسخة نهائية لماذا أعلن عنها ضمن مهلة قانونية حددتها سابقا إدارة الاحتلال في فترة بول برايمر؟ الاسراع في الإعلان عن جاهزية المسودة جاء بناء على رغبة أميركية طلبها الرئيس جورج بوش لاستخدامها وسيلة إعلامية في معركته الداخلية ضد التيار الرافض للحرب الذي بدأ ينمو وينتشر ويزداد تأثيره على التوازنات الانتخابية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

النسخة إذا ليست جاهزة وتحتاج إلى أكثر من حاجز للعبور حتى تخرج بصيغة نهائية. الحاجز الأول هو عبور الاستفتاء المزمع عقده في 15 اكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وهناك مخاوف من ان تقاطع الاستفتاء قطاعات واسعة من الشعب العراقي وهي قطاعات تشكل شريحة أساسية من تركيب الدولة وتوازناتها التقليدية. المقاطعة بحد ذاتها ليست مشكلة اذا تمت في إطار من الوعي السياسي "الدستوري" وتوافقت عليها مجموعات مختلفة من تكوينات المجتمع. إلا أن ما يحصل في العراق تجاوز حدود الاعتراض السياسي المشروع دستوريا وباتت المقاطعة ترتدي ذاك اللون الطائفي - المذهبي - المناطقي. وهذا يعني أن البداية سيئة لانها تجاوزت حدود التوافق المطلوب وطنيا ودخلت في خضم انقسامات أهلية لا يمكن تصور قيام دولة عراقية واحدة في ظلالها.

الحاجز الثاني هي تلك التحفظات "السنية العربية" التي أشار اليها رئيس الجمهورية جلال طالباني وهي تحفظات إذا استمرت وتيرة نموها فإنها ستدفع العلاقات الأهلية إلى مزيد من التأزم وبالتالي يمكن ان تتحول حملات التلاسن والتشهير والاتهامات المتبادلة إلى نوع من الاحتراب الداخلي وإمكان انقسام الأقاليم أو على الأقل انفكاكها السياسي عن بعضها بعضا.

الحاجز الثالث يتعلق بموضوعة الفيدرالية التي أعلن عن تأجيل البت فيها ستة أشهر أي إلى ما بعد انتخابات ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وهذا يعني سياسيا أن أخطر موضوعة في الدستور نقلت زمنيا ولم تحل بالتوافق وترك أمرها حتى يقرر شأنها التوازن البرلماني الذي سيظهر بعد الانتخابات. وعملية تأجيل الأزمة "الخلاف على الفيدرالية" تعتبر خطوة إلى الوراء لانها اعطت فرصة لظهور مزيد من الخلافات في وقت يحتاج العراق إلى الكثير من التوافق ليضمن حريته وسيادته واستقلاله... وطرد الاحتلال من أرضه.

هناك حواجز ثلاثة تنتظر مسودة الدستور العراقي. وهذه الحواجز قد تتحول إلى صواعق تفجير اذا لم يرتق الوعي السياسي إلى مستوى أعلى مما هو معروض حاليا على الشعب العراقي. فالمعروض حاليا هو دستور يحتضن أقاليم ذات صلاحية واسعة وموزعة على معادلات مناطقية تتمتع بمواصفات وغالبيات طائفية أو مذهبية أو أقوامية. وحين تكون هناك صلاحيات واسعة للأقاليم في سياق طائفي - مذهبي - أقوامي فمعنى ذلك ان مخاطر التمرد أو التهديد بالانفصال واردة في لحظات الاختلاف على مسألة تتعلق بالمصالح المشتركة والوحدة المركزية. فكل إقليم سيحاول شد الدولة المشتركة والوحدة السياسية إلى جانبه الأمر الذي سيعطل إمكانات العمل بالدستور وستتحول المواد المقترحة "الصلاحيات الإدارية" إلى غطاء للانقسامات وأحيانا إلى رافعة قانونية تعطي تبريرات دستورية لتلك الاعتراضات التي ستظهر من مناطق الشمال والجنوب والغرب والوسط.

العبرة إذا ليست في صوغ مسودة دستور. فهذه مرحلة سهلة قياسا بالصعوبات التطبيقية التي ستواجه الدولة في حال حاولت النهوض من دون توافق وفي إطار سلبيات أهلية وتشنجات تطاول مواد لها صلة بالوحدة والاستقلال والسيادة... ومستقبل الدولة.

مسارعة الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مباركة الانتهاء من صوغ مسودة الدستور لا يعني مطلقا ان أزمة العراق انتهت. فالدستور اساسا هو صيغة قانونية لحل الأزمة ولكن ما هو ظاهر الآن في العراق أن الصيغة الدستورية بحد ذاتها تولد أزمات. وحين يتحول الدستور إلى أزمة وليس حلا لها تصبح كل الاحتمالات مفتوحة، منها عدم استبعاد تمرد الأقاليم على الدولة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1089 - الإثنين 29 أغسطس 2005م الموافق 24 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً