العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ

تفكيك البنى التحتية للحركات الإلغائية

فضل الله محذرا من التحجر والجمود الفكري:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

دعا المرجع الديني السيدمحمد حسين فضل الله، إلى تفكيك البنى التحتية للحركات الإلغائية التي مثلت وتمثل حال عدوان على الذات قبل أن تكون حال عدوان على الآخر، مشيرا إلى وجود من يحمي التحجر ويرجم الإصلاحيين في الواقع الإسلامي السني والشيعي. وأشار إلى خطورة تحول الأمم المتحدة إلى واجهة لمحاكمة دول الممانعة لحساب أميركا التي تخطط لاجتياحات ميدانية وسياسية جديدة تحت عناوين جديدة ككذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق. جاء ذلك ردا على سؤال في ندوته الأسبوعية عن الجمود الفكري وأثره على الأمة، فأجاب فيما يأتي: لعل واحدة من أخطر الأمراض التي تصاب بها الأمة تتمثل في ظاهرة الجمود الفكري الذي يقف حاجزا أمام الحيوية والإبداع، ويعمل على تحويل العادات والتقاليد إلى مقدسات، ويظل يدور في فلك الماضي من دون أن يفسح المجال لولادة أحوال الإنتاج الفكري أو العلمي أو الثقافي أو ما إلى ذلك، الأمر الذي يفرض التخلف على الأمة ويحول دون التحاقها بركب الحضارة. وابتلي بهذا المرض أتباع الأديان السماوية عندما وقفوا على الظواهر وحولوا الدين إلى طقوس شكلية، ما جعل الدين يتجمد في أطر ضيقة، فلا ينطلق في الساحات العلمية الرحبة، وعندما نجعل الدين في مواجهة حركة العلم والحياة فإن الخاسر الأكبر في هذا الميدان وفي هذا الصراع سيكون الدين نفسه، إذ إن سنن التاريخ برهنت على أن المنتمين إلى الدين عندما يكفون عن التحرك في أجواء العلم والعطاء يتجمد الدين في نفوسهم وينكفئ عن حركة الصراع والإبداع على مستوى العالم. وامتدت آثار هذه الآفة لتصيب العالم الإسلامي بشررها، فبرزت في واقعنا بعض الحركات الظاهرية السلفية التي تنشد إلى الماضي بغثه وسمينه، بعيدا عن مضمون الحق فيه، لتعمل على إعادة عجلة الحياة إلى الوراء، وتقدم الإسلام بطريقة طقوسية وشكلية، ليتحول الإسلام عند هؤلاء إلى مجرد شكليات في اللباس أو حتى في الأمور العبادية التي تدخل في نطاق التعاويذ أكثر ما تتحرك في خطوط العبادة الأصيلة بمقاصدها الكبرى، وليصبح الإسلام مجرد حدود تقام ورؤوس تقطع وظهور تجلد بعيدا عن النظام التربوي والاقتصادي والاجتماعي الإسلامي الذي تنتظم فيه هذه الحدود. ولعل من أخطر جوانب هذا الجمود محاولة اعتبار الأمر النظري الذي هو محل جدل من الناحية العلمية من البديهيات أو المسلمات غير القابلة للمناقشة والحوار، وهو ما جعل البعض داخل الوسط الإسلامي يكفر الآخرين لمجرد اختلافه معهم في الجوانب النظرية والعلمية التي يحسبها من العقائد وهي ليست كذلك، ثم ينطلق لينشر هذه الأفكار ويقدمها كمسلمات فيرجم أصحاب الفكر الإصلاحي والطليعي على أساسها ويثير السلبيات في الواقع الديني والسياسي والثقافي من خلالها. إن الله سبحانه زودنا بنعمة العقل ليكتشف ويبدع من دون حجر من أحد، وليتحمل بعد ذلك مسئولياته على مستوى ما أعطى وأنتج وما قرر وفكر، وأما تجميد العقل أو إعطاؤه إجازة فيمثل جريمة، كونه تجميدا لطاقة كبرى أراد الله لها أن تبقى نابضة بالحركة في خط الإبداع والإصلاح وخدمة الإنسانية. ولذلك كنا نؤكد دائما أهمية وجود حركية ثقافية إسلامية تواكب متطلبات العصر ولا تستغرق في الجانب التاريخي على أساس تقديس العلماء وجعل الرموز التاريخية غير المقدسة في ذاتها تتحكم بالمسار العلمي والاجتهادي، الأمر الذي ينعكس على حركية الإسلام في الواقع ومواكبته للحياة. ولعل من أخطر ما واجهه ويواجهه العقل الإسلامي يتمثل بظاهرة القصور في فهم النصوص والجمود على حروفها وقراءتها بطريقة هندسية ليس فيها شيء من بلاغة النص ولا تحاكمه على ضوء مرجعية القرآن ومقاصد التشريع الإسلامي، ومن هنا ابتلينا بحشد من المرويات التي جمدت الإبداع في مختلف مجالات الفكر وأنتجت جماعة من المتخلفين والتكفيريين الذين وضعوا الإسلام في مواجهة العالم برمته من دون أن يميزوا بين صديق أو عدو، ومن دون مراعاة مصالح الأمة وأولويات الصراع. إننا نعتقد أنه لابد من معالجة هذه الظاهرة بدراسة أسبابها الفكرية ووضع الأسس الشرعية لتربية وإعداد جيل إسلامي جديد على مستوى الحوزة والجامعة والمجتمع، ليكون هو البديل الذي يحمل الإسلام بإشراقه ونقائه إلى العالم، وبهذا نستطيع تفكيك البنى التحتية للحركات الإلغائية التي مثلت وتمثل حال عدوان على الذات قبل أن تكون حال عدوان على الآخر، والتي أنتجت فريقا إسلاميا هنا أو هناك يحمي التحجر في الواقع الإسلامي السني أو الشيعي ويرجم الإصلاحيين والشخصيات الاجتهادية والطليعية المتنورة لحسابات ذاتية أو شخصية على رغم حديثها المتواصل عن التحديات المضادة وهجمة الأعداء. وإن للأنظمة والحكام دورهم الريادي في محاصرة هذه الآفة والحد من أثرها المدمر، والسعي بكل الوسائل الإعلامية والتربوية والثقافية إلى نشر الثقافة الأصيلة القائمة على الانفتاح على الآخر ومنجزاته من دون نقده في ذلك. ولكن المسألة اتخذت اتجاها عكسيا، إذ أسهم الحكام في عالمنا العربي والإسلامي في تعزيز ثقافة الجمود بكل تداعياتها من خلال افتقادهم للأسلوب الحواري والتربوي والاستيعابي لهذه الجماعات، بل إن بعض هذه الأنظمة راهنت على هذه الجماعات وغذت ذهنياتها لحساب مصالحها في السلطة والسيطرة.

تلاقي مصالح الإرهاب والاستعمار

إن تلاقي مصالح المستكبرين وتقاطعها مع مصالح هذه الجماعات وأهدافها، أسهم في تعزيز حضورها في العالم العربي والإسلامي، وعندما انقلبت وتبدلت مصالح المستكبرين وافترقت عن مصالح هذه الجماعات لم تستطع هذه القوى أن تسقطها، بل زادتها توهجا وشعبية نتيجة الظلم الذي مارسته وتمارسه المحاور الدولية، وخصوصا أميركا التي أرادت لعنوان الإرهاب الذي رفعته أن يكون وسيلتها إلى الحرب على الإسلام كله وللسيطرة على ثروات المسلمين والعرب. ونحن لا ندري كيف يمكن أن يكون رد فعل شعوبنا حيال موقف الأمم المتحدة في القمة العالمية واتفاق الدول على ملاحقة المحرضين على الإرهاب، في الوقت الذي يفسح المجال أمام أميركا و"إسرائيل" لممارسة إرهاب الدولة وتمنع الأمم نفسها من أن تجري تحقيقا بشأن ذلك، كما جرى أثناء مجزرة جنين، فإذا كان من ينتهك القوانين الدولية علنا ويمارس الإرهاب بشكل مفضوح، يتحرك في العالم على مستوى القيادة التي لا تقبل نقد أو ملاحقة الأمم المتحدة نفسها، فكيف نضع المسألة في خانة المحرضين فحسب، علما بأن البعض يرى في نقد "إسرائيل" تحريضا على معاداة السامية، ثم يصار إلى إلحاقه بخانة التحريض على الإرهاب والعنصرية. إننا نلحظ في هذا العالم جمودا مخيفا على مستوى ملاحقة المجرمين الحقيقيين، بحيث تتجرأ "إسرائيل" على نقض قرارات محكمة العدل الدولية، وقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ما يخص الجدار العازل، ولا ينطلق موقف حاسم يدينها ميدانيا. لأن القانون الدولي تحول إلى ما يشبه المهزلة، إذ يفرض على الضعفاء ولا يقترب من الأقوياء. إن الخطورة تكمن في أن الأمم المتحدة تحولت إلى واجهة لمحاكمة دول الممانعة لحساب المشروع الأميركي، وهي كما ساهمت في اجتياح العراق تحت عنوان أسلحة الدمار الشامل أو في ظل الصمت أمام أميركا وكذبتها الكبرى، يراد لها أن تسهم في التأسيس لاجتياحات ميدانية أو سياسية جديدة في العالم العربي والإسلامي بما يتناسب مع الأجندة الأميركية المرسومة سلفا، والتي توضع فيها آليات المحاكمة السياسية للوصول إلى النتيجة التي خطط لها بشكل مدروس وأريد للحركة السياسية أو القضائية أن تصل إليها، وهذا ما يبدو فاضحا في الملف النووي الإيراني وفي غيره من الملفات في المنطقة. إننا نقول لشعوبنا: إن أميركا ليست القضاء والقدر، وهي محكومة بالسنن الإلهية والكونية التي يدفع فيها الظالم ثمن ظلمه وطغيانه في نهاية المطاف، وعلينا ألا نسقط أمام تهاويلها الإعلامية وتهديداتها السياسية، لأن التجارب الأخيرة أثبتت أنها بدأت تسير الهوينى نحو الضعف في بعض المواقع، الأمر الذي قد يقودها إلى المزيد من التراجع في الوقت الذي توحي بأنها تملك أن تقهر الجميع.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً