العدد 2962 - الجمعة 15 أكتوبر 2010م الموافق 07 ذي القعدة 1431هـ

تقسيم المُقسَّم وتفتيت المُفتَّت... عملية استباحة جديدة للأمَّة

علي محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في فلسطين المحتلّة، بدأ العدوّ الصهيونيّ بتمهيد السّبل لتنفيذ مخطّط تهويد فلسطين التاريخية، وإعلان يهوديّة الكيان، وصولاً إلى ترحيل الفلسطينيين من الأراضي المحتلّة في العام 1948، تحت عنوان «قانون المواطنة» الهادف إلى نزع المواطنيّة عن أهل الأرض الحقيقيين، وإعطائها لليهود القادمين من أصقاع العالم، لتحقيق الهدف النهائيّ لشعار: «أرضٌ بلا شعب، لشعب بلا أرض».

ومع إقرار حكومة العدوّ للتعديلات على «قانون المواطنة» تمهيداً لإقراره في الكنيست، تكون مسيرة ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم مجدّداً، وإسقاط حقّ العودة، قد بدأت فعلاً، لتبدأ معها معاناة جديدة للشعب الفلسطيني، يُطلب فيها من الضحيّة أن تقدّم فروض الطاعة والولاء للجلاد، وأن تعلن التنازل الكلّي عن كلّ مسيرة التحرير التي انطلقت منذ ما قبل العام 1948...

وفي موازاة ذلك، شرب العرب المزيد من حليب الأرانب، فأعلنوا عن إعطاء الدبلوماسيّة الأميركية مهلة شهر لكي تحاول إنقاذ المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وكيان العدوّ، فيما المزيد من شروط رئيس حكومة العدوّ، تطوِّق إرادات المسئولين العرب وقراراتهم، وخصوصاً في عرضه الجديد عليهم: تجميد مؤقّت للاستيطان مقابل اعترافهم جميعاً بأنّ فلسطين أصبحت دولة الشعب اليهودي...

لقد بدأ الخناق الدولي والإقليمي يضيق من حول العنق الفلسطيني، ليتحوَّل إلى قبضة حديدية يُراد لها أن تتحكَّم بمصير المنطقة العربية والإسلامية كلِّها، من خلال إحكام الطوق على المسألة الفلسطينية بالذات. ولذلك، فإنّ المسئولية الملقاة على عاتق الشعوب العربية والإسلامية كبيرة، لأنّ المسألة لا تتصل بعنصريّة العدوّ وفاشيّته فحسب، بل بالمخطط الدولي الساعي لإنهاء القضية الفلسطينية، وإسقاط مقولة الدولة المستقلة، وتحقيق طموحات العدوّ في فلسطين كلّها، وتمهيد السبيل له لعدوان جديد على البلدان العربية والإسلامية المجاورة، وها هو يُعلن على لسان رئيس أركان جيشه، عن الاستعداد لاستخدام أوسع مجال للقوّة في الحرب المقبلة.

إنّ ما يبعث على الكثير من القلق والارتياب، أنّ الأمّة التي استطاعت أن تحقّق نجاحات موضعيّة ضدّ الاحتلال وقوى الهيمنة العالمية في أكثر من موقع، وخصوصاً في لبنان والعراق وأفغانستان، لا تزال تحت رحمة قوى الطغيان العالمي التي تعمل لتفتيتها وتقسيمها مذهبيّاً وسياسيّاً، وحتى جغرافيّاً... ولعلّ الصورة تبدو أكثر وضوحاً عند معاينة المشهد السوداني، الذي يطلّ على مرحلة التقسيم الفعليّة، بعد الاستفتاء المنوي تنظيمه في يناير/ كانون الثاني المقبل، والذي تحشد المحاور الدولية والقوى الأخرى المتصلة بها كلّ طاقاتها، لدفع المسألة باتجاه تقسيم السودان بين شمال وجنوب، وليصار بعدها إلى تقسيم المقسَّم، وتفتيت المفتَّت، في عملية استباحة جديدة للأمن العربي والإسلامي، ولثروات الأمّة الدفينة، وقد بدأ بعض الأطراف السودانيين ممّن لهم علاقة بالمحاور الدولية، بالتحدّث علناً عن الانفتاح المقبل على كيان العدوّ، بحجَّة أنّ العلم الصهيوني يرفرف فوق القاهرة... إنَّ هذه المعاينة للمشهد السوداني، تقودنا إلى تلمُّس الخطر فيما يُراد للأمَّة أن تغرق فيه من انقسامات، تبدو علاماتها واضحة في اليمن الذي بات ساحة من ساحات العبث الدولي، حيث تدخل إليه المخابرات الأميركية لتعبث به، إلى جانب كلّ الجماعات التي تحمل عناوين جهادية، أو تتصل بمسائل عنفيّة، ليكون ذلك بمثابة المؤشر حيال ملفّات أخرى في الأمّة، ومواقع عديدة فيها، معرّضة لهذا النوع من الانقسام الذي يتهدّد وحدة الأمّة، من حيث تهديده لعناصرها الوطنية والإسلامية ومواقعها الجغرافية.

ولا يبدو العراق في مشاكله السياسية الكبيرة، وأوضاعه الأمنية التي كانت ولا تزال من صناعة الاحتلال ونتائج غزوه، ببعيد عن هذه الصورة في معطياتها وحيثيّاتها، وخصوصاً أنّ عوامل تشكيل الحكومة تخرج من مأزق لتدخل في آخر، بعدما دخلت التجاذبات الإقليمية والدَّوليَّة مرحلةً معقَّدة، انعكست مزيداً من التَّعقيد أمنيّاً وسياسيّاً في الدّاخل، من دون أن تلوح بوارق الأمل في الآفاق، لأنَّه يُراد للعراق أن يبقى رهين اللعبة الدولية، وأسير الأوضاع الإقليميَّة التي تدخل فيها المساومات على هذا الموقع أو ذاك، في محاكاة للمطالب والشروط الدولية المفروضة من هنا وهناك. أمّا في لبنان، الذي استقبل في هذه الأيّام ضيفاً عزيزاً، وأخاً كريماً، آلى على نفسه إلا أن يقف إلى جانبه في قضاياه المصيرية ومشاكله الاقتصادية، وأن يكون سنداً له في مواجهة المحتلّ.. فهو البلد الذي ينبغي للجميع فيه أن يعرفوا من هم أصدقاء لبنان الحقيقيون ومن هم أعداؤه، لأنّ القضية تتصل بمصير البلد، ولا تتصل بحركة المزاج، في أن يعمل كلّ فريق داخلي على إنشاء مروحة من العلاقات الخارجية التي لا تأخذ بالاعتبار واقع البلد ودوره في حماية قضايا الأمَّة ومواقعها الحيوية والاستراتيجية.

ونحن في الوقت الذي نؤكّد أهمية استمرار إيران في دورها الذي أثبتت من خلاله أنها منفتحة على لبنان الدولة، وعلى جميع الطوائف والمذاهب والأطياف اللبنانية، نريد للجميع في لبنان أن ينفتحوا عليها، لاستثمار ذلك كله لحساب قوة لبنان ومنعته في مواجهة العدوّ وكلّ الطامعين.

إننا نتطلع إلى شبكة أمان عربية وإسلامية تعمل على حماية لبنان من المشاريع الدولية القادمة تحت عناوين قضائية دولية وغيرها. ولذلك، فإنّ المطلوب من اللبنانيين ألا يستغرقوا في جزئيات السجال السياسي المتواصل الحامل لكلِّ التفاصيل المحلية، لأنّ الأمور هي أكبر بكثير من السجالات الداخلية التي يتوزّع فيها الكثيرون أدوراً رُسمت لهم سلفاً. ولذلك، علينا أن نعمل جميعاً للوحدة، وأن نعدّ العدّة لمواجهة العدوّ الذي يستعرض عضلاته العسكرية في المناورات الجديدة، حتى لا يسقط البلد فريسة بيده، أو في أتون الفتنة القاتلة التي لا يمكن أن تكون إلا نقمة ووبالاً على الجميع.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"

العدد 2962 - الجمعة 15 أكتوبر 2010م الموافق 07 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:37 ص

      ابن المصلي

      هذا الشبل من ذاك الأسد مقالك سيدنا روعة وأنته اروع تقسيم المقسم وتفتيت المفتت بهذا العنوان الجميل الذي بمضمونه يرمز الى معنى واحد وهو الولاء للأوطان وهذا لايتأتى الا اذا حسن الظن بالشعوب أولاً والأمر الثاني اعطاء كل ذي حق حقه من دون اجحاف أو اقصاء فئة من كبيرة بحجة عدم الولاء وهي في حقيقة الأمر حجج واهية لاتصمد أمام الحقيقة فعندما يشعر المواطن متساوي في الحقوق والواجبات فأننا وبالتأكيد سنخلق منه مواطن صالح ينفع لايضر يتعلم لأجل الوطن ويحرس الوطن ويعمل للوطن ويكن الأحترام والولاء لقادة الوطن

    • زائر 1 | 9:40 م

      تقسيم المقسم

      يأتي تقسيم المقسم وتفتيت المفتت عبر الولاء للخارج اكان اقليميآ ام دولياً الشعوب وحدها التي تلتف خلف قيادتها السياسيه بعيداً عن المحاصصات السياسيه او الطائفيه تبقى لحمه وسدآ منيعاً في وجه الاعداء الاقليميين والدوليين وبالتالي عند رص الصفوف والابتعاد عن المألوف وخاصه الجانب الديني تكون الاوطان صعبة المنال من الطامعين (شكرآ على المقال الرائع)

اقرأ ايضاً