العدد 1116 - الأحد 25 سبتمبر 2005م الموافق 21 شعبان 1426هـ

"غزة كالموت" إذ تخلى العرب عن الفلسطينيين لصالح شارون

حملة "قوس قزح" في كتاب إسرائيلي جديد

محمد بوفياض comments [at] alwasatnews.com

صدر للصحافي الإسرائيلي، شلومي إلدار، كتاب "غزة كالموت" يورد فيه الكثير من صور وتفاصيل عملية الهدم الواسعة التي قام بها جيش الاحتلال في رفح جنوب قطاع غزة، خلال الحملة العسكرية التي أسميت في حينها "قوس قزح" في مايو/ أيار . 2004 ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية قطعة من الكتاب، تضمنت وصفا صور فيه الكاتب بدقة كيف سار الـ "دي 9" كالوحش الضخم الجائع وجرف صفوف البيوت، وتراكض النساء والرجال باندفاع جنوني قبل وصول الجرافات الضخمة. وبالقرب من إحدى الحفر التي تم حفرها وقفت عائلة، الأب والأم والجد والجدة، وأخذوا يصرخون باتجاه الطفل الذي تخلف عن اللحاق بهم ويطلبون منه عبور الحفرة، وكان الطفل قد أخفى رأسه وراء كومة من التراب ولم يجرؤا على العبور. في هذه الأثناء اقتربت الجرافة الضخمة، وخشي الوالدان من العودة إلى الوراء حتى لا يصابا بالرصاص العشوائي الذي تطاير من حولهم، ونادوا على الطفل: "تعال تعال، كن بطلا"، وفتح الوالد الحقيبة وأخرج منها ثيابا داخلية بيضاء وكورها ككرة ورماها باتجاه الطفل وطلب منه أن يلوح بها عندما يمر في خط النار. تشجع الطفل وفعل ما أمره أبوه، فحنى رأسه ورفع "العلم الأبيض" وعبر ممر الرعب. وقال الصحافي الاسرائيلي: "أحد سكان حي البرازيل أطلق صافرة كالمجنون لإبعاد الهاربين من طريقه وهو يحاول الدخول إلى منطقة الخطر، وعندما رآني ورأى طاقم التصوير، توقف ونزل من سيارته واقترب مني صارخا: ماذا تفعلون؟ لقد عملت سنين طويلة في البناء عندكم، وكل ما ادخرته راح هباء. أنا لا أعرف الآن أين أولادي؟ أين زوجتي؟ ربما لا يزالون هناك وربما لا، وأنا لا أستطيع الوصول إليهم".

شتم العرب وشارون

وتابع شلومي إلدار: وقفت أمامه وقد عدمت الحيلة عندما انفجر بالبكاء، وفي هذه اللحظة رأيت خديجة العجوز العمياء تجلس فوق ركام البيت ويدها تتحسس الركام. كانت تبحث فيه وتشتم شارون واليهود والعرب الذين لم يهبوا لنجدة الفلسطينيين، فيما جلس حولها أحفادها وساعدوها في مهمة البحث عن الدواء في ذلك الركام. كانت خديجة تتلقى الدواء مرة واحدة فقط في الشهر من صندوق المرضى، ولا يوجد لديها أي دواء آخر. بدا الأمر أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش. قال احد أفراد عائلتها: "نحن نعرف أن غرفتها كانت هنا بالضبط، ودواؤها كان تحت وسادتها". ويتابع إلدار تسجيل ما حدث بقوله: "وقفت قرابة الساعة أراقب العجوز العمياء الباحثة بيديها بين أكوام الحجارة والرمل، وبقايا الأغراض التي كانت تخرج من بين الركام، وفجأة سحبت بيدها الوسادة وسارعت العائلة نحوها، لإيجاد حبات الدواء، وتجندت العائلة لهذه المهمة، وأخذت ترفع الحجارة حجرا بعد حجر، حتى عثرت على حفنة من حبات الدواء المطمورة". ويضيف الكتاب: يستغرق السفر من رفح إلى تل أبيب ساعتين، تماما مثل المسافة بين القدس وحيفا، ولكن عندما سافرت في شارع "أيالون" ورأيت أضواء أبراج تل أبيب تخيلت أنني عدت من كوكب آخر، أين هم وأين نحن؟ وكيف أن رواد المطاعم والمقاهي لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا شيئا عن جيرانهم البعيدين القريبين، فنحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، في حين أنهم قد أنهوا للتو العصر الحجري وعادوا إلى الفوضى الشاملة. وقال شموليك زكاي: "إن الهدف من الحملة هو زيادة حرية النشاط العملياتي في العمليات الجارية على محور فيلاديلفي، فقبل الحملة كانت المدرعة والدبابة تفتح المحور وتتلقى ثلاثة قذائف "آر بي جي" وعبوة ناسفة في المعدل، هدف المسلحين هو تفجير مدرعة والتسبب بخسائر لضرب المعنويات في "إسرائيل"، وفي المقابل إظهار وضع إنساني يحدث نتيجة لنشاط الجيش الإسرائيلي في الأحياء، وإثارة الرأي العام العالمي ضد "إسرائيل". ولم يتم الهدم هنا لمجرد الهدم، بل لمنع نشوء وضع تنفجر فيه إحدى آليات الجيش.

قتل فلسطينيين اكثر

ويتابع زكاي: "رئيس هيئة الأركان العامة للجيش يعالون، ووزير الأمن موفاز، سألاني: ماذا تعني عندما تقول: زيادة حرية النشاط العملياتي؟ وقلت لهم: "سيطلقون قذائف آر بي جي أقل، وستكون معارضة أقل عندما ندخل للبحث عن الأنفاق، والوسيلة للقيام بذلك بسيطة جدا تتلخص في قتل أكبر عدد من المسلحين وهذا هو جوهر الحملة". في يوم العشرين من مايو/ أيار، قرر زكاي وقف النشاطات لمدة 48 ساعة، لإتاحة المجال أمام الأنروا للدخول إلى رفح لتزويدها بالأدوية والأغذية. وقال الصحافي الاسرائيلي: "كتبت في مقالي عن حجم الهدم والدمار والعائلات التي فقدت ممتلكاتها، كل ممتلكاتها وسقف بيتها الوحيد. عشرات العائلات، ومئات اللاجئين. وقد أنكر الجيش الحقائق التي ذكرتها. وفي بيان للصحافة لشئون الجيش قال شموليك زكاي في اليوم نفسه، في رده على المعطيات التي نشرتها حول حجم هدم المنازل، أجاب زكاي أنه من الممكن أن يكون قد التبست علي الأمور، وان عشرات المنازل التي اعتقدت أنه تم هدمها في الحملة، يبدو أنها هدمت خلال سنوات الانتفاضة وليس في هذه الحملة، أي أنني لم أنقل تقارير صحيحة! وفكر المؤلف الاسرائيلي في انضمام صحافية اخرى إليه في رفح للنظر إلى الجانب الآخر من الحقائق الجافة. فحسب اعتقاده، في حال وجود وجود اثنين من الصحافيين كشاهدين، يمكن ان يشاهدا بأعينهما نتائج عمل الجيش في رفح، وحقيقة ما يقوم به من أعمال، تحت ستار "إتاحة حرية العمل للقوات"، ومصطلحات أخرى جافة تم تعويد الجمهور الإسرائيلي عليها أثناء الحرب على الانتفاضة. واعتقد إلدار ان الصوت المزدوج سيكون له وزن أكبر، "ليس كمقاتلين ضد حاجة الجيش إلى العمل ضد المخربين، وإنما كصحافيين يظهرون ويسمعون المأزق والورطة التي تضعها غزة أمامنا بين السيئ والأسوأ. ففي صباح الأحد، الثاني والعشرين من مايو ،2004 مكثت أنا وكرميلا منشي في جهنم رفح. عائلات بأكملها واصلت تراجعها أمام الجرافات الضخمة التي واصلت هدم بيوتها. وزير القضاء الإسرائيلي في حينه، يوسيف لبيد، قال في جلسة مجلس الوزراء الاسرائيلي ذلك اليوم، أن صور العجوز ذكرته بجدته أثناء الكارثة، واستغربت بدوري لهذه المقارنة. لم يعد بإمكان الجيش أن يتجاهل الصور، وعندما ظهرت الحقائق للناس، قام الجيش بتعديل المعطيات، واعترفت الناطقة، روت يارون، أنه أثناء عملية "قوس قزح" تم هدم 56 منزلا.

العدد 1116 - الأحد 25 سبتمبر 2005م الموافق 21 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً