العدد 3004 - الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 20 ذي الحجة 1431هـ

الرزق المر... دعوة لتبادل الأدوار

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

من منا دعاه الفقر والعوز لأن يقبل أن يرهن مستقبله بقروض طائلة تاركاً أسرته، متنقلا بين أيادي سماسرة البشر، ومن محطة الى أخرى في رحلة قد تستغرق أياما قبل أن يستقر في مقعد طائرة تأخذه مغتربا في أقاصي الأرض الى مكان غير معروف، وعمل غير معروف، وعند رب عمل غير معروف، حاملا حقيبة مهترئة خالية إلا من الحلم بلقمة عيش لمن خلّفهم وراءه، وبحياة أفضل؟

من منا يقبل أن يوقّع أو يبصم، في محطته الأولى في البلد الغريب على عقد لا يفقه المكتوب فيه؟ وأن يصدم بواقع أنه سيعمل ثلاثة شهور بلا راتب، لأن السماسرة الذين أوصلوه الى هذه المحطة اقتسموا هذه الرواتب فيما بينهم، وأهدوا ثلاثة شهور من عمله مجانا للكفيل المنتظر وهو لا يعلم عن الأمر شيئا؟ من منا يقبل أن ينتظر محبوه شهوراً قبل أن يصلهم منه ما يعوضهم فقدان القرب والحنان؟

من منا خطر بباله كيف تكون الليلة الأولى في مكان غريب، بين غرباء، ولا يعرف شيئا عما ينتظره؟

من منا يقبل أن يستيقظ في يومه الأول على أوامر بلغة لا يفهمها، وتعطى له مسئولية أجهزة لا يعرف كيفية تشغيلها، ويُحاسب على مستويات نظافة وترتيب لم يسمع بها من قبل؟

من منا يقبل أن يكون عليه أن يفهم أمزجة أهل البيت الذي يعمل فيه ويتحملهم فرداً فرداً، ويلبي طلباتهم واحداً واحداً، صغيراً كان أم كبيراً، بدءاً من جلب كأس الماء وحتى تنظيف الحذاء، وفي أي وقت يشاء؟

من منا يقبل أن يجرَّد من وثائقه... هويته... ويُودع في مكان بلا وسيلة اتصال بالعالم الخارجي، ويُمنع من استخدام الهاتف، من محادثة من ينتمون الى بلده إنْ تصادف وجودهم في الجوار؟ من منا يقبل ان يبقى بلا هاتف للطوارئ لو حدث له مكروه؟

من منا يقبل أن يُحرم من الاحتكام الى عقد وقانون لو شعر بالظلم؟

من منا يقبل أن يعمل طيلة اليوم بلا أوقات راحة منتظمة؟ من منا يقبل أن يعمل 7 أيام متواصلة دون يوم إجازة؟ وحتى هذا اليوم إن أعطي له فلا يمكنه أن يختار أين يقضيه؟ ومن منا يقبل أن يعمل سنتين متتاليتين من دون إجازة مدفوعة الراتب؟ فكيف بمن يعمل 14 عاماً من دون هذا كله، وبلا راتب كما حدث مع قمر النسا رسول؟! من منا يقبل أن يعمل في مكان الخطأ فيه غير مقبول، فإن خذله حذره، يفاجأ بصفعة على وجهه، أو ضربة مهينة على كتفه أو ظهره إذا ما أخطأ في مقادير الطبخ، أو حرق كُمّ القميص، أو أسقط كأسا على الأرض وكسره؟

من منا يقبل أن يُحجب راتبه ويُهدد باستخدامه لـ «تسفيره» في أي لحظة لا يكون فيها وفق ما يُراد منه أن يكون؟

من منا يقبل أن يتعرض لتحرش وربما اغتصاب لا سبيل لرده إلا فقدان الوظيفة والتيهان في إجراءات طويلة وبطيئة إن أراد ان يأخذ قضيته الى المحاكم؟

هذا التحقيق لا يفترض أن كل عاملات المنازل ملائكة، ولا يفترض أن كل أرباب وربات البيوت شياطين ومجرمين، إنما هو جولة في عالم الطرف الأضعف في علاقة العمل: عاملات المنازل، رُصدت خلالهُ انتهاكات مخيفة مردّها ثغرات قانونية، وإجراءات كسولة، وعدم وعي العاملات بحقوقهن، يوازيه عدم وعي مجتمعي بالفارق بين عمالة المنازل والرقيق في زمن العبودية.

هذا التحقيق هو دعوة لتبادل الأدوار بين طرفي عقد عمل لم يرقَ بعد الى مستوى حفظ الحقوق... لاستنهاض إنسانية الطرف الأقوى: رب العمل، ريثما تستقيم الأمور بقوانين تعرّف الحقوق، تصونها وتحميها.

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 3004 - الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 20 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:51 ص

      الخدم ومن فى حكمهم

      لدينا فى تاريخنا الأسلامى أمثلة ناصعة فى معاملة الخدم والحديث الشريف يقول فى ما معناه أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه هذا له معانى كثيرة ومقاصد متشعبة لا نعرف نحن المسلمين لماذا نصد عنها الغريب أن لساننا لاينفك عن السب والأتهام للطرف الأضعف يبدوا أننا نبرر أفعالنا

    • نعمان محمد | 2:50 ص

      الحلقة الاضعف

      تفسير لا تبرير ... ان اساءة المعامله للخدم بالدول العربية في غالبه هو نوع من التنفيس من جراء القمع الممارس ضد الشعوب من قبل السلطات فنحن نعيش في دوائر متداخله فالسلطة تقمع الرجل والرجل يقمع المراه والمراه تقمع الخادمه او الاثنين يقمعونها واذا ما انفرجت على الرجل انفرجت على المراه وبدورها تنفرج على الخادمه .. الخادمه هي الحلقة الاضعف وسن قوانيين جديدة لن تغير من الواقع شيئا بل قد تزيد الطين بله ..

    • زائر 3 | 2:44 ص

      أمينة الفردان ..

      بالفعل نحن بحاجة ماسة إلى مثل هذه المقالات الهادفة التي تعيد صياغة الأمور و تجرها إلى نطاقها الإنساني الصحيح ..

    • زائر 2 | 2:12 ص

      بارك الله فيك

      بارك اله فيك وزاد من أمثالك في وطننا الغالي
      وليشع دائما قلمك بالنور الذي يركل الظلم لا الإنسان

    • زائر 1 | 10:11 م

      رائع

      ليس لدي سوى ان هذا المقال رائع ذكرني بانسانيتي المهانه

اقرأ ايضاً