العدد 3016 - الأربعاء 08 ديسمبر 2010م الموافق 02 محرم 1432هـ

تطور تنظيم بيت قطرايا

البحرين في القرن السادس (1)

في بداية الثلث الثاني من القرن السادس الميلادي وحتى نهاية هذا القرن حدثت العديد من الأحداث السياسية في الشرق الأوسط والتي اعتبرت في أغلبها تدابير احترازية لمواجهة التغير الذي طرأ على الساحة السياسية وذلك بسبب الأحداث التي سبقت هذه الفترة, وسوف نتناول تلك التطورات والتدابير في هذا الفصل والفصول القادمة, ويمكننا هنا إيجاز هذه الأحداث في النقاط التالية:

1 - تطور أبرشيات الجزر وتكوينها لتنظيم عرف باسم بيت قطرايا والذي أعلن معارضته لجاثليق كنيسة الشرق.

2 - الروم تصنع من الغساسنة قوة وسلطة سياسية توازن قوة وسلطة المناذرة.

3 - الغساسنة تتبنى المذهب المنوفيزي وتدعمه في قبال المذهب النسطوري.

4 - الساسانيون يعينون حاكم عسكري فارسي في شرق الجزيرة العربية إلى جانب الحاكم القبلي المعين من قبل المناذرة.

5 - تزايد قوة المناذرة وكثرة صراعاتهم السياسية مع قبائل الجزيرة العربية وكذلك مع الساسانيين.


تطور أبرشيات الجزر

بعد صمت دام قرابة 30 عاماً عادت أبرشيات الجزر للذكر في المراجع النسطورية وذلك في نهاية الثلث الأول من القرن السادس الميلادي حيث ذكرت في نطاق الخلاف الكنسي الذي سبق أن ذكرناه في فصل سابق والذي نشأ ما بين الأعوام 524م و537م وذلك بشأن صحة تولي الجاثليق في أعقاب وفاة شيلا، فقد رفض نرساي الاعتراف باليشاع فنشب نزاع انتقل إلى الولايات، ويقال أن اليشاع نجح في سجن نرساي وتجول حتى مرو لإعادة النظام إلى الكنيسة ثم ذهب إلى فارس وخوزستان والبحرين ورسم مطارنة للحواضر وأساقفة وطرد الذين قاوموه (بوتس 2003، ج2 ص1025).

ويبدو أن أبرشيات الجزر وشرق الجزيرة العربية أرغموا على التعامل مع الكنيسة الشرقية في عهد كسرى الأول أنوشروان (531م - 579م) وذلك بسبب الإجراءات السياسية التي قام بها والتي سنأتي عليها بالتفصيل في فصل لاحق.


الجاثليق ولؤلؤ البحرين

بدأ عهد الإصلاح في الكنيسة الشرقية في عهد مار أبا الكبير (540م - 552م) الذي انتخب جاثليقاً لكنيسة الشرق العام 540م (أبونا 1985، ج1 ص145). ومن جملة إصلاحاته إلغاء ما جرى إبان فترة الرئاسة المزدوجة في كنيسة المشرق فتبطل الجاثليقين نرسا واليشاع كليهما من الرتبة البطريركية وتسقطهما من لائحة الجاثلقة (أبونا 1985، ج1 ص148). وبعد وفاة مار أبا خلفه الجاثليق يوسف (552م - 570م) الذي لم يكن على مستوى المسئولية الكبرى التي أنيطت به فهو لم يتسمَّ بصفات الرئاسة والإدارة إنما كان مختصاً بالطب وقد انتخب جاثليقاً بسبب علاقته القوية مع كسرى الأول بعد أن قام بعلاجه، وقد اتصف يوسف بالعلمنة وسوء الخلق (أبونا 1985، ج1 ص151)، إلا أن مصدر قوته كان الملك كسرى الذي لم يتقرب له يوسف بالعلاج فقط وإنما بالهدايا الثمينة فبحسب حوليات سرت، كان كسرى الأول يرسله إلى البحرين واليمامة وكان يجلب عند إيابه لآلئ للملك كسرى (بوتس 2003، ج2 ص1028).

ويبدو من هذا الحدث والأحداث التي سنأتي عليها لاحقاً أن ما حدث في هذه الحقبة أن الغاصة الذين يعملون في استخراج اللؤلؤ في البحرين وشرق الجزيرة العربية اعتنقوا المسيحية (سنأتي على تفاصيل ذلك لاحقاً) ويبدو أن الملك كسرى أوجد نظاماً لتنظيم صيد اللؤلؤ عبر الجاثليق حيث سيتكرر لاحقاً سفر جاثليق آخر للبحرين، وكذلك سيتم ذكر تنظيم صيد اللؤلؤ عند جاثليق ثالث أيضاً وعلى هذا الأساس يبدو منطقياً حاجة الملك كسرى لشخص أقرب للعلمنة منه للدين ليكون الجاثليق.

وفي العام 567م ضاق ذرع أساقفة كنيسة الشرق من أفعال الجاثليق يوسف وشكوا أمرهم لكسرى وطلبوا منه إقالة يوسف فاستجاب لهم وأقاله ولكن تم إيقاف ترشيح جاثاليق آخر حتى موت يوسف الذي لاقته المنية العام 570م (أبونا 1985، ج1 ص153).


الجاثليق حزقيال وأسقفيات الجزر

بعد موت يوسف عادت الأمور للاستقرار ولكن لم يكن هناك إصلاح فقد اختار الملك كسرى حزقيال (570م - 581م) ليكون جاثليقاً لكنيسة الشرق، وقد كان حزقيال طبيباً أيضاً ولكنه أذكى من يوسف فحاول في بادئ الأمر إرضاء أساقفة كنيسة الشرق ومن ناحية أخرى تابع ما بدأه قبل أن يكون جاثليقاً وهو السفر إلى البحرين واليمامة والعودة باللآلئ للملك كسرى (أبونا 1985، ج1 ص158).

وأهم ما قام به حزقيال هو المجمع الذي عقده العام 576م الذي ورد فيه ذكر أبرشيات الجزر، حيث تشير محاضر جلسات هذا المجمع لحضور أحد الشمامسة نيابة عن إسحاق أسقف هجر وخطا (أي الخط)، ونائب كاهن اسمه سمعان نيابة عن سرجيوس (سرجيس) أسقف مشماهيج. وقد حضر أسقف مزون (عمان) في هذه الحالة وحده دون سواه واسمه صموئيل (بوتس 2003، ج2 ص1028).


رسالة أيشوعياب الأول إلى دارين

بعد موت كسرى الأول في العام 579م استلم الحكم من بعده ابنه هرمزد الرابع (579م – 590م)، وقد استفاد هرمزد من أيشوعياب عندما كان أسقفاً لأرزون الواقعة على الحدود الفارسية الرومانية وذلك للوقوف على تحركات الجيوش الرومانية ولذلك أحبه وأظهر رغبته لدى موت الجاثليق حزقيال، العام 582م، في أن يقام رئيساً على كنيسة الشرق (أبونا 1985، ج1 ص164).

وتعد إحدى أهم الوثائق المتعلقة بالطوائف النسطورية في جزيرة العرب الشرقية في هذا الوقت، رسالة حررها الجاثيليق أيشوعياب الاول في ما بين الأعوام 581م و 585م وبعث بها إلى يعقوب أسقف داراي (أي داريين)، وقد وصفت الرسالة داراي بأنها جزيرة بجوار تالون (جزر البحرين) وجزيرة أخرى لم يتعرف عليها تسمى رحا يتبه (Beaucamp et Robin 1983). أما مضمون الرسالة فقد كانت جواباً على رسالة من يعقوب تحوي 33 سؤالاً تتعلق على وجه الخصوص بجوانب الطقوس الكنسية والقرابين والمسائل الخلقية العامة (الربا، القسم) وتتعلق أيضاً بالحقوق (الوصايا، الوراثة)، وقد أتى الجواب بصيغة عشرين قانوناً، تتضمن ما يحتاجه لإدارة أبرشيته. ومن خلال هذا النص بالإمكان استشعار الأهمية العددية لهذه الجماعات الكنيسية بشمامستها ورهبانها وأسقفها ورئيس شمامستها كما هو عليه الحال في كل كنيسة نسطورية وكذلك استشعار وجود الكنائس والأديرة في القرى (Beaucamp et Robin 1983).

ولكن النقطة المثيرة للدهشة في هذا النص هي ذكر «الغواصين الباحثين عن اللؤلؤ» وذلك فيما يتعلق بالإجازة الأسبوعية (القانون التاسع عشر)، ومن الواضح أن الغاصة وجدوا صعوبة في اتباع هذا النظام، لذا فقد اقترح الجاثليق لهذه المشكلة حلاً معتدلاً «فليتوقفوا إذا شاءوا»، وتوضح لنا هذه الفقرة بأن الديانة المسيحية كانت منتشرة حتى في أوساط الفئات الاجتماعية الفقيرة من السكان الأصليين في جزيرة دارين (Beaucamp et Robin 1983).


إعلان المقاطعة

في العام 585م لم يحضر أي أسقف من أبرشيات الجزر ولم يمثلهم أحد في المجمع الكنسي الذي عقده الجاثليق أيشوعياب الأول، وكذلك غريغوريوس رئيس أساقفة مدينة ريو أردشير، الذي تتبع له أبرشيات الجزر، كان غائباً أيضاً. إلا أن غياب غريغوريوس «وأساقفة إقليمه» لم يكن عفوياً كما تشير إلى ذلك محاضر جلسات المجمع الكنسي، فغيابهم يعود إلى رفضهم الاستجابة إلى نداء الجاثليق، أي الاعتراف بسلطته البطريريكية، وقد يعود غياب أساقفة أبرشيات الجزر إلى السبب نفسه (Beaucamp et Robin 1983). ويرى كل من بيوكامب وروبن أن هذا دليل على الصلات الوثيقة التي تربطهم بكرسي رئيس أساقفة مدينة ريو أردشير حيث يقفون معه في مجابهة الجاثليق. ولكن أبرشيات الجزر عارضت لاحقاً كرسي ريو أردشير وفضلت الاستقلال بنفسها، كذلك ريو أردشير طالبت بالحصول على عدة ميزات ورتب دينية، وبذلك تتفق مصالح أساقفة أبرشيات الجزر مع مصالح أساقفة ريو أردشير وعليه يبدو منطقياً أن ينظموا المعارضة وأن يطالبوا بمطالبهم في آنٍ واحد حتى يتم الاستجابة لمطالبهم، إلا أن جثالقة كنيسة الشرق الذين تتابعوا على كرسي الجثلقة لم يستجيبوا لهم، وسوف تستمر المعارضة حتى النصف الثاني من القرن السابع الميلادي.


أبرشيات الجزر والمذهب المنوفيزي

سوف نتناول المذهب المنوفيزي وتعصب الغساسنة له بالتفصيل في الفصل القادم، ولكن ما يهمنا هنا أنه في العام 595م وذلك عندما أصبح أنستاسيوس بطريرك كنيسة أنطاكيا وأعاد تنظيمها، وقسمها إلى عشر أبرشيات حديثة، وضمت الأبرشية التاسعة بلاد ما بين النهرين والبحرين (بوتس 2003، ج2 ص1031). وهذا يعني بناء أبرشيات منوفيزية في شرق الجزيرة العربية. وتشير الدراسات واللقى الآثارية إلى وجود كلا الطائفتين المنوفيزية والنسطورية في شرق الجزيرة العربية، حيث توجد إشارات لوجود المنوفيزين في البحرين في القرن التاسع الميلادي (بوتس 2003، ج2 ص1031) أما اللقى الآثارية فسنخصص لها فصلاً مستقلاً.


بداية ظهور بيت قطرايا

بعد أن أعلنت أبرشيات الجزر معارضتها الصريحة لجاثليق الكنيسة الشرقية بدأ الصراع الرسمي بينها وبين كنيسة الشرق وقد زادت درجة حدة ذلك الصراع ببناء أبرشيات منوفيزية في شرق الجزيرة العربية، وبعد ذلك بسنوات قليلة وبالتحديد فيما بين الأعوام 615م و619م ظهر مسمى بيت قطرايا لأول مرة حيث وردت التسمية قطرايا في المصادر النسطورية مرة بصورة قطريو وتارة مضافة كاسم منطقة لا موضع معين فهناك «مدن قطرايا» و«شعب قطرايا» و«كنيسة قطرايا». فقد جاء في الحوليات السريانية المجهولة المؤلف أنه في بداية القرن السابع الميلادي كان يوجد في بلاد النعمان الثالث ملك الحيرة أحد المترجمين الذي خان سيده لصالح كسرى الثاني، وكان هذا المترجم مسيحياً من أهل دارين (Beaucamp et Robin 1983) وبحسب الحوليات نفسها استولى كسرى الثاني على الإسكندرية في العام 615م - 616م وقد دل الفرس إلى طريق الإسكندرية رجل اسمه بيتر وهو مسيحي من بيت قطرايا جاء إلى الإسكندرية لدراسة الفلسفة (بوتس 2003، ج2 ص1033). ومن الأسماء الأخرى التي ذكرت في المصادر النسطورية جبرائيل قطريو وهو سابق لزمن «باباي الأكبر» وقد ورد ذكره في فهرس عبديشوعBeaucamp et) Robin 1983).

العدد 3016 - الأربعاء 08 ديسمبر 2010م الموافق 02 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً