العدد 1119 - الأربعاء 28 سبتمبر 2005م الموافق 24 شعبان 1426هـ

بازار الابتذال السياسي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

حسنا أن أصدر التحالف الرباعي بيانه بوضوح تام وأعلن رفضه قرار حكومة البحرين التطبيع مع الكيان الصهيوني وإعلان البراءة منه، ورفض الاملاءات الأميركية المؤيدة للعدو الصهيوني، وإعادة النظر في اتفاق التجارة الحرة، ومقاطعة ومحاصرة المؤسسات التي تسعى إلى ترويج البضائع الإسرائيلية، فضلا عن التمسك بموقف شعب البحرين المبدئي تجاه القضية الفلسطينية ودعم شعبها. إذا كل الدلائل تشير إلى ضرورة محاصرة هذه القرارات وخطواتها التطبيعية. لماذا؟ لأسباب كثيرة منها: على مستوى الموقف الرسمي: البيان كشف الغطاء عن ملابسات وتبريرات الحكم لهذه الخطوة النوعية الخطيرة التي جاءت في وقت لم تحسب فيه معدلات الأرباح والخسائر المعنوية والمادية بدقة، لا على مستوى المواطن ولا على مستوى الشعب العربي والإسلامي. فالضعف توضح عبر التصريح الرسمي القائل ان "على حكومة البحرين الالتزام بالقرارات العربية، وإنها ستقيم علاقات دبلوماسية ضمن الإجماع العربي". بدورنا لا ندري بعد ما المقصود بالإجماع، أهو إجماع قمم الحكومات العربية التي فشل غالبيتها، أم الإجماع الذي تتحلق حوله الأنظمة وتهرول للانحدار في حضن الكيان الصهيوني واسترضائه شريطة الاستقواء به على شعوبها ومن أجل إطالة أمد حكمها؟ في السياق، تمت الإشارة إلى تبرير آخر هو أقبح من الذنب: "إن الإجراء جاء لتجسيد شروط اتفاق التجارة الحرة التي تمنع مقاطعة البضائع مع الشركات التي تتعامل مع "إسرائيل"، وكون البحرين عضوا في المنظمة، والمنظمة ضد مبدأ المقاطعة، إذن نحن نقاطع الدول وليس الشركات. هناك بلدان عربية رفعت الحظر كمصر، وهناك اتصالات من قبل باكستان وقطر، وإعلان من الرباط عن زيارة لها من قبل سيلفان شالوم، علما بأن لدى "إسرائيل" مكتب هناك منذ العام ،1994 وآخر للمغرب في تل أبيب منذ العام .1995 حقا بازار تكشف فيه الأنظمة العربية عن مظاهر بؤسها واحتقارها لشعوبها وضعفها عن تمثيل رأي رجل الشارع وحفظ كرامته وهيبته وهويته العربية والإسلامية. على مستوى موقف الكيان الصهيوني: الترحيب والتصريحات التي أبدتها "إسرائيل" تجاه قرار الحكومة، كشف المستور عن موقف الطرفين، إذ وصفت "إسرائيل" الخطوة بأنها إيجابية على مستوى العالم العربي، وانها ستسهم في عملية السلام المعدة للشرق الأوسط! والأدهى من ذلك تصريحهم بأنها تعكس رغبة العالم العربي في التحدث مع "إسرائيل". "إسرائيل" لا تكشف المستور فقط بالتصريحات إنما بأفعالها المفضوحة "عيني عينك"، ففي تفجيرات غزة أوقعت ما يربو على 92 قتيلا وجريحا بحسب الوكالات العالمية، وفرق الاغتيالات والموت نفذت عملياتها حديثا بحق عناصر من حركة الجهاد الإسلامي في طولكرم والضفة الغربية المحتلة، وقام طيرانها بقصف مكثف، كما أسقطت صواريخها على السيارات المشاركة في العرض العسكري الذي أقيم في غزة. جرائمها مستمرة في شن الغارات، ونشر المدفعية على الحدود شمال القطاع، والحصيلة دمار وأسلاك شائكة وتهديم للبيوت والمنشآت والسيارات، ومجازر وعشرات الضحايا من الجرحى والشهداء من الصغار والكبار، النساء والكهول. لا انسحاب من غزة، إنما سيطرة على المعابر والحدود البرية والبحرية والجوية، وتحويل غزة إلى سجن كبير. لهذا وذاك يكون "رفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية" خطوة خطيرة تدرج في مفهوم الابتذال السياسي المحض مهما سيق لها من مبررات وأسباب. على مستوى موقف الآلة الإعلامية: فعل "الخطوة"، ورد فعلها "البيان"، كشف وسيكشف في قادم الأيام المزيد عن ماهية الآلة الإعلامية المحلية وشراستها وابتذالها الذي يكشف عن مستويات من اللامبدئية وعدم احترام أصول المهنة ولاسيما على المستوى الصحافي. فالمتطوعون بدأوا بترويج بضاعتهم الجديدة بمجرد إعلان رفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية، وانتفضت بعض أقلام البازار الصحافي المحلي لتدشين عروضها الأراجوزية المسخة، ورفع أشرعتها إيذانا بانطلاق قوارب التأييد ومسح الجوخ "للخطوة الخطيرة"، وتوجيه القذائف إلى كل من يعارضها ويمارس الأساليب النضالية التي يمارسها الإسرائيليون أنفسهم للتعبير عن احتجاجاتهم على الانسحاب من المستوطنات وعقد اتفاقات السلام التي يقوم بها قادتهم مع الأنظمة العربية. مسالك ودهاليز هذه الأقلام مكشوفة الرأس والقدم، واعتاد عليها المواطن ولم تعد تشكل بالنسبة إليه إلا صورة من صور البؤس والتعهر الإعلامي والسياسي. فتارة يستنكرون ويهددون ويتوعدون، وأخرى يتندرون من مواقف القوى السياسية والأفراد المعارضين لخطوة التطبيع مع الكيان الصهيوني، إذ لم يتوان أحدهم عن وصف حركة المعارضة بأنها بدأت تتخذ مسار العد التنازلي لهرولة المسيرات والاعتصامات الحاشدة والبيانات الاستنكارية وتشكيل لجان المتابعة، والمساءلة والمحاسبة النيابية كل ذلك بعد سلق التحركات والمواقف الأهلية التي ستقبل بحسب تعبيره بالأمر الواقع. هكذا ببساطة وبشحطة قلم بائس وثلاثين كلمة مسمومة، يمسح صاحبنا تاريخ ونضالات الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال منذ أكثر من نصف قرن، وكل ما نتج عنه من قتل وتدمير للأرض والإنسان وسحق الهوية. لكل هذا وذاك، حسنا ثانية، أن أصدرت المعارضة البحرينية بيانها الذي يرد الصاع صاعين على السابحين في تيار الانحدار، الذي سيغرقنا ويتنكر لهويتنا العربية. حسنا ثالثة، لأن الصورة غدت واضحة لا لبس فيها وإن تعددت مظاهرها التقليدية، وهي تعبير فاقع بلاشك عن افتقار إلى الشعور بالكرامة والحس الوطني والحال المتضخمة من الابتذال السياسي التي تعاني منها الأنظمة وما يتحوطها من حشرات وديدان طفيلية بدأت تنمو وتنتشر في مجتمعاتنا بسبب ضيق النظر واليأس والعجز وانعدام الوعي والانجرار وراء الشعارات الأميركية البراقة في الشكل والنتنة في المضمون. ثمة تأكيد بات من الضروري الإشارة إلى أن الحال أعلاه لا تمثل حالا مستعصية الانتزاع من جذور مجتمعاتنا، ولا من المستحيل مواجهتها وتحديها، ففعل الهرولة للمقاومة والاحتجاج، والصمود هو ما يجب أن يشكل أجندة الإنسان العربي الوطني الشريف في كل مكان، ورص الصفوف وتوحيد الكلمة من أي موقع كان وبثقة متناهية بعدالة قضايانا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. إن ما يحدث في كل أرض عربية وبحسب رأي أحد الكتاب، ما هو إلا انعكاس للهزات الارتدادية التي سيحدثها زلزال المشرق العربي، وهو كما أسماه "إعصار جورج" الذي وصل إلى ذروته في الشرق الأوسط وسيقوم بتدمير الواقع الراهن عبر خلق الفوضى والاضطرابات ومن دون عملية بناء تليه. لاحظوا من دون عملية بناء ولا يحزنون

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1119 - الأربعاء 28 سبتمبر 2005م الموافق 24 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً