العدد 2436 - الخميس 07 مايو 2009م الموافق 12 جمادى الأولى 1430هـ

التيار التكفيري فرع من أزمة فكرية (3-3)

الأنظمة الحاكمة، والعجزالشامل عن توفير أدنى احتياجات شعوب المنطقة، ثم معالجة العنف بالعنف، هو الذي يقود إلى تغذية هذه التيارات المتطرفة وحقنها بإبرالإنعاش كلما ضعفت. وكما يقول بورغا فإنه «وبطريقة أكثر منهجية مما نعتقد، تمثل الدولة «النموذج» في مجال العنف إنْ لم تكن هي التي تبادر به وتبدؤه».

2 - إنّ جهاد هذه التيارات مثله مثل جهاد الخوارج في التاريخ الإسلامي، كان أعظمه في قتل المسلمين وسفك دمائهم وليس في جهاد أعدائهم. ومن المهم الانتباه إلى أنّ هذه الجماعات تعمل اليوم على أنْ تحيي الموات من الصراعات الداخلية والفتن المذهبية والطائفية والصراعات الكلامية بين المسلمين... ولعلّ تهمة الأشعرية التي قتل بها الشيخ محمد السعيد في الجزائر، والعداء الكبير الذي تحمله هذه الجماعات للشيعة، وهو عداء يكاد يفوق عداءهم للصهاينة وكل أعداء الأمّة، ثم تكفيرهم أو تضليلهم أو تقسيمهم لغالبية رموز الحركة الإسلامية المعتدلة، دليل على الأدوار السلبية والهدّامة التي تلعبها هذه الجماعات في العالم العربي والإسلامي، من دون أنْ ننسى دورها في القتل والتخريب وسفك الدماء وانتهاك الحرمات... ثم يغيب علينا أنْ نرى دورهذه الجماعات في إتاحة الفرصة تلو الفرصة من يروم تشويه الإسلام والمسلمين، وتقديمهم مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية والصهيونية المعادية للعرب والمسلمين.

-3 إنّ هذه العناصر التي اعمتها تجاربها المؤلمة عن أنْ ترى الأمور على حقيقتها لا يمكن علاجها في الشدة والقسوة عليها، إذ بسبب تلك الشدة والقسوة نبتت أكثر تلك الفقاقيع، ولا يصلح الشيء نفسه أنْ يكون علة وعلاجا لنفس المرض وفي الوقت نفسه.

ولكن للأسف فهذا هو الخيار الرائج والمحبذ لدى غالبية النخب السياسية والأمنية العربية، التي ترفض الاعتراف بنصيبها من المسئولية في صناعة هذه الظواهر الشاذة، ونراها تعمل على تبسيط الأمور وتفسيرظواهر معقدة راجعة إلى أسباب سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية، بثلة من العائدين من أفغانستان أو البوسنة أو أيّ بلد آخر، كمن ترفض الاعتراف بفشل المعالجة الأمنية في القضاء على هذه الظواهر... إذ المعالجات الأمنية إنْ هي حققت أقدارا من النجاحات في فترة من الفترات، فهو لا يعدو أنْ يكون نجاحا مؤقتا، سرعان ما تعود بعده تلك الجماعات إلى النشاط، في فترات لاحقة، أكثر قوة، وأحكم تنظيما، ولعلّ التجربة الليبية والمصرية خصوصا، ثم التجربة الجزائرية، خيرُ شاهد على ما نقول.

-4 إنّ الإرهاب سرعان ما يمكن تجييرأفعاله لصالح القوى التي قام من أجل مناهضتها، وأنه، في كثير من الحالات، يكون طريقا ملكيا لإجهاض عمليات تغيير حقيقة، تختمر في أرحام المجتمعات، فتقوم بعض الجماعات المغالية في التطرّف والتي يسهل اختراقها وتوجيهها، بهجوم مسلّح هنا، وتفجير قنبلة هناك، واغتيال مثقف أو مسئول أو عنصر من عناصر الأمن في مكان ثالث، وهي تظن بذلك أنها تعجّل بإسقاط الدولة التي تناهضها، وما هي في الحقيقة إلاّ جادة في حفر قبرها بيدها،، ومرسّخة لبنيان الدولة التي تحاربها، فالنفوس البشرية السليمة لا تقبل الإرهاب سبيلا للتغيير والوصول إلى الحكم، وخصوصا إذا كان إرهابا أعمى، لا يفرّق بين الضحية والجلاّد، كالإرهاب الذي عرفته الجزائر.

فضلا عن أن ّالدولة، أية دولة، وخصوصا الدولة الحديثة، تحسن اللعب في ميادين الصراع العنيف، أكثر من غيره من الميادين الأخرى، فلأجله تعد الجيوش المحترفة، والأسلحة المتطوّرة، والمخابرات المدرّبة، ولا يمكن أنْ تقوى على مواجهة تلك الآلة الرهيبة عناصر هاوية، تعمل بعشوائية وتقاتل بأسلحة بدائية... فيكون الخاسر في النهاية هو المجتمع والشعب، في أرزاقه التي تتلف، وفي إنجازاته التي تدمر، وفي الأبرياء من أبنائه الذين يسقطون ضحايا الإرهاب الأعمى والقمع المتوحش.

وفي هذا السياق فإنّ من واجب الحركة الإسلامية، كما من واجب غيرها من القوى السياسية أنْ تجرد جماعات الإرهاب من كلّ غطاء ديني أو سياسي يمكن أنْ تغلّف به عنفها وإرهابها، إذ في غياب ذلك يمكن أنْ تختلط السبل، وتستفيد تلك الجماعات من حالة الغموض والفوضى. ودعنا نسجّل بوضوح وجلاء لا لبس فيهما أنّ أمضى سلاح في مواجهة تلك الجماعات هو إحقاق الحقوق وإعادتها إلى أصحابها، وإتاحة مجال واسع للحرية، إذ في مناخات الحرية تتقوم النفوس المريضة، وتفقد كلّ مبرر تسوّغ به أعمالها، ولابدّ من إتاحة الفرصة أمام القوى الإسلامية المعتدلة التي تنبذ العنف والإرهاب حتى تؤطر الشباب الغاضب والمحبط، في أوعية الأعمال النافعة بدلا من ترك الكثير منهم نهبا لهذه الجماعات. ولكن هذا القول وللأسف الشديد يمثل بالنسبة إلى بعض الأنظمة العربية علاجا أوجع لها من ضربات تلك الجماعات وأعمالها الإرهابية، وهذا من الأمور المحزنة ولاشك.

العدد 2436 - الخميس 07 مايو 2009م الموافق 12 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً