العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ

ازدهار نشر الكتب المسيئة للإسلام في ألمانيا

تملك التركية التي تعيش في ألمانيا "حويلة كلكان" حماسا شديدا وهي تتحدث عن شعورها حين كانت تنتظر في مطار فرانكفورت وصول شقيقتها "أسمى" القادمة من أنطاليا/تركيا حاملة معها جواز سفر مزور هربا من أسرتها التي كانت تريد تزويجها قسرا من ابن عمها ولم تكن ترغب به. قبل ذلك كانت أسرتها تبحث عنها علما أنه لم يكن يسمح لها بمغادرة مسكن والديها وحيدة حتى لوقت قصير جدا. خلال الانتظار قرع الهاتف الخليوي وكانت أمها على الخط التي صاحت بابنتها: ما الذي فعلته أيتها السافلة؟ إن ما مرت به أسمى ليس غريبا عما عرفته قبلها شقيقتها حويلة التي فرت بدورها من أنطاليا ولجأت إلى ألمانيا هربا من زواج قسري. كان عمرها 13 ربيعا حين قرر والداها أن تتوقف عن زيارة المدرسة في مدينة رينغزهاوزن جنوب ألمانيا والعودة إلى تركيا لتنتسب إلى مدرسة تعليم القرآن وأن تتربى على تقاليد متشددة. بعد سنوات على التجربة التي مرت بها حويلة كلكان، التي تبلغ اليوم 26 سنة، نشرت كتابا تحكي فيه قصتها ويحمل عنوان: "كل ما أردته أن أكون حرة". يوصف الكتاب الذي يحمل على الغلاف صورة صبية تركية ليست صاحبة القصة كما اسم حويلة كلكان مستعار، بأنه محضر معاناة فتاة تركية مسلمة بصورة عرض شكوى. كما يشير مضمون الكتاب إلى ما تردده وسائل الإعلام الغربية على الدوام من أن النساء في المجتمع الإسلامي يتعرضن للاضطهاد. قصة مشكوك في صحتها مثل قصة حويلة كلكان هي فقط قصة من مجموعة من القصص والروايات والكتب التي تروج حاليا في المكتبات الألمانية والنمسوية والسويسرية وتتحدث جميعها عن اضطهاد النساء المسلمات. هذا الصيف صدرت ستة كتب جديدة تشير إلى الموضوع نفسه. جميع الكتب المعروضة حاليا في واجهات المكتبات متشابهة كثيرا في الرسالة: المرأة مضطهدة في الإسلام. يتجاهل أصحاب النصوص مكانة المرأة الحقيقية في الإسلام ويتناولون قصصهن وفقا لما يغذي الدعاية المغرضة والمعادية للإسلام. وهم يستغلون تهديد الإسلاميين المتطرفين في بناء حججهم مثلما يستغلون رغبة الناس في العالم الغربي للتعرف على الإسلام بغية الحصول على إجابة عما إذا كان الإسلام يحرض على العنف. أعداء الإسلام في أوروبا يستغلون مصائر بعض الفتيات المسلمات لينشروا دعاية معادية للإسلام. ليس في واحد من هذه الكتب والقصص والروايات قول لرجل دين مسلم. ليس في هذه الكتب مكان لتصحيح صورة الإسلام فالمرغوب به الإساءة للإسلام والتشكيك به والتحذير منه. منذ أن ذكرت الإحصاءات وجود 14 مليون مسلم في دول الاتحاد الأوروبي 3 ملايين منهم في ألمانيا، اشتدت الحملات الإعلامية المشبوهة ضد الإسلام. غالبية القصص التي تروج منذ وقت في الدول الناطقة بالألمانية تتحدث عن قصص مروعة: الرجال المسلمون يرمون الحمض على وجوه نسائهن الجميلات وجدات متشددات يستخدمن الختان بواسطة الزجاج كي تنخفض شهوة حفيداتهن. مثل هذه الصور المروعة التي تسوق للقراء بأنها حقيقة نابعة من الإسلام تعزز الأحكام السلبية عن الإسلام في رؤوس الغربيين ويتعاملون معها كحقيقة. من خلال طرق سرد تشد القراء يحصل هؤلاء على صورة سلبية عن الإسلام. هذا هو الهدف من صدور ستة كتب في وقت واحد: - إني أقاضيكم بقلم أيان حرسي علي. - لم يأخذ أحد برأيي حين تزوجت بقلم عائشة. - اختنقوا في أكاذيبكم بقلم إنجي ي. - التطرف ضد النساء بالألمانية لنوال السعداوي - اختطفت في اليمن بقلم سناء محسن. - أردت فقط أن أكون حرة بقلم حويلة كلكان. سجلت مبيعات هذه الكتب ارتفاعا ملحوظا. كتاب: "إني أقاضيكم" بيع منه ثمانمئة ألف نسخة حتى اليوم و20 ألف نسخة لكتاب: "أغرقوا في أكاذيبكم". كما ذكرت دور نشر أخرى عن رواج بيع الكتب الأخرى التي بلغ عدد نسخ الطبعة الأولى لكل منها 30 ألف نسخة. من وراء الحملة المشبوهة؟ اعترفت مجلة "دير شبيغل" بأن المؤلفات استعن بصحافيين لكتابة النصوص وما يوصف بالكاتب الشبح أي الشخص الذي يعد النص مقابل مكافأة مالية ثم عرضت النصوص على دور نشر كل منها تدخل في النص المعروض عليه ليتلاءم مع التصورات التجارية لضمان الربح الوفير. كما تبين لدور النشر أن نشر كتب ناقدة للإسلام تلقى رواجا أكثر بكثير من الكتب التي توضح الإسلام وتلغي الأحكام المسبقة ضده. أما أن يصار إلى تغيير أسماء المؤلفات فإن دور النشر تجد الإجابة السهلة: لأسباب أمنية وحرصا على حياتهن. كما الصور المنشورة على غلاف بعض الكتب ليست الصور الحقيقية للمؤلفات. إنجي. ي على سبيل المثال لا تظهر صورتها الحقيقية على غلاف قصتها "لم يأخذ أحد برأيي حين تزوجت"، كما لا يعرف أولادها أنها ألفت كتابا عن قصتها وقالت إنها ستبلغهم بذلك حين يكبروا وحينها ستستطيع الظهور علنا، وأضافت أن ما جاء في الكتاب يكفي كي تسعى عائلتها إلى قتلها. تبلغ إنجي 35 سنة ولدت العام 1970 في ألمانيا وبعد عام أرسلها أبوها إلى جدتها في أنقرة لتتعلم تقاليد المجتمع. تقول في كتابها: تعلمت في الصغر كيف أن الأنثى رقم ضعيف داخل الأسرة لا حقوق له وأن الكلمة متروكة دائما للرجل. عادت إنجي في مقتبل الصبا إلى ألمانيا ولم تفلح في الدراسة ثم جاءت الصدمة: قامت والدتها بتزويجها لتاجر سيارات تركي وأصبحت حياتها أشبه بالجحيم. تقول في كتابها أيضا: كان زوجي يضربني يوميا وحين رفضت النوم معه مرة رش قاتل الحشرات بوجهي. في أحد الأيام قررت إنجي الفرار من بيت الزوجية بغية الحصول لاحقا على الطلاق وسرعان ما بدأت العشيرة بملاحقتها معتبرة إياها خرجت عن الدين وأصبحت آثمة. وجاء في الكتاب أيضا: طلب مني زوجي الذي يريد ضمان الحصول على حق حضانة ابنتنا أن أكتب رسالة أقول فيها: أنا عاهرة ولا أريد أن تصبح ابنتي مثلي لذلك أتخلى عن حق الحضانة لزوجي. تركت العشيرة إنجي وشأنها بعد أن كانت تعتزم قتلها. هاجرت لألمانيا وتعيش منذ أربع سنوات مطلقة بعد فشل زواجها الثاني. عن زوجها الأول كتبت تقول: كنت أشعر بالغثيان كلما كان يقترب مني لأن رائحته كانت كريهة. يلقى الكتاب رواجا لأنه يتحدث عن الزواج القسري المنتشر بين الأسر التركية وهو موضوع يكثر الحديث عنه في وسائل الإعلام الألمانية مثلما يكثر الحديث عما يسمى جرائم الشرف. لكن بحسب معلومات منظمة أرض النساء Terre des femmes.e.v التي تدافع عن حقوق النساء فإن الزواج القسري ليس متفشيا فقط داخل المجتمعات الشرق أوسطية والآسيوية والإفريقية، بل داخل الأسر اليونانية والبرازيلية والإيطالية. لكن وسائل الإعلام الألمانية تركز على الجالية التركية لأنها أكبر جالية أجنبية في ألمانيا. يعزو المراقبون الاجتماعيون إلى أن أبرز سبب للزواج القسري هو تعزيز الوجود داخل المجتمع الغريب. اقترح خبير الشرق الأوسط في مؤسسة فريدريش إيبرت ميشائيل لودرز في مناظرة تلفزيونية عن موضوع إدماج الأجانب أن يفتح الرجال الألمان عيونهم للزواج من تركيات. منذ وقت أصبح الزواج القسري مسألة يعاقب عليها القانون الألماني. لكن في حال تم الزواج القسري خارج الحدود الألمانية يصعب على الألمان مساعدة الفتاة المعنية. يلاحظ أن غالبية النساء التركيات والعربيات المسلمات لا يقرأن هذه الكتب المشبوهة التي يبدو أن الهدف منها ليس الوصول إلى المسلمات في ألماني وأوروبا وإنما الوصول إلى الألمانيات والنمسويات والسويسريات كي يقفن إلى جانب النساء المسلمات "المعذبات" من قبل أسرهن وأزواجهن. وبالتالي رسم صورة سلبية عن الرجال المسلمين. هذه الاستراتيجية دفعت بالصحيفة التركية الواسعة الانتشار "حريات" إلى تقفي حقيقة القصص المنشورة في الكتب الصادرة حديثا وتقوم الصحيفة منذ وقت بالكشف عبر صفحاتها عن أكاذيب وأضاليل والشخصيات والقصص الملفقة التي أوجدها صحافيون أجانب بالاتفاق مع دور النشر

العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً